مقالات مختارة

لماذا يصرّ المستقبل على ارتكاب الاخطاء القاتلة؟ ابراهيم ناصرالدين

 

ثمة حيرة كبيرة لدى كثير من قيادات 8 آذار حول اسباب استمرار «العناد» المستحكم لدى الفريق الاخر والذي يدفع بالبلاد نحو الشلل التام، اذا لم يكن الفوضى، فاذا كانت رئاسة الجمهورية تحتاج الى اتفاق اقليمي ودولي، وانتظار لتطورات الموقف في سوريا، فما الذي يمنع «ارضاء» الجنرال ميشال عون ببعض التعيينات الامنية او التنازلات السياسية غير المؤثرة لتمرير المرحلة باقل الاضرار الممكنة؟

هذه الاسئلة لا تجد الا جوابا واحدا عند قيادي بارز في 8 آذار، انهيار المنظومة القيادية في تيار المستقبل، وانعدام الثقة بين الاميركيين والسعوديين، وغياب استراتيجية واحدة تحرك هذا الفريق، هذا ما يؤدي الى «ارتكابه» الكثير من الاخطاء «القاتلة»التي يمكن ان يدفع ثمنها غاليا في مرحلة لاحقة.

وفي هذا السياق، لم يحمل السفير السعودي علي عواض العسيري اي جواب «شافي» على تساؤلات رئيس الحكومة تمام سلام «القلق» من انحدار الاوضاع الداخلية نحو الاسوأ، وخلال اللقاء الذي جمعه بالسفير السعودي امس سمع كلاما مشابها لما سمعه في نيويورك ويفيد بان الرياض كمثل الدول الكبرى لا تضع لبنان على سلم اولوياتها، فالحرب في اليمن تتقدم على ما عداها، ثم التطورات السورية المتلاحقة، وكذلك ارتفاع منسوب التوتر مع ايران على خلفية الحادث المأساوي في منى.

وبحسب تلك الاوساط، تتعامل الرياض بكثير من الجدية مع الوعيد الايراني بالرد على ما تصفه بعض الدوائر الايرانية بالحادث المدبر في منى، وما لم تحل مسألة المفقودين خلال الايام المقبلة، ثمة كلام ايراني آخر سيكون مقدمة لردود فعل في اكثر من جبهة مفتوحة على طول المنطقة وعرضها، في ظل شكوك بدأت تتوسع في ظل بروز خيوط مهمة تشير الى وجود نيات مبيتة وراء ما حصل، وما لم تقدم السعودية ما يقنع طهران بعكس ذلك تدرك المملكة ان الرد الايراني آت لا محالة، ولذلك فان الرياض لا تريد تنازلا في لبنان ولا تصعيداً، وبين هذين الهدفين تضيع البوصلة لان احدا لا يعرف ماهية الحدود الفاصلة بين المسألتين.

مؤشرات التصعيد هذه تؤكد استحالة حصول التسوية اللبنانية وفق قواعد «الاشتباك» الراهنة، وفي هذ السياق فان الرياض لم تغادر بعد «مربع» البحث عمّا يبقي حزب الله في حالة ارتباك داخلي، دون ان تنزلق الامور باتجاه التصادم المباشر بين حلفائها وبين الحزب، لكن الامور تزداد صعوبة في ظل عوامل ذاتية داخلية تتعلق بفريق 14 آذار وتيار المستقبل، وعوامل خارجية ترتبط بالمعطى الاقليمي والدخول الروسي على خط الحرب السورية.

وبحسب المطلعين على اجواء العسيري، تبدو السفارة السعودية في بيروت في حالة من الارباك غير المسبوق بسبب تراجع قدرة الرئيس سعد الحريري على التأثير في البيئة السياسية الحاضنة للطائفة السنية، فعندما يتجرأ النائب خالد الضاهر على تنظيم تجمعات لشتم الحريري، وعندما يغرد وزير العدل اشرف ريفي خارج سرب القرارات المركزية للتيار «الازرق» ويستقوي بعلاقاته الامنية السعودية، وعندما يوحي الرئيس السنيورة لمحدثيه انه الشخصية المحورية القادرة على ادارة سياسية التيار في بيروت نتيجة تقاطع علاقاته السعودية – الاميركية، وعندما يخرج رجال الدين في البقاع واقليم الخروب عن «السيطرة» ويحركون الناس لمواجهة خطة بيئية سبق وغطاها الحريري بنفسه، فهذا يعني ان ثمة مشكلة قيادية كبيرة تحتاج الى معالجة جذرية في المملكة اولا وعلى الساحة اللبنانية ثانيا، فمن دون اموال لا امكانية لعودة الحريري الى سابق عهده، «القلة» تولد «النقار».

وما زاد من حالة الارباك في المشهد العام، الحراك في الشارع الذي يتحول الى عبء على التيار «الازرق. عندما ابلغ السفير الاميركي ديفيد هيل رئيس مجلس النواب نبيه بري ان بعضا مع قيادات الحراك المدني تم تدريبهم في مراكز تأهيل اميركية على «الديموقراطية»، ولكن لم يطلب منهم التحرك اميركيا ولا ينسقون مع السفارة في بيروت، ابتسم يومذاك رئيس مجلس النواب دون ان يعلق، لادراكه ان لا افق لهذا التحرك على مستوى احداث تغييرات دراماتيكية على الساحة اللبنانية، سواء ادارته سفارات او تحرك بدافع معيشي ومطلبي، فلم يكن رئيس المجلس في صدد الدخول بنقاش مع هيل حول مصداقيته، طالما ان السقوف عنده مضبوطة عند حدود عدم السماح لتحول الحراك الى فوضى تجر البلاد الى مواجهات عنفية في الشارع، وطالما ان الصراع المذهبي محيد، والحوار بين المستقبل وحزب الله «ماشي» فمنسوب القلق يبقى منخفضا دون ان يتلاشى عند رئيس المجلس.

في المقابل لم تساهم تبريرات السفير الاميركي في طمأنة فريق 14آذار، وخاصة تيار المستقبل الذي بات يشعر بثقل الحراك في الشارع، وبعد فشل عملية «لصق» تهمة تحريك هؤلاء بحزب الله، لم تكن اجوبة السفارة الاميركية على استفسارات السعوديين مقنعة في هذا السياق، وبقي الابهام سيد الموقف، فتيار المستقبل بات يشعر انه مستهدف بشكل مباشر في استمرار «الهيجان» في الشارع، اولا مسؤولياته عن معظم الحكومات الماضية والحالية تجعل «جسمه لبيس» في تهم الفساد، فخلال الوجود السوري وبعده كان شريكا في السلطة «الفاسدة، وكل الشعارات المطروحة في الشارع تصيبه. ثانيا مسؤولية الوزارات الامنية والقضائية بدأت تتحول الى عبء كبير عليه، وبات وزير الداخلية نهاد المشنوق يتحمل وحده عبء التعامل الامني مع الاحداث في ظل «تراجع» الجيش خطوة الى الوراء ورفض القيادة ان تكون «كبش محرقة» لاي من الجهات السياسية. ثالثا وهو الامر الاكثر اهمية بالنسبة للتيار «الارزق» فيرتبط برمزية سوليدير باعتبارها ايقونة مصالحه الرعية والاقتصادية في البلاد، وتطور الاحداث تصاعديا في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة اليه تجعله مستهدفا في «لقمة» عيش الكثير من قياداته «البرجوازية»، كذلك ثمة استهداف لمشروعه السياسي القائم على اقتصاد «الشنطة».

من هنا بدأت الاسئلة تتصاعد داخل الحلقات الضيقة في تيار المستقبل حول حقيقة النيات الاميركية، وعدم اكتراث السفارة في بيروت مع الاضرار المباشرة التي تصيب فريق سياسي يعتبر رأس حربة في مواجهة ما يفترض ان يكونوا «اعداء» واشنطن في المنطقة، ومع «غسل يد» الاميركيين من هذا الحراك المدني في الشارع، وتسويقهم لمسؤولية حزب الله عن تحريكه، وانضمام الشخصيات اللصيقة بالسفارة الاميركية الى الترويج لهذه المقولة، ادرك «التيار الازرق» حقيقة ان الاميركيين ليسوا معنيين كثيرا بمصالحهم، وثمة من ربط هذا التراجع بحالة انعدام الثقة بين الرياض وواشنطن على خلفية الاتفاق النووي الايراني. وسواء صحت هذه الشكوك او لم تصح يبقى ان «المستقبل» يشعر بحالة من الضيق تدفعه الى ارتكاب الكثير من الهفوات، وتنعكس ارتباكا على طريقة ادارته للملفات السياسية الداخلية.

انطلاقا من هذه المعطيات ثمة خشية من ان تؤدي حالة «الضياع» المستمرة الى اخطاء كبيرة من النوع الذي لا يمكن تداركه، مرجعية كبيرة نصحت الرئيس السنيورة بضرورة التعقل ودفع الامور نحو تسويات معقولة، لان تيار المستقبل غير قادر على تحمل اي هزة كبيرة تؤدي الى ضرب مشاريعه الاقتصادية الريعية على الساحة اللبنانية، واذا ما ظلت الامور على حالها فان لا ضمانات من جر البلاد الى حافة انفجار امني كبير يكون «المعبر» الضروري للجلوس الى الطاولة. فهل يتراجع «المستقبل» قبل فوات الاوان؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى