بقلم غالب قنديل

التحرير ونواة جبهة المقاومة الشرقية

غالب قنديل

عيد التحرير ليس مناسبة لبنانية صرفة بل هو مناسبة عربية وشرقية عظيمة لأنه مفصل حاسم في مسيرة تحرر الشرق وانعتاقه من نير الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية بقيادة الولايات المتحدة زعيمة الأخطبوط الاستعماري اللصوصي في العالم وهو لحظة انتصار خالدة في سجال تاريخي مستمر بين شعوب الشرق وناهبيه ومستعمريه.

 

اولا قبل عشرين عاما كان اول اندحار لجيش الاحتلال الصهيوني عن أرض عربية محتلة دون قيد أوشرط وقد صنعت النصر ثلاثيتان احداهما لبنانية هي معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي رد لها السيد حسن نصرالله قائد المقاومة المحبوب فضل الصمود والانتصار منذ حرب تموز 1993 وحرب نيسان 1996 يوم انبثقت معادلات الردع المتعاظمة وفرض الاعتراف بالمقاومة على الحلف الاستعماري الأميركي الغربي الصهيوني المتغطرس حين ألزم القائد العربي المقاوم الرئيس حافظ الأسد وزير خارجية الولايات المتحدة وارن كريستوفر على نشر بيان الاعتراف من واشنطن في الساعة السادسة من مساء يوم السادس والعشرين من نيسان عام 1996 وكان صانع كل ذلك المجد الذي أثمر النصر هو الثلاثي الإقليمي الذي بات خلال العشرين ربيعا محورا وجبهة للمقاومة تمتد من باب المندب في اليمن وعمق العراق حتى سواحل سورية ولبنان وفلسطين وقد كانت  تلك الجبهة عشية التحرير الكبير يومها بأضلع ثلاثة هي إيران الخميني والقائد الخامنئي من بعده وسورية حافظ الأسد والقائد بشار من بعده والمقاومة التي يقودها حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله.

ثانيا  تشكلت تلك النواة الإقليمية منذ لحظة الاجتياح الصهيوني الأولى في حزيران عام 1982 وتشامخت المقاومة اللبنانية الوليدة بدعم سوري إيراني كبير وتعاظمت قوتها واشتد بأسها وراكمت انتصاراتها فألقت إيران بكل إمكاناتها في دعم المقاومة اللبنانية واحتضنتها بالشراكة مع سورية التي كانت الظهر والسند والعضد وقد سكنت رعاية المقاومة بجميع فصائلها عقل ووجدان القائد حافظ الأسد في إدارته لملف ختم الحرب الأهلية ورعاية تنفيذ اتفاق الطائف في لبنان فأولى اهتمامه لأمرين حاسمين دون سواهما من سائر ملفات الوضع اللبناني هما حماية حزب الله المقاوم من تآمر القوى اللبنانية المرتبطة بالغرب الاستعماري وبعملائه في المنطقة من حكومات الرجعية العربية وإعادة بناء الجيش اللبناني على قاعدة التصدي للعدو الصهيوني والولاء الوطني الذي وجد ترجمته بالتعامل مع المقاومين كرفاق سلاح واختارالرئيس الأسد بنفسه لذلك ومن غير أي تعارف شخصي سابق القائد العماد إميل جميل لحود ووالده الزعيم جميل لحود كما عرف الفريق حافظ الأسد من سيرته العسكرية وكما دون في السجلات الذاتية  لفيالق الشرق هو الضابط اللبناني الذي تخرج من كلية حمص العسكرية والذي انتفض  داعيا لنجدة الشهيد يوسف العظمة ورفاقه في معركة ميسلون ضد الاحتلال الفرنسي وكلفه ذلك البقاء سنتين خارج فيلق لبنان الذي بات يعرف بالجيش اللبناني بعد جلاء الانتداب الفرنسي.

ثالثا  خلال الأعوام التي سبقت التحرير كانت عين الأسد الساهرة ترعى المقاومة التي يقودها حزب الله وهو منذ العام 1993 شرع يلتمس اختراقا غربيا خليجيا في السلطة اللبنانية وداخل سورية يضغط ضد المقاومة ويخرب عليها ويستدرج التنازلات لصالح الكيان الصهيوني فكلف فريقا تحت إشرافه برعايتها وتلبية احتياجاتها وبحمايتها من التدخلات المشبوهة وقد كشف خيوط تواطؤ من بعض أركانه الذين ربطتهم مصالح وشراكات وعلاقات بالغرب وبالسعودية ورجالهما في لبنان وكانت المحطة الفاصلة عام 1993 خلال عدوان تموز الذي سماه العدو الصهيوني بحرب تصفية الحسابات ويومها تدبر ثلاثي الشهابي خدام و كنعان توجيه مئات التقارير إلى قصر الرئاسة السوري خلال الحرب بزعم ان حزب الله ينهار وكانت الغاية تلبية طلب أميركي بعقد هدنة يلتزم فيها الحكم اللبناني بقمع أي عملية عسكرية للمقاومة ضد الاحتلال تمهيدا لاختبار التوصل إلى اتفاق ثنائي لبناني صهيوني عبر التفاوض وأصر القائد حافظ الأسد يومها على ان يسمع رأي قيادة حزب الله التي اوفدت المعاون السياسي للسيد نصرالله الحاج حسين خليل فنقل معلومات عن بطولات المقاومين وصمودهم وثباتهم وتم استدعاء بعض الأصدقاء الوطنيين الموثوقين لدمشق وتبلورت الصورة في ساعات أصدر بعدها الأسد قراره بفتح مستودعات الصواريخ وشحنها إلى لبنان ويومها أشرف على التحميل وشارك فيه شخصيا الشهيد باسل الأسد وكانت بداية ما فرضته معادلة الردع الصاروخي من حماية للبنان بالشراكة بين المقاومة والجيش بعدما لعب قائده العماد لحود دورا حاسما في كشف المؤامرة ضد المقاومة وفي إسقاطها وهذا ما أسس للتحرير بعد ذلك.

رابعا توافرت في السنوات التالية لتفاهم نيسان لبنان بيئة سياسية صلبة  حاضنة للمقاومة توجت بانتخاب العماد لحود رئيسا للجمهورية وقد راكمت المقاومة  بسرعة المزيد من القوة والزخم وتعاظمت قدراتها وإمكاناتها وشرعت تطور من عملياتها ضد الاحتلال الصهيوني والميليشيات العميلة وتلاحقت إنجازاتها الميدانية والمعنوية والسياسية والإعلامية بعدما خضع المرتهنون للغرب والخليج لضوابط الأسد العليا وفرضت حالة من الاستنزاف المفتوح على الكيان الصهيوني ضيقت الخيارات وأعدمت المناورات إلى ان بات السباق الانتخابي داخل الكيان الصهيوني معلقا على سؤال من يستطيع تنفيذ التعهد بالخروج من وادي الدموع بأسرع السبل وأقلها كلفة ليكون رئيس الحكومة الجديدة بعدما خسر الكيان هيبة الردع لأول مرة منذ حرب تشرين 1973 وأرغم على الاعتراف بالمقاومة وبقوتها الرادعة التي خطفت انفاسه واخترقت دروعه البشرية والأمنية والعسكرية وحصدت رؤوسا كثيرة من قادة نخبته المقاتلة التي تحطمت معنوياتها وتلطخت سمعتها وانهارت مع ذلك كله خرافة الجيش الذي لا يقهر وجاءت التتمة بهروب كبير من لبنان ترك فيه العدو عملاءه غير آبه باحد منهم بينما قدمت قيادة حزب الله امثولة قياسية في حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية على قاعدة انتصارها بالتحرير المشرف فامتنع المقاومون بانضباط مدهش وبتوجيه من قائدهم العظيم عن أي فعل ثأري ولم تظهر عليهم أي بادرة استقواء او انتقام وأهدى سيد المقاومة النصر المخضب بدماء الأبطال إلى كل شعبه داعيا شركاء الوطن للتشارك في ثماره ليكون قوة للبنان وهي فعليا حالة تاريخية نادرة أبرزت تفوقا اخلاقيا نوعيا لمقاومة تسامت على الانفعالات والأحقاد رغم آلام مناضليها وعائلاتهم التي تسببت بإيذائها  طوابير العملاء بسادية مقيتة ومتوحشة خلال حوالي ربع قرن منذ اجتياح العام 1978.

هكذا تحقق الانتصار التاريخي وتجذرت المقاومة التي برهنت عن تحولها إلى قوة حماية ودفاع بالشراكة مع الجيش اللبناني الذي يمنع عنه الغرب الاستعماري أسباب القوة وموارد التسلح لكنه صامد بهويته الوطنية وبدوره السيادي المشرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى