بقلم غالب قنديل

سورية في مجابهة “قيصر”

غالب قنديل

في الظاهر سن قانون قيصر لإحكام الحصار على سورية ضمن سياق الحرب الأميركية الصهيونية  التي تستهدفها كدولة وطنية مستقلة استطاعت إفشال الحرب الكبرى التي استهدفتها منذ العام 2011  بقيادة الولايات المتحدة ومن الواضح للغاية ان الهدف هو فرض العزل الاقتصادي على سورية وتقطيع علاقاتها التجارية الباقية مع غرب اوروبا والخليج وعدد من الدول الآسيوية التي استمرت على خارطة الاستيراد والتصدير مع سورية رغم الحرب وتباين الخيارات والمواقف السياسية وتطول فعليا لائحة شركاء سورية التجاريين وفقا للمعلومات الرسمية السورية التي نشرتها صحيفة الأخبار اللبنانية مؤخرا.

 

أولا مما لاشك فيه ان عددا من الحكومات المستهدفة بالقانون الأميركي يرجح ان تكون في حالة إذعان وجاهزة مسبقا للرضوخ امام العقوبات الأميركية والمشاركة بالتالي في محاصرة سورية بسبب تبعيتها السياسية والاقتصادية وارتباطها الوثيق بالهيمنة الأميركية والأرقام المتداولة تشير إلى ان العلاقات التجارية لم تنقطع بين سورية وعدد من دول غرب اوروبا كأسبانيا وألمانيا واللافت هو تصدر المملكة السعودية قائمة المستوردين من سورية مع استمرار حضور لبنان والعراق  ومصر في لائحة العشرين الأوائل بينما تستأثر الصين بحصة كبيرة من المستوردات السورية وهذه المعطيات  تؤشر إلى وجهة عقوبات قيصر التي ستعطي الأفضلية لشد الخناق الاقتصادي عبر معاقبة الشركاء التجاريين تماما وفق المنهج الأميركي الذي اختطته إدارتا أوباما وترامب ضد إيران.

ثانيا يتطلب التصدي للعقوبات الجديدة إرادة سياسية واضحة تقدم المصالح الوطنية على الإذعان للطلبات الأميركية التي تهدد تلك المصالح وهو ما سيضع سائر الدول العربية والأجنبية في اختبار دقيق بشأن علاقتها مع سورية ومستقبل تطلعاتها إلى حصة في ورشة إعادة بناء سورية بعد الحرب وهذه ورقة قوة تفاوضية بيد الدولة الوطنية السورية إذا استخدمت بصورة جيدة في التفاوض حول مستقبل العلاقات التجارية بعد تشديد العقوبات الأميركية خصوصا مع التوقعات المتصلة بحجم ورشة الإعمار السورية وتزاحم الطامحين للاستحواذ على حصة منها وبالتالي سيكون المشاركون المحتملون مكرهين على تحدي المشيئة الأميركية وعقوباتها.

ثالثا يمكن للدولة الوطنية السورية قيادة التفاوض الثنائي مع جميع شركائها المهددين بالعقوبات سعيا إلى  اتفاقات للتبادل التجاري بالعملات الوطنية وتطبيق هذا المبدأ مع الدول الراغبة كما يمكن لها البحث عن خيارات موازية من نوع الانضمام إلى المجموعات القارية التي تعتمد جماعيا انماطا مشابهة من اتفاقات التبادل مثل منظمة شانغهاي وفي هذا النطاق ومن بين زبائن سورية دول صديقة تشاركها إرادة التصدي للهيمنة الأميركية مثل روسيا والصين والهند وإيران وسيكون من المفضل ان تربط فواتير الاستيراد والتصدير مع هذه الدول الشرقية وغيرها بمعادل غير الدولار حتى تخرج اعتماداتها من قبضة السويفت الأميركي  ومن رقابة وزارة المال في واشنطن وشرطة العقوبات الأميركية المستنفرة مع بنك الاحتياطي الفدرالي لاعتراض الشاردة والواردة.

رابعا لاشك ان التصدي للعقوبات الجديدة يتطلب مشاورات رفيعة سياسيا يفترض القيام بها سريعا مع سائر الشركاء التجاريين بدءا من حلفاء الخيار والموقف من دول الشرق وصولا إلى سائر الدول المعنية التي تعيش هواجس التفعيل الاقتصادي والخروج من حالة الركود الذي فاقمته جائحة كورونا وهذا ما يجعل سورية في وضعية عرض الفرص على الآخرين إن كان من زاوية تنشيط التبادل ام من ناحية فرص الاستثمار والمشاركة في ورشة الإعمار السورية وحيث تستطيع دمشق حصاد الكثير حال ربطها لاتفاقات التبادل خارج الدولار بحوافز المساهمة في مشاريع إعادة البناء بعد الحرب مع الضوابط والقواعد الصارمة التي تحصن السيادة الوطنية وتمنع الاختراقات الضارة اجتماعيا وسياسيا وأمنيا بالاستناد إلى دروس الغزوة الاستعمارية.

خامسا يتطلب التصدي للعقوبات بوصفها عدوانا استعماريا العمل لبلورة جبهة عالمية مناهضة للولايات المتحدة ولعقوباتها تضم سائر الدول المستهدفة في العالم وتنسق في ما بينها كما توجب تنشيط التصدي لمهام طرد الاحتلال الاميركي بكل الوسائل الممكنة من الأرض السورية كأولوية راهنة وملحة ويفترض بحلفاء سورية ان يقدموا الإسناد والدعم لهذا الخيار الوطني التحرري فالإمبراطورية المعتدية لاتفهم غير لغة القوة ولامجال للتعايش مع احتلالها وعقوباتها بأي شكل كان لأنها حيث وجدت تفرض الدمار والخراب وهذا امر يستدعي حوارا استرتيجيا بين سورية وحلفائها الكبار روسيا وإيران والصين وسائر الحكومات المعنية بهذه المواجهة في العالم  ولابد ان يطال التشاور هدفا إقليميا ضروريا هو رحيل القوات التركية عن الأرض السورية ووقف كل أشكال العدوان التركي المباشر ام بواسطة إرهابيي القاعدة في إدلب وهذا شرط يجب التمسك به في تصحيح العلاقات السورية التركية او الرد على دعوات استئنافها سياسيا او اقتصاديا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى