بقلم غالب قنديل

النموذج الفريد في توحشه وتبعيته

غالب قنديل

ما يعيشه اللبنانيون منذ وقوع الانهيار الكبير الاقتصادي والمالي والنقدي كشف بالفعل عن فرادة النموذج اللبناني وعن بلادة المتمسكين به وعن تخلفهم بعد كل ما جرى عبر التمسك بوصف ما هو قائم بانه نظام حر ورأسمالية تقوم على الحرية الفردية كما تزعم الخرافة اللبنانية القديمة فما هو قائم فعليا لايوصف سوى بكونه  احط أشكال التوحش الاقتصادي والمالي التابع للهيمنة وأشد نماذج الرأسمالية الرثة تفاهة ونذالة وعداء للإنسانية.

 

اولا في جميع الأنماط الرأسمالية المعروفة عبر التاريخ تتحمل السلطات العامة مسؤوليات كبرى عن مستوى عيش الناس وتوفر تقديمات اجتماعية وخدمات عامة عديدة وتنظم الشان العام وتصون الممتلكات العامة واول الفوارق التي يطمسها المتفجعون دجالو  الحرية الفردية هي ان النموذج اللبناني هو رأسمالي مشوه تابع وخاضع للهيمنة الاستعمارية ومن هنا منشأ طابعه الاستهلاكي المعادي لتنمية الإنتاج والذي أسفر عن تدمير الصناعة والزراعة بل خرب جميع موارد الثروة الطبيعية وأعدم فرص النمو في تيه الفوائد الربوية والمضاربات المالية والعقارية وأسكر شرائح اجتماعية عديدة في فقاعة الفوائد وحمى ارتفاعها فاستنزف الثروة الحقيقة وتسبب بنضوبها من خلال هياكل السلطة السياسية المعيوبة بعجز تراكمي اكل كل شيء.

ثانيا هذا النظام مشين وطنيا واخلاقيا في تبعيته التي انتجت نهجا أسقطته المقاومة بقوة إنجازها للتحرير وأقامت أسوار الحماية والردع بقوتها الذاتية وبفضل الدعم السوري والإيراني الذي تلقته منذ عقود وحتى اليوم ومن آخر التجليات عجز السلطات السياسية القائمة عن تحدي العقوبات الأميركية وسن القوانين الوطنية الرادعة التي تمنع الإذعان لها وتحول دون جعل حاكمية المصرف المركزي مفرزة اميركية لإبلاغ المعلومات وتنفيذ التعليمات الصادرة من واشنطن ضد مصارف ومؤسسات اقتصادية وأشخاص من لبنان او سورية والعراق وايران وهذا ما شكل عنوان انتحار مالي واقتصادي جماعي مارسه اللبنانيون باستجابة كاملة بناء على الأوامر الأميركية بل إن السلطات اللبنانية لم تملك مؤخرا حرية تزويد طائرة المساعدات الطبية الإيرانية بالوقود في رحلة العودة قبل أيام ويا للخجل والعيب  أفرغنا المساعدات الطبية في مستودعاتنا وتركنا الطائرة بخزانات وقود شبه فارغة تبحث عن مهبط قريب خارج لبنان وماذا تستر التصريحات والمجاملات من تلك الفضيحة ؟!.

ثالثا هذا النظام يمارس اليوم تمييزا قهريا وتوحشا ضد غالبية اللبنانيين الذين دب فيهم الهلع على مصير أرزاقهم ومستقبل عيشهم بينما باتوا في كارثة انفصال مريب عن ودائعهم المحفوظة في سجلات لا تغني ولا تصرف مالا ولا تؤكل ! وهم يلهثون خلف الأسعار المتصاعدة للدولار ولجميع السلع بفعل قدسية الوكالات التجارية الحصرية والملكية الفردية التي تتعبد لها السلطات العامة بخلاف مثيلاتها في سائر انحاء العالم وهكذا فالحبل متروك على غارب الدوران في حلقة مفرغة من التدهور المعيشي والمالي بينما ينشغل الرأي العام بتوزيع المسؤوليات وتبادل الاتهامات بين فرقاء السلطات والحكومات الذين تشاركوا اقتسام الريوع واستنفذوها ولم يقدموا اولوية الخروج من المأزق بدلا من مواصلة المناكفة واستكشاف بعضهم فرص مواتاة الأجواء الدولية والإقليمية لتدبير انقلاب سياسي يعيد العقارب إلى الوراء وبعضهم  يحلمون باستئناف إدمان المسكنات عبر ضخ السيولة وشراء الوقت دون اعتبار لمدى الانهيار الحاصل او لتحولات عالمية واقليمية كبرى تحول دون استرجاع أي مما كان متاحا من قبل.

رابعا  لم تكتمل دورة التغييرات القادمة على الكرة الأرضية والتوازنات العالمية  لكنها راكمت مؤشرات تدل على عناصر التفاعل المتسارع  بنتيجة جائحة كورونا وما فرضته من تعطيل شبه كلي لدورة الاقتصاد في العالم الذي تملك حكومات العديد من بلدانه مدخرات تنفق منها بينما الموطن السعيد بنظامه الحر ليس لديه غير بلاط بارد في جميع الخزائن ورصيد سلبي اكيد لجميع الموازين المالية والنقدية والاقتصادية واياكم ان تمسوا النظام الحر! يصرخ البلهاء في حلقات ضجيج يقودها أرباب القطاع المصرفي ودجالو النموذج الربوي الساقط وخدمهم من السياسيين وهل تابع رهط الغباء والعمى الفكري ما فعلت الحكومة الأميركية بعد انهيار البورصات عام 2008 ؟ وهل قراوا ما كتبه كبار المنظرين الرأسماليين في الغرب الاستعماري عن ضرورة مراجعة الحسابات والأولويات؟ لكن من هم عندنا كالعادة رهط من الأميين والأغبياء والجاهلين المستلبين لعبودية السيد الأميركي ويعتبرون كل كلام عن دور الحكومة او الدولة في الاقتصاد اشتراكية وتاخذهم حمية الدفاع عن الملكية الخاصة وقدسيتها بينما شبع الناس من هذا الهراء حتى حاصرهم الجوع وباتوا يسألون عن فكرة مفيدة تطعم خبزا من خارج وصفات التسول الجماعي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى