بقلم غالب قنديل

صفقة القرن والتسويق الأميركي

غالب قنديل

يدور كثير من الكلام واللغو حول ما يسمى صفقة القرن بينما تقف الغزوة الاستعمارية الصهيونية عالقة في مستنقعات العجز والفشل بعد الهزيمة في سورية والعراق واليمن واستمرار انكشاف العجز الصهيوني المتراكم امام المقاومة اللبنانية والفلسطينية مع طغيان حالة من الذهول والخيبة امام استرجاع سورية لقدرات الردع الهائلة بسرعة وفي ظل تصاعد قدرات حزب الله المقاوم ونشوء النظائر الشعبية المقاتلة في العراق واليمن ومع مضي إيران في اكتساب المزيد من عناصر القدرة الاقتصادية والعسكرية النامية في مجابهة الحصار والعقوبات والتهديدات المتواصلة بالغزو.

التسويق هو ميزة أميركية طاغية تستخدمها دوائر التخطيط في المؤسسة الحاكمة وفي مراكزتخطيط حروب الغزو وصنع السياسة الخارجية وقد ترسخت هذه الحقيقة بأشد أشكالها ابتذالا وسوقية مع وصول رجل المبيعات التلفزيونية والصفقات العقارية الضخمة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض واضطراره للاحتماء باللوبي الصهيوني من تهمة العمالة لروسيا ورهنه جميع خطوات إدارته في المنطقة العربية لمشيئة زعيم الليكود بنيامين نتنياهو وللخطط الصهيونية العدوانية بأحط أشكالها.

ما ظهر في المؤشرات الأميركية عن صفقة القرن التي لم تقدم أبدا كمشروع رسمي متكامل مقترح للتفاوض – كما كان مشروع وليم روجرز وزير الخارجية الأميركي الأسبق عام 1969- هو بالتحديد تكريس ضم الأراضي العربية المحتلة عام 1967 إلى الكيان الصهيوني وتهويد القدس والإسقاط النهائي لفكرة الدولة الفلسطينية بعد مسخها إلى كيان تحت الوصاية ناتج عن تلصيق أراضي القطاع بمساحات من صحراء سيناء والنقب وهذه الملامح يتوجها ويسندها شطب حق العودة نهائيا.

إنها صفقة صهيونية لتصفية قضية فلسطين تسوقها الولايات المتحدة وتجرجر خلفها الحكومات العربية التابعة للهيمنة الأميركية وهي ستجابه التعقيدات الأعنف التي أحبطت جميع مشاريع التصفية السابقة لقضية فلسطين خلال ما يزيد على نصف قرن من المحاولات المتكررة.

كانت التوقعات الأميركية الصهيونية قبل عشرين عاما وفي اعقاب انتصار المقاومة على الاحتلال الصهيوني في لبنان تتركز على رهانات محورها إخضاع سورية التي أفشلت خطط التطبيع العربي الصهيوني بعد مؤتمر مدريد واستعصت على المحاولات الأميركية المتكررة فاستحقت حربا عالمية لم توفر وسيلة تنكيل او استنزاف او إرهاب وخرجت أشد تمسكا بخيار المقاومة وأكثر تجذرا بإرادتها الاستقلالية التحررية المناهضة للهيمنة الاستعمارية وعمقت من تحالفاتها وشراكاتها الإقليمية والدولية.

استنتجت دوائر التخطيط الأميركية ضرورة التصرف السريع بما بقي من رصيد للهيمنة الأميركية الصهيونية في المنطقة لتوسيع دوائر الاعتراف والتطبيع بين إسرائيل والحكومات العربية التابعة التي شاركت في غزوة التكفير وحروب التدمير التي قادها الأميركيون لوأد إرادة التحرر والاستقلال في كل من لبنان وسورية والعراق واليمن ودخلت مشاريع تطويب القدس والجولان والضفة المحتلة بصكوك اعتراف أميركية حيز التطبيق بينما تلاحقت اللقاءات التي ينسقها الأميركيون علانية هذه المرة بين جهات عربية وإسرائيلية لتكريس مشاهد غايتها مسح الذاكرة العربية وكي الوعي بترويج فكرة اعتبار ان قبول العيش مع كيان العدوان الصهيوني في هذه المنطقة من العالم هو الأمر الطبيعي.

الإذعان الخليجي العلني لهذه الإرادة الأميركية صاحب الألفية الجديدة من خلال لقاءات شرم الشخ التي نسقت حروب إسرائيل ضد لبنان وغزة وعبر تواجد الممثليات التجارية الصهيونية في قطر والإمارات وعمان والبحرين.

حاول الأميركيون استثارة انطباعات بتحقيق إنجازات تطبيعية من خلال نقل العلاقات السرية إلى العلن فأوعزوا بدعوة إسرائيل إلى مناسبات تجارية ورياضية في هذه الدول وعبر عقد منتديات شارك فيها صهاينة لكن ذلك لم يحدث تغييرا في نبض الشارع الفلسطيني الذي استمر بالغليان والانتفاض دفاعا عن حق العودة ورفضا للاحتلال وتمسكا بالمقاومة.

استحال مع المناخ الشعبي الحارق ان يجد دونالد ترامب ومخبروه وعملاؤه سياسيا فلسطينيا واحدا مستعدا للسير في الخطة دون ان يتحول إلى ضحية غير مأسوف عليها وحتى السلطة الفلسطينية التي تعتاش على التمويل الأميركي والغربي والصهيوني وتحرص على التنسيق الأمني مع الاحتلال في مطاردة أبطال المقاومة لم تجرؤ على منح الموافقة وإن فعلت فهي ستغامر بجلدها بينما فشلت رهانات واشنطن على استثمار النفوذ التركي والقطري في جرجرة قيادة حماس إلى هذا المسار بسبب راديكالية جناحها العسكري وتمسكه بالمقاومة وحالة الغليان المتجدد التي يعيشها أهل القطاع.

الصفقة الأميركية لحماية إسرائيل وتثبيت هيمنتها ولتصفية قضية فلسطين تصطدم بمحور المقاومة وعناده في رفض الإذعان لحلف الهيمنة الأميركي الصهيوني وستدوس أقدام المقاومين جميع الرؤوس الخانعة ركوعا امام الجبروت الأميركي الصهيوني ومعها سائر الواهمين الذين سارعوا بالإيعاز الأميركي مهرولين لخلع سراويلهم استعدادا للمشاركة في شوط استسلام جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى