نصوص من كتاب النوم مع الشيطان تأليف روبرت باير

 

مؤلف كتاب النوم مع الشيطان هو روبرت باير الضابط الميداني السابق في الاستخبارات المركزية الأميركية والذي شغل مناصب عديدة أبرزها رئاسة محطة السي آي إي في لبنان عام 1983 بعد تفجير مبنى السفارة الأميركية وكان ضالعا في تفجير بئر العبد الذي استهدف اغتيال الراحل الكبير آية الله السيد محمد حسين فضل الله وروى في كتابه الأول عام 2002 ” سقوط السي آي إي” فصولا مهمة عن مطاردات كر وفر بينه وبين القائد المقاوم الشهيد عماد مغنية الذي أوقع به ذات مرة بخدعة أمنية متقنة ودس عليه عميلا قال إنه يستطيع ان يسلمه رأس الحاج عماد الذي صفع باير باتصال هاتفي بعد فشل محاولة الاغتيال المسندة إلى العميل المزيف وبعد لبنان تولى باير مسؤولية ملف العراق في الاستخبارات المركزية الأميركية وهو يروي في هذا الكتاب ” النوم مع الشيطان ” كمية من الوقائع المتصلة بشراكة أميركية سعودية في تكوين الإرهاب التكفيري ورعايته ويقدم صورة عن واقع الحكم السعودي من الداخل .

الكتاب صدر عام 2003 ولم ينقل إلى العربية وقد ارتأينا نقل نصوص مختارة منه لإطلاع القراء على الفصول الأهم من محتوياته وقد قامت عشرات المواقع الإخبارية العربية بإعادة نشر النصوص عن موقعنا بعد ذلك.

نشير إلى ما ذكره باير في مقدمة كتابه عن رقابة الاستخبارات الأميركية التي حذفت نصوصا وأسماء معينة حرصا على مصالح الولايات المتحدة وللتستر – على ما يبدو- على بعض العملاء والضباط الذين ما يزالون في العمل .

بعض الصحافيين سموا الكتاب بعنوان آخر غير النوم مع الشيطان هو : البيت الأبيض والذهب الأسود .

تجارة السلاح والداخل السعودي

…. في وقت مبكر من العام 1990 كان مصدر الإمداد الرئيسي لأسامة بن لادن فيكتور بوت، وهو ضابط سابق في الجيش الروسي كان قد خدم في أنغولا، حيث تورط في تهريب الأسلحة والنفط. مثل “يوري” (تاجر السلاح الروسي الذي التقاه الكاتب في إسرائيل ) ، كان صيت بوت يسبقه في أي مكان، لقدرته على تامين كل الاشياء السيئة. من خلال شركة تدعى “إير سيس”، كانت تمتلك واحدا من أكبر أساطيل الطائرات المملوكة للقطاع الخاص في مجال النقل في العالم، ويعمل بوت في أصعب الأسواق – إيران، ليبيريا وأنغولا وسيراليون والعراق وصربيا – ويستفيد من تسهيلات في المطارات مثل الشارقة، في الإمارات العربية المتحدة، وبورغاس، بلغاريا. وبالتكلفة المناسبة، يمكن أن يجد أي شيء، ربما حتى قنبلة نووية يسلمها وسط مدينة الرياض.

على الرغم من ان اتصالات “بوت” مع “بن لادن” التي نشر عنها الكثير في الصحافة، استمر في العمل خارج دبي، وكانت المملكة العربية السعودية هي المستودع الرئيسي للمعاملات المالية المهربة والمشبوهة. “دبي” هو المكان الذي جمع في بنوكه معظم الأموال المخصصة لهجمات 11 ايلول\سبتمبر .

بوت” يتمتع بحماية كبيرة لأن الاستخبارات الخارجية الروسية SVR تملك جزءا من شركة “إير سيس”. أكثر من ذلك، فالاتجار بالأسلحة الروسية اصبح عملا مشروعا: حاول وزير الدفاع السعودي سلطان بن عبد العزيز الدخول في هذه العملية. حتى استضاف سلطان في المملكة العربية السعودية رئيس شركة ” Rosvoorouzhenie”لتسويق الأسلحة الروسية.

أنا أيضا لم اكن بحاجة ليقول لي يوري أن الحدود البرية (4،431 كيلومترا) للمملكة السعودية ليست مؤمنة جيدا. فالبدو والمهربون يتجولون بحرية ذهابا وإيابا عبر شبه الجزيرة العربية، دون رادع. مهربو الذهب من الهند لا زالوا يبحرون في الخليج لتفريغ شحناتهم سرا كل ليلة. ونحن نعرف جنون يوري من “الوهابيين” الذين وضعوا أيديهم على الأسلحة، فهم سلحوا أنفسهم في العام 1979، لاقتحام المسجد الحرام في مكة المكرمة.

سهولة الحصول على السلاح وحرية التنقل عبر الحدود علامة مهمة، لكنها لا تعني بالضرورة أن البلد على وشك أن ينزلق إلى حرب أهلية أو ما الى ذلك.

ما تحتاج اليه لاسقاط نظام مثل نظام آل سعود هو استعداد مواطنيه لحمل السلاح واستخدامه، للقتال والموت من أجل معتقداتهم، ضد المدججين بالسلاح، أي حراس القصر. حتى 11 سبتمبر، اعتقد الكثير من المراقبين في الشرق الأوسط وأنا منهم أن هذا ​الوصف ليس مناسبا للوسط السعودي. تمثل في عقولنا جميعا الصورة النمطية للشباب الصعاليك الأغنياء، الذين يصرخون في الفلبينية الخاصة بهم لإزالة غلاف الحلوى، وبالتالي أن يقاتلوا ويموتوا من أجل أي شيء هو مجرد اعتقاد يبدو مداه أبعد من التطورات المحتملة. هجمات 11 سبتمبر أجهزت على الصورة النمطية للشاب السعودي بالنسبة لي فضلوع خمسة عشر شخصا سعوديا في عملية الخطف برهان قوي على أن المملكة لديها خزان من الشباب الذي لا يتوانى عن مواجهة الموت، سواء كان ذلك يستتبع حلقات خطف طائرات، أو نسف آل سعود أو استهداف البنية التحتية لنفط المملكة العربية السعودية بالأسلحة الثقيلة. فالإسلام المتشدد حرك الشباب السعودي كما لم نتوقع.

ماذا عن حراس العائلة المالكة السعودية، ودباباتهم وطائراتهم؟ بالتأكيد هم قادرون على السيطرة على المتعصبين، هذه أسطورة أخرى من شأنها أن تصبح حدثا تاريخيا كما 11 ايلول\سبتمبر، ولكن دعونا ننظر إلى الأدلة المتاحة : وزير الداخلية في المملكة الأمير نايف يهتم فقط بحماية قبضة آل سعود على السلطة، على حساب أي شيء وأي شخص آخر. (نص محذوف) ولتوضيح ذلك تجنب الامير نايف لقاء مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي لويس فريه، عندما حضر “فريه” الى المملكة العربية السعودية للتحقيق في تفجير الثكنة الاميركية في “الخبر”، وبقي “الأمير نايف” على يخته قبالة الساحل في البحر الأحمر، بالقرب من جدة. والتقى “فريه” باثنين من مسؤولي جهاز الأمن الداخلي، وأحد منهم لم يكن يعرف شيئا عن الخبر. والتدبير المنطقي في هذه الحالة انه عند قدوم الامير نايف الى المملكة العربية السعودية سيكون سائق “فريه” في انتظاره.

لم يكن على الامير نايف اظهار كراهيته للأميركيين عبر الصحافة. فبعد 11 سبتمبر، وفي أسوأ وقت ممكن، قال “نايف” إن الولايات المتحدة، “القوة العظمى التي تسيطر على الأرض، الآن هي في صورة عدو للعرب والمسلمين”. وفي الواقع، كانت الأمور أسوأ بكثير مما هو متوقع (نص محذوف).

الراجحي” هو المدير المسؤول عن شركة الراجحي لقطاعي البنوك والاستثمار، التي تدير ما يقرب من أربعمائة مكتب فرعي في المملكة العربية السعودية وخارجها.

(نستنتج ان النص المحذوف يتعلق بمعلومات أبلغها الزائر الأميركي للمير نايف عن دور شركة الراجحي في تمويل بن لادن )تأسست الشركة في العام 1987، وهي واحدة من أغنى البنوك في المملكة، ومساهمة في تمويل الجمعيات الخيرية مثل منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية (أوهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية)، وهي ترسل الاموال الى السعوديين المتشددين مثل بن لادن وغيره.

لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا مع “نايف” بما في ذلك الملك فهد. الامير نايف يدير وزارة الداخلية وكانها احتياطي شخصي. وكما الامير فهد يتمتع بالحصانة، فالأمير نايف “محمي” ولا يمكن أن يطرد، حتى وهو يصعد “حربه الخاصة” ضد الولايات المتحدة ويرسل المال للوهابيين المتشددين. كثيرا ما كنت أتساءل لماذا يكره “الامير نايف” الولايات المتحدة كثيرا. (نص محذوف)

لا أظن أن لويس فرييه كان متفاجئا مما حصل معه حول حادثة الخبر، فهو شهد على أسوأ من ذلك.

قطر والقاعدة

بحلول منتصف العام 1990، استضافت قطر عشرة من إرهابيي القاعدة المطلوبين للتحقيق في الولايات المتحدة. وعندما تلقى “فرييه” تقرير “الصخور الصلبة” تبين بشكل قاطع أن عضو تنظيم القاعدة الأكثر فتكا، خالد شيخ محمد، كان من بين هؤلاء الذين تم استقبالهم من قبل حكومة قطر، بعث فرييه برسالة لوزير الخارجية القطري، طلب فيها من دولة قطر ان تحترم التزاماتها وتسلم “محمد” لمكتب التحقيقات الفدرالي.

فرييه” أراد وضع محمد بعيدا لأنه كان عم “رمزي يوسف”، الرجل الذي خطط للشاحنة المفخخة في مركز التجارة العالمي في العام 1993. وكان “محمد” قد خطط أيضا لتفجير أحد عشر طائرة أمريكية فوق المحيط الهادي. وإحدى العمليات التي قام بها محمد هي الهجوم على طائرة فلبينية، وقتل أحد ركابها اليابانيين المتواجدين على متن الطائرة في أواخر العام 1994. وواحد من شركاء محمد اعتقلوا في الفلبين كونه الداعم في عملية خطف الطائرات وتفجيرها في مباني الولايات المتحدة ومقر وكالة الاسخبارات المركزية.

طلب “فرييه” من الوزير القطري ان لا يترك أي شك باعتبار محمد “قاتلا محترفا”. “يشتبه بتورطه في مؤامرات إرهابية تهدد مصالح الولايات المتحدة بشكل واضح”، وكتب “فرييه” في الرسالة التي أطلعني عليها مسؤول استخباراتي عربي رفيع، “نشاطاته في قطر تهدد مصالح حكومتكم كذلك”، وأشار إلى “انه يحضر لعملية تصنيع عبوة ناسفة يحتمل أن تعرض حياة مواطني قطر للخطر”. وبالإضافة إلى ذلك، لفت إلى أن “محمد” لديه أكثر من عشرين جواز سفر مزور تحت تصرفه “.

وعلى الرغم من أن محمد كان موظف في الحكومة القطرية في ذلك الوقت (ويا للسخرية، كان يعمل في الهيئة العامة للمياه) ادعت قطر بأنها لا تستطيع ايجاده. وفي الواقع، تم نقله سرا خارج البلاد، بينما فرفة من “اف.بي.اي.” تنتظر في أحد فنادق الدوحة.

استياء “فرييه” تحول إلى غضب عندما اكتشف أن قطر القت مبالغ ضخمة بين عامي 1997                 و 1999 لإنشاء مكتب محاماة في واشنطن على مقربة من البيت الأبيض وللتعاقد مع شركة علاقات عامة في “كي ستريت” لتحسين صورتها، بينما كانت بمثابة خزان لبعض الاشخاص الأكثر خطورة في العالم.

ماذا يجب أن تفعل قطر مع المملكة العربية السعودية ؟بصرف النظر عن حقيقة أنها تشترك في الحدود مع المملكة ولديها سكان متشددين، ومتعصبين إسلاميا؟ فلننظر في هذا: عندما تم تشغيل خالد شيخ محمد في باكستان في مارس 2003، كان يعمل مع مصطفى أحمد الهوساوي، الذي كان يدعم تمويل خاطفي 11 سبتمبر من حسابات في دولة الإمارات العربية المتحدة. ووفقا لمسؤول في أمن الخليج فقد حول “الهوساوي” أموالا طائلة إلى الخاطفين أكثر من المملكة السعودية.

وبعبارة أخرى، لا توجد حدود ثابتة وواضحة لهذه الشبكة الإرهابية. أسامة بن لادن كان يطير بلا علم وطني والغضب ضد الغرب وخاصة الولايات المتحدة تسرب في جميع أنحاء بلاد الإسلام. ولكن هناك مجموعات داعمة لهذه الشبكة – كالوهابيين، الإخوان المسلمين، وتنظيم القاعدة، وبطبيعة الحال المملكة العربية السعودية.

إدارة كلينتون، لم ترفع شكوى إلى وزير الخارجية القطري، الذي كان يتجول داخل وخارج البيت الأبيض كما لو كان يعمل هناك وقد طلب مني مرة إخلاء مكتب مستشار الأمن القومي للسماح لنائب الرئيس”ال غور” أن يجتمع بوزير الخارجية عندما ياتي بغير موعد.

آل سعود والقاعدة

نايف” لم يكن وحده المشكلة… آل سعود والمملكة يحكمان السيطرة منذ بداية 1990، وفي العام 1996 رفضت الحكومة السعودية ببساطة عرض السودان تسليم أسامة بن لادن. وشرحت الرياض: كان بن لادن يتمتع بشعبية كبيرة في المملكة العربية السعودية، واعتقاله سوف يحرض على الثورة. ومنذ 11 سبتمبر، لم تأت لائحة اتهام واحدة أو حتى خطة مفيدة من المملكة العربية السعودية لتسلم بن لادن.

وبالتالي فانه لم يسمح للـFBI بمقابلة اي مشتبه به، بما في ذلك أسر خمسة عشر شخصا من الخاطفين السعوديين. وبعد فترة طويلة من احداث 11 سبتمبر، رفضت المملكة العربية السعودية تقديم كشوف “مسبقة” حول الرحلات القادمة الى الولايات المتحدة.

لو كانت المملكة العربية السعودية بلدا حرا ومفتوحا، لكانت الصحافة الأميركية قادرة على أن تقول لنا لماذا “نايف” هو في حالة حرب مع أميركا، ولكن بوجود استثناءات قليلة، فالصحفيون الأميركيون لا يحصلون على تاشيرات دخول لزيارة المملكة. القلة الذين يزورونها يجدون انفسهم تحت سيطرة الشرطة السرية. لا نبحث عن الكثير من مكتب التحقيقات الفدرالي الجديد والمحدث، ولا من مكتب الرياض، الذي يعمل مع اثنين من الوكلاء المسلمين، وليس لأنه لديهم تواصل مع الشارع العربي. كان مكتب التحقيقات الفدرالي أكثر اهتماما في إظهار كيفية التعامل مع “الحساسية السعودية“.

بالنسبة لمعظم الأميركيين، شكل 11 سبتمبر رعبا وطنيا وصحوة جيوسياسية كان من المستحيل تقريبا الاستيعاب بأن خمسة عشر شخصا من الخاطفين كانوا سعوديين، وكانوا مواطنين في بلد طالما قيل انه أفضل حليف لنا في الشرق الأوسط، بعد إسرائيل.

ولكن في خريف العام 2002، عندما بدأت المملكة العربية السعودية بقيادة الحملة العربية ضد الحرب في العراق، كانت قلقة على استقرارها، وبدأ الأميركيون يدركون انهم يعيشون في كذبة بشأن المملكة العربية السعودية. وقبل عشرة أعوام، أثناء حرب الخليج الفارسي، فتحت السعودية الباب أمام القوات الأمريكية.

وفي العام 2002 وجدت أميركا نفسها تتوسل قطر لتوفير قاعدة الاتصالات لقوات الغزو لديها. كما لو ان الأميركيين بحاجة إلى مزيد من الأدلة، ربما ثلثا سجناء القاعدة المحتجزون في سجن “كامب دلتا” في قاعدة غوانتانامو البحرية -وفقا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد – مواطنون سعوديون. كل يوم كان يكشف أسرارا جديدة عن المملكة العربية السعودية، والعديد منها متصل بالعائلة المالكة: زوجة السفير السعودي في الولايات المتحدة سلمت أموالا إلى اثنين من منفذي عملية 11/9 . ومن خلال اقتحام شقة في هامبورغ لاحد المشتبه بتواطئهم مع الخاطفين وجدت بطاقة عمل “بزنيس كارت” لدبلوماسي سعودي. والخاطفان اللذان وصلا إلى لوس أنجلوس التقيا بسعودي يعمل في شركة متعاقدة مع وزارة الدفاع.

غذى السعوديون أجهزة “الصراف الآلي” للخاطفين، وعندما داهمت قوات الناتو مكاتب المفوضية العليا السعودية لمساعدة البوسنة، التي أسسها الأمير سلمان، وجدوا صورا لسفارتي الولايات المتحدة اللتين دمرتا في كينيا وتنزانيا (قبل-وبعد) وللمركز التجارة العالمي (قبل حادثة سبتمبر)، وللمدمرة الأمريكية كول. وفي نوفمبر 2002 طلبت السفارة السعودية في واشنطن من مسؤولين في القانون الاتحادي، توفير جواز سفر جديد لزوجة احد عناصر تنظيم القاعدة فأخرجت هي وأطفالها الخمسة من الولايات المتحدة بعد أن استدعيت للادلاء بشهادتها، امام هيئة محلفين كبرى.

لم تحاول السعودية دحض تلك الوقائع التي جاءت ضدها. بدلا من ذلك، خرج عادل الجبير مستشار السياسة الخارجية لولي العهد من مركز السفارة السعودية في واشنطن ليقول: “لقد هوجما باعتبارنا نواة الشر، وأرضا خصبة للإرهاب”. “ولم أكن أتوقع ذلك من الأميركيين في أي وقت مضى“.

وفي الوقت عينه واصل “نايف” التظاهر بأن المملكة العربية السعودية ليس لديها ما تفعله بما خص الهجمات. فبعد سنة ونصف لم يتم اعتقال سعودي واحد في محاولة لمساعدتنا على التحقيق في احداث 11 ايلول\سبتمبر.

بصراحة، لا شيء من هذا القبيل يشكل مفاجأة لنا. فالنظام القضائي السعودي يبدو كما لو كان مصمما من قبل “غينيس خان”. المملكة العربية السعودية تتصدر العالم بقطع رؤوس. (والمكان الذي تنفذ فيه معظم الاحكام هو ساحة الرياض المعروفة شعبيا باسم “فرم”) المدارس الثانوية والجامعات في المملكة اصبحت نقطة الجذب للإرهاب العالمي. قوة الشرطة (والمطاوعة) لا فائدة منها في وقف السعوديين عن التآمر على اغتيال الصالحين في الخارج.

إنهم يميلون للقيام بمسائل أكثر أهمية، مثل إجبار أصحاب المحلات على الإغلاق أثناء أوقات الصلاة، وضرب النساء على الذراعين والساقين عند ارتدائهن لثياب قصيرة. وفي مارس 2002 تمت محاصرة مخارج مدرسة في مكة المكرمة بالنار، لأن الطالبات لم يتسترن بالشكل المطلوب، وقد توفيت أربع عشرة فتاة في ذلك الحادث. العمال الأجانب هم من دون حقوق تقريبا في المملكة العربية السعودية. ولا أحد في المملكة، (مواطن أو زائر)، يسمح له بممارسة أي شعائر دينية أخرى غير الإسلام. حتى أن أي شخص يضع زينة عيد الميلاد معرض للنقد والاعتقال.

حتى وزارة الخارجية الأميركية اعترفت أن أمور المملكة تتعثر عندما يتعلق الأمر بالشؤون الدينية. وهي تعتبر انه يجب وضع المملكة على القائمة السوداء للأمم التي تحد من الحرية الدينية، بما في ذلك إيران، العراق، الصين، بورما، السودان، و كوريا الشمالية. وقد رصد “تقرير الحرية الدينية الدولية لعام 2002” اعتقال المسيحيين ومضايقتهم من قبل الشرطة الدينية في البلاد، ومصادرة الأناجيل. وفي النهاية، وعلى الرغم من ذلك فانه لا يمكن فعل اي شيء بالقوة.

حكم آل سعود

الأمور أسوأ مما تبدو… المملكة العربية السعودية ليس لديها ما يعرف “بسيادة القانون”. ومن خلال النظر الى مضمون جواز السفر السعودي: فهو ينص على أن صاحب الجواز “ينتمي” للعائلة المالكة. السعودي المنتمي إلى عامة الشعب هو أشبه بقطعة من الممتلكات فهو لا يختلف عن قصر جدة الذي يملكه آل سعود أو الرولز رويس سيلفر كلاود، ولا توجد حقوق في المملكة، تماما كما لم يكن هناك برلمان أو دستور.

الأمور قد تكون أفضل لو كانت المملكة العربية السعودية مملكة يقودها “اشخاص حكيمون”، ملك خير وعائلة مالكة تتمتع بشعور النبلاء. ولكن الأمر ليس كذلك. نبدأ في الجزء العلوي، الملك فهد، مصاب بسكتة دماغية، وعاجز منذ العام 1995. ولي العهد الامير عبد الله من المفترض أن يملأ الفراغ الذي خلفه غياب فهد، -أخوه غير الشقيق- ولكن ليست لديه سلطة حقيقية. وهو ليس مصدر ثقة، ومحتقر من قبل كبار الأمراء – ومجلس الوزراء والوزراء – وسلطته مهددة في كل فرصة.

زوجة فهد المفضلة، “الجوهرة الابراهيم” ومدللها، (ابنها عبد العزيز – عزوزي، أو “ديري” كما يدعوه الملك فهد) يديرون المملكة العربية السعودية. “الجوهرة” كانت تتواجد مع الملك فهد أربع وعشرين ساعة في اليوم. هي كانت تقرر من يراه ومن لا يراه، اي مراسيم سيوقعها وايها تحجب عنه ولاغراض عملية كانت هي تحدد المسار العام للسياسة الداخلية والخارجية للسعودية. ونحن نعرف، انها كانت تحدد كمية النفط التي يجب ان تضخ ومتى تتوقف تماما.

الخرف، المؤامرات، والغيرة هي فقط بداية لقصة ال سعود. ال سعود يتسمون بالعنف والانتقام مثل أي عائلة مافيوية. أول سعودي اعد كتابا انتقد فيه المملكة اختطف في بيروت وقتل في وقت لاحق في السبعينيات.

بعد أن تركت وكالة الاستخبارات المركزية، في منتصف التسعينيات علمت أن الأمير نايف كان على الأقل وراء محاولتين لاغتيال محمد المسعري، زعيم لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية ومقره لندن. وبالتأكيد ذلك يجب أن يكون سببا كافيا لـ “المسعري” لأن يشارك الآخرين في حمل السلاح ضد آل سعود – أسامة بن لادن، على سبيل المثال. وفي حالة أخرى، عبد الكريم النقشبندي، وهو سوري غضب على عضو في العائلة المالكة، ووجد مقطوع الرأس في شوارع الرياض في العام 1996، على الرغم من مناشدات نشطاء حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. إلا أن أي تصرف لا يخدم مصلحة المملكة العربية السعودية يمكن أن يكون جريمة عقوبتها الإعدام.

أفراد العائلة المالكة في أي مكان هم مقاومون للتغيير. هم لا يريدون الاعتراف بالتعفن في المملكة، ولا يريدون التحدث عن حقيقة أن السكتة الدماغية لفهد عززت حظوظ الأمراء الفاسدين في المشاريع غير المشروعة، من بيع التأشيرات والكحول وسرقة الممتلكات. هم أيضا لا يريدون التحدث عن حقيقة أن استيراد العمالة الأجنبية أدى الى وجود أعداد كبيرة من الشباب السعوديين العاطلين عن العمل وجرى تشجيعهم على قضاء معظم وقتهم في المسجد حيث يتم تلقينهم “الجهاد وقتل الصالحين“.

كل عاهل سعودي يحصل على بدل كبير، ولكن عندما لا يحصلون على ما يكفي، فلديهم ملحق المخصصات الخاصة بهم، من الرشاوى على مشاريع البناء (ومعظمها بيد عائلة بن لادن)، وصفقات السلاح، وسرقة الممتلكات من العامة. بالإضافة إلى التأشيرات، كما أنهم يبيعون الخمور والمخدرات. وفي تموز العام 2002، تم توجيه الاتهام لنايف بن سلطان بن فواز الشعلان من قبل هيئة محلفين كبرى في فلوريدا بأنه استخدم طائرة شخصية لنقل طنين من الكوكايين من كراكاس الى باريس. هذا الحادث بدا مفاجأ حتى لي: لقد عرفت عائلة شعلان لأكثر من عقد، وحتى ذلك الحين، تمكنوا من تجنب الإصابة بداء المملكة.

قصص آل سعود حول “التبذير” وفيرة، ولكن الابن الأصغر لفهد، “عزوزي”، كسر القالب عندما بنى لنفسه حديقة مترامية الأطراف خارج الرياض لأنه كان “مهتما” بالتاريخ. وقال لزواره إن الحديقة كلفت 4.6 مليار دولار. فهي تشمل نموذجا مصغرا من مكة القديمة، ومجسمات نسخة طبق الأصل عن قصر الحمراء، مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ومن المعالم الاسلامية الاخرى. “عزوزي” هو من ضبط الشكل الذي بنيت عليه الحديقة، ولكنه في الحقيقة يتبع التقاليد العائلية. عندما تزور عائلة الملك فهد قصر ماربيا، ينفقون حوالي ​​5 ملايين دولار يوميا في المتاجر المحلية، لذا يرغب أصحاب المتاجر في تسمية أحد الشوارع باسم “الملك”. وبقدر ما يحب ال سعود المال وشراء الحاجيات – كالماس واليخوت والقصور والطائرات- فإنهم يحبون اللحم البشري أكثر. ببساطة، هاجس آل سعود هو الجنس، من المومسات إلى الصبية الصغار. وبالمناسبة، وزير الداخلية الأمير “نايف” يمضي وقته في استشارة الأطباء عن العجز الجنسي الذي يعانيه.

وهذا على ما يبدو يؤثر على زوجته “مها” التي تعاني من مشكلة غضب حادة في إدارة أمورها. ففي العام 1995، وهي في زيارة إلى أورلاندو، قيل إنها اعتدت على خادمها، متهمة إياه بسرقة مئتي ألف دولار من النقد والمجوهرات. وعندما ضربت “مها” خادمتها أمام مأمور شرطة أورلاندو لم يتحرك احد لأنه كانت لديها حصانة دبلوماسية. والدرس لم يؤخذ من تلك الحادثة فبعد ست سنوات، أيضا في أورلاندو، اتهمت الأميرة السعودية بضرب خادمتها ودفعها إلى أسفل الدرج…لم تستخف هذه الأميرة بخدمها وتقوم بتلك الأفعال فقط لأنها تتمتع بحصانة دبلوماسية … ولكن كنت أتحدث عن الجنس.

السعوديون هم على الأرجح أكثر من لديهم “كبت جنسي” في العالم. فالنساء ليست بمتناول الرجل حتى يوم الزفاف. وبعد تلك الفرحة، يحتفظ الأزواج بزوجاتهم في المنزل حتى يوم وفاتهم.         فقط 5 % من النساء يعملن لا يمكن للمرأة قيادة السيارات، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى أي مكان، فالذكور -ابن العم، الأخ، أو الأب يقودون السيارة لأخذها-. كما يسمح لها بالذهاب إلى مراكز التسوق، والمطاعم، وحمامات السباحة التي تفصل بين الجنسين فقط. وإذا القي القبض عليها في حالة تلبس بالزنا، فإنها ترجم حتى الموت، جنبا إلى جنب مع عشيقها.. وإنه أسهل على الشاب السعودي أن يسافر إلى أفغانستان من التواصل مع فتاة سعودية.

الفلبينيون والخدم الاندونيسيون في المملكة يعيشون في خوف دائم من الاغتصاب، من قبل كفلائهم السعوديين، “فالعبيد” يخافون من الذهاب إلى الشرطة. لا أحد لديه أي فكرة عن مدى انتشار ظاهرة الاغتصاب في البلاد. فلا يتم نشر الإحصاءات.

في وقت مبكر من أعوام السبعينيات عندما بدأت عائدات النفط تفيض على السعوديين، بدأت المغامرة اللبنانية في تهريب المومسات إلى الأمراء في المملكة. فمنذ كانت النساء المتنكرات بزي مضيفات الخطوط الجوية اللبنانية (الميدل ايست) تذهبن مباشرة إلى القصور الملكية، فرق المطاوعة لم تفعل أي شيء حيال ذلك. وبعد أن أقام اللبنانيون رأس جسر في المملكة، عاد أكثر من شخص إلى لبنان لبناء مستقبله السياسي بثروته التي جمعها.

السعوديون الذين لا يستطيعون الدخول في مجرى “البغايا المالكة” يتخذون عدة زوجات وكلما كان النساء اصغر كلما كان أفضل. فزواج رجل سعودي سبعيني من فتاة في سن المراهقة المبكرة يبدو شائعا جدا. السعوديون الأغنياء ببساطة يذهبون إلى الخارج لممارسة الزنى. ما عليك إلا متابعة رحلة مغادرة من الخليج لرؤية هؤلاء وهم يخلعون الجلباب ويخرجون السجائر والخمور: هؤلاء السادة يكونون في طريقهم إلى الحفلة، لقضاء ليلتهم في زيارة الأندية والملاهي في فرنسا في “كوت دازور” أو في “مونتي كارلو”، وستجد الرجال والنساء السعوديين مستيقظين طوال الليل، ويتمتعون بكل لحظة من حريتهم .

قصص كثيرة عن “الزنا السعودي” اجتاحت الصحافة الأميركية فوعظت الافتتاحيات بشأن حقوق المرأة، ولكن يبدو أن أحدا لا يتذكر النقطة التالية: السعودية تنفق نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي على “الجنس”. إذا نحن تبرعنا بدولار إلى حراس العائلة المالكة في كل مرة نقوم بتعبئة خزان البنزين، فنحن ربما نتبرع نصف مرة أخرى للسعوديين “للاستغناء والتبذير“.

العائلة المالكة تنفق حصة الأسد من أرباح الدولة يمكنك أن تجد قصورهم على طول البحر الأبيض المتوسط، بنيت كلها للترفيه عن العاهرات. كونك تحمل الدم الملكي فأنت تحتاج إلى كل وسائل الراحة في المنزل. تقول الأسطورة إن المسؤول عن قصر الملك فهد قرب “انتيب” اقترح على الحكومة –وهذه القصة لا زالت تداول في الأروقة الفرنسية حتى الآن- نقل السكك الحديدية الباريسية في “نيس” بعيدا عن القصر، ولا يهم أن نقل الخط يكلف الملايين.

وأوضح المسؤول في قصر الملك فهد، أن هناك انزعاجا من سماع صوت مرور القطارات البعيد بينما يتنقل الملك في حديقة منزله.

في وقت مبكر من العام 1970 وبعد أن خسر الملك فهد 6 ملايين دولار في كازينو “نيس”، كان على العائلة المالكة إيجاد مربع جديد، وحالما سمع الحسن الثاني ملك المغرب أن السعوديين كانوا لاعبين بارزين في سوق العقارات، اتصل هاتفيا بالرياض لتقديم العروض.

كان الملك الحسن قد سمح لعشرات الأمراء السعوديين بالبناء في عقارات منعزلة في المغرب، في كثير من الجبال الوعرة القريبة من طنجة. المنطقة التي يطلق عليها اسم “الريف”، وهي برية وينعدم فيها القانون – أي أوجد لهم مكانا مثاليا للعربدة ولحفلات الشرب، بعيدا عن أعين المتطفلين من “الوهابيين” والصحافة في أوروبا. أي صحفي يحاول التقاط أي صورة يخاطر بنفسه باحتمال الخطف أو قطع الرأس.

عندما كنت في المغرب، وصل خبر لوكالة الاستخبارات المركزية أن أميرا سعوديا قد قضم ثدي شابة مغربية وهو ثمل لأقصى درجة، ولكن الملك الحسن طوق الحادث بسرعة، وتم دفع المال لعائلة الفتاة، وقيل لهم: إما أن تبقى مغلقة الفم أو تقضي بقية حياتها في السجن. تكتيكات الذراع القوية أثمرت، والحادث لم ير ضوء النهار.         

إرهاب تحت الحماية الأميركية

إذا كنت قد اتبعت منطق هذا الشيطان حتى الآن، إذن إنها خطوة صغيرة للاستنتاج بأننا في الغرب وحكام السعودية أنفسهم في ورطة خطيرة. كل مكونات الاضطراب في مكانها الصحيح: الحدود مفتوحة، الأسلحة متوافرة، السياسة في غربة، لا وجود لسيادة القانون، الشرطة فاسدة، و احتقار الطبقة الحاكمة موجود، تراجع نصيب الفرد من الدخل كذلك، التدهور البيئي، غضب الجيران، تزايد عدد الشباب المتطرفين في الداخل.

إلى جانب ذلك تحوي مدارس المملكة ومعاهدها الدينية متعصبين يسارعون في الدخول إلى الحروب القتالية من بورما، إلى فيتنام، وكمبوديا ونيكاراغوا وأنغولا والصومال، وسيراليون.. لماذا يجب على المملكة العربية السعودية الهروب من هذا المصير؟.

مع هذا النوع من العفن، يعتقد أن كل خريطة رسمية في واشنطن سيكون لها راية حمراء مزروعة على نقطة مسماة “الرياض” لدعم البيروقراطيين الذين تساندهم المملكة العربية السعودية. والحقيقة هي عكس ذلك تماما. بينما كنت أكتب هذا النص في وقت مبكر من العام 2003، كانت واشنطن لا تزال مصرة على أن المملكة العربية السعودية هي بلد مستقر، وحكومتها المركزية تسيطر على حدودها دون منازع، والشرطة والجيش هما على درجة عالية من الكفاءة والإخلاص، وشعبها يلبس ويأكل ويتعلم بشكل جيد.

دعونا نبدأ بوزارة الخارجية، فعليها مسؤولية كبيرة، اكبر من حكومة واشنطن البيروقراطية، وذلك لدورها في نشر الكذبة الكبيرة حول المملكة. لدى الاستماع إلى ما يدور من حولك تعتقد أن المملكة العربية السعودية هي الدانمارك.

فقط ألق نظرة على طريقة التعامل مع تأشيرات السعوديين… بموجب القانون، وزارة الخارجية لديها مسؤولية منح التأشيرات في الخارج، فهي تصدرها من سفاراتنا وقنصلياتنا.

في العام 1952 كان قانون الهجرة والجنسية واضحا حول “الأهلية”. قسم القانون المتعلق بمنح التأشيرات السياحية، القسم 214 (ب)، جاء كما يلي: “كل أجنبي يبقى مهاجرا إلى أن يثبت العكس للموظفين القنصليين … ليتمتع بوضع “غير المهاجر”، “وبعبارة أخرى، فإن الأجنبي الذي لا يوجد لديه سبب للعودة إلى وطنه – وهو عاطل عن العمل، وغير متزوج، ومكسور – ليس مؤهلا للحصول على تأشيرة- فمن المفترض أن يبقى في الولايات المتحدة.

ومع ارتفاع نسبة البطالة بين الذكور في المملكة إلى حوالي 30 %، وتدهور نصيب الفرد من الدخل إلى مستوى متدن، يعتبر السعوديون مهاجرين في بلادهم (ما لم يكونوا من العائلة المالكة أو خدما خاصين بهم). وهناك خطر كامن في بقاء السعوديين الذي يسعون لكسب لقمة العيش في الولايات المتحدة حيث لا تتوفر فيهم المؤهلات القانونية للعودة إلى المملكة، وهذا ما يجعل الأمور أسوأ بكثير.

خلال هجمات 11 سبتمبر 2001، لم يحتج السعوديون الذين شاركوا في العمليات للظهور في السفارة الأمريكية في الرياض أو القنصلية في جدة لإجراء المقابلة التي تخولهم الحصول على التأشيرة. ففي ظل “نظام فيزا اكسبريس”، كان السعودي فقط يرسل جواز سفره، والرسوم إلى وكيل السفر للحصول على التأشيرة. وكيل السفر السعودي بعبارة أخرى كان يقف مكان الحكومة الأمريكية. وكانت فترة الانتظار للحصول على التأشيرة قصيرة، وأي سعودي لديه المال يصبح في طريقه إلى نيويورك ويتخفى مثل الماس في المحبرة أو يقود الطائرة نحو ناطحات السحاب.

من خلال إصدار تأشيرات دخول للسعوديين الخمسة عشر العاطلين عن العمل، تخطت وزارة الخارجية القانون. وبالتأكيد، محاولاتنا لجعل هذه المسألة بسيطة وسهلة جدا تسمح لغالبية القوى التي تسعى لمهاجمتنا باتخاذ أماكنها. أسامة بن لادن هو سعودي المولد. فجر المواطنين السعوديين في مقر للحرس الوطني في العام 1995 وشن الهجوم على ثكنات “الخبر” في العام 1996. وقام سعوديان اثنان باختطاف طائرة إلى بغداد في العام 2000. والسعوديون بالتأكيد كانوا وراء الهجوم على البارجة “كول”، كما شارك مئات السعوديين بالهجمات الإرهابية الأخرى، من الشيشان إلى كينيا وتنزانيا.

فهل تحتاج وزارة الخارجية إلى أدلة أكثر لمعرفة أن السعوديين هم “إرهابيو العالم الجديد”، وهم بحاجة إلى مساءلتهم ومراقبتهم بإحكام؟ فالطريقة التي تدار فيها مسألة التأشيرات، تسمح لأسامة بن لادن نفسه بالتسلل إلى الولايات المتحدة.

منحت وزارة الخارجية الأميركية الحكام السعوديين فرصة تمرير كل شيء تقريبا، فهي تحمي السعوديين من جماعات حقوق الإنسان. وتدعمهم في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. انها تجاهلت حادثة الحرس الوطني وتفجيرات “الخبر” فعلى سبيل المثال، تقرير وزارة الخارجية في العام 1999: “أنماط الإرهاب العالمي” القسم الخاص بالمملكة العربية السعودية: “واصلت حكومة المملكة العربية السعودية، على جميع المستويات، إعادة تأكيد التزامها مكافحة الإرهاب”. ويمضي التقرير: “كما واصلت حكومة المملكة العربية السعودية التحقيق في تفجير حزيران\يونيو العام 1996 حول أبراج “الخبر“.

ولكن نحن نعلم أنها كانت كذبة كبيرة، فـ “نايف” لم يحرك ساكنا أبدا للوصول إلى نتائج فاصلة في التحقيق في هذه القضية. ولكن كان هناك الكثير من الأحداث في العام 1999 التي لم تكن الدولة تريدنا أن نعرفها. في ذلك العام افرج “نايف” عن اثنين من رجال الدين الذين أصدروا فتاوى بقتل الأميركيين، واحد منهم “سفر الحوالي”، وفي الوقت نفسه، تم تجنيد الخاطفين الخمسة عشر وتلقينهم في المساجد السعودية، حيث اعتبر ذلك عملا كبيرا بالنسبة ل “التزام” المملكة العربية السعودية.

الولايات المتحدة الأميركية لا تقول الحقيقة للأميركيين المتوجهين إلى المملكة العربية السعودية. ولكن تنصح المواطنين الأميركيين بمغادرة البلاد. ولم تحذر المملكة العربية السعودية أبدا من عدم التعاون في مكافحة الإرهاب. عندما كنت أقول للزملاء ان المملكة قد تنهار في يوم من الأيام، كانوا يقابلون ذلك الكلام “بالسخرية”، ويقولون: “لا توجد مشاكل” “إن العائلة المالكة مثل أصابع اليد عندما تشعر بالتهديد، تقوي قبضتها، ولكن الواقع هو أنه عندما هددوا آل سعود ترجموا ذلك بإرسال المزيد من المال للمتعصبين، والولايات المتحدة قامت بمنح المزيد من تأشيرات الدخول.

الولايات المتحدة لم تغض البصر عن الراديكالية الإسلامية في سياسة المملكة العربية السعودية، بل حرضت أحيانا على ذلك. واشنطن كانت على علم بان المملكة العربية السعودية تنوي تشغيل خطوط أنابيب الغاز والنفط عبر أفغانستان، من آسيا الوسطى إلى باكستان، لمساعدة طالبان للبقاء في مركز القوة، وضمان أن بن لادن لديه ملاذ آمن. ومع ذلك، ذهبت الولايات المتحدة معها جنبا إلى جنب، وشجعت الشركات الأميركية، على المشاركة.

شراكات النفط مع طالبان

لقد حصلت على دورة قصيرة حول خط الانابيب الافغاني في 4 فبراير 1997، عندما تعرفت على (اسم محذوف) خط الانابيب الأفغاني. وقد أرسل – الشخص المحذوف اسمه- من قبل الولايات المتحدة الى قسم مجلس الأمن القومي لإعطائي معلومات مستكملة عن “مخطط يونوكال”. – خط أنابيب الغاز الذي رفضت حكومة طالبان الموافقة على مروره في الأراضي الأفغانية- القصة أن جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي ـ أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان ـ غنية بالغاز والنفط بشكل كبير وتحتاج هذه الدول التي لا تطل على أي منفذ بحري إلى وسيلة لنقل تلك الثروات الطبيعية إلى السوق العالمي، وقادت هذه الحاجة إلى التفكير في خط أنابيب يؤدي هذا الغرض. وهناك عدد من الطرق المحتملة التي يمكن أن يمر بها خط الأنابيب هذا، ولكن جميع الطرق كانت تتميز بالتعقيدات السياسية التي تمنع جعل تحقيق المشروع ممكناً.

أقصر هذه الخطوط هو عبر إيران، ولكن هذا البلد يخضع لعقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة، أما الطرق الأخرى التي تمر عبر روسيا والصين فكانت مرفوضة أيضا من قبل الولايات المتحدة. ولذلك اقترحت شركة النفط الأمريكية (يونوكال) مد خط لأنابيب الغاز والنفط من تركمانستان إلى باكستان عبر أفغانستان.

على الرغم من استمرار الحرب الأهلية وتشديد قبضة طالبان على أفغانستان، سعت “يونوكال” للمضي قدما في مشاريع خطوط الأنابيب، فتشغيل خط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى باكستان قد يكلف 2 مليار دولار. والبديل سيكون خط أنابيب آخر باضافة 2.5 مليار دولار. لكن توظيف هذا المال في بلد غارق بالحرب الاهلية هو استثمار محفوف بالمخاطر.

( اسم محذوف) كان-ذلك الشخص- على حق عندما قال ان يونوكال ليست وحدها في المشروع بل إن . J. P.مورغان و”كامبريدج لبحوث الطاقة” أعدا دراسة عن جداول الدفع من حكومة إلى حكومة لأجل تأمين قرض من البنك الدولي. “يونوكال” كانت مرتبطة بالسفير الأميركي السابق بوب أوكلي، وهو واحد من أفضل أصدقاء المملكة العربية السعودية في واشنطن. وعدد كبير من الشركات العملاقة وعدت بالعمل، بما في ذلك فلور دانيال، لان “يونوكال” كانت مباركة رسميا.

بعد أسبوع، في 13 فبراير 1997، (اسم محذوف) طلب من “يونوكال” بناء طريق من “تورغاندي” إلى “سبين بولداك” واستثمار أموال في مدارس قندهار وفي المساجد. ليس لدي أي فكرة إذا قامت “يونوكال” ببناء الطريق، ولكن إذا فعلت، أنا أتساءل عما إذا كان بن لادن قد استخدمها للهرب.

حتى بعد هجمات العام 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، التي نظمها بن لادن من أفغانستان، واصلت المملكة العربية السعودية مساعدة مضيفه، أي طالبان. وفي يوليو 2000 ذكرت “بتروليوم إنتليجنس ويكلي”، أن المملكة العربية السعودية كانت ترسل ما يصل إلى مئة وخمسين ألف برميل من النفط يوميا إلى أفغانستان وباكستان خارج اعتمادات المساعدات الخارجية. هذا التكتيك -إرسال النفط بدلا من النقد – كان سابقة سعودية معروفة.

حكومات تركيا، باكستان، والمغرب تلقت هبات سعودية مماثلة في التسعينيات، وكانت البحرين تحصل بمفردها يوميا على 150 ألف برميل في صفقة مساعدات معروفة. يمكننا فقط “التخمين” حول دوافع آل سعود وراء انفاق كل هذه الأموال حتى عندما كانت المملكة تعاني من عجز وشلل. ووفقا للتقارير الصحفية، بدأت المملكة العربية السعودية في منتصف السبعينيات بتخصيص مليار دولار لباكستان لمساعدتها على تطوير القنبلة النووية “الإسلامية” لمواجهة “هندوسيي” التهديد النووي من الهند المجاورة. وتمكنت السعودية من الحفاظ على قليل من المغامرة مع حلفائها الأميركيين حتى فترة متقدمة من أوائل التسعينيات.

المساعدات السعودية السرية لطالبان، بلغت مئات الملايين من الدولارات، وواصلت المملكة إرسال المال حتى بعد الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي والبنتاغون. ووزارة الخارجية لم تحتج، لذلك لا ينبغي أن اتفاجأ يتنازل الولايات المتحدة عن مقابلات التأشيرة خلال 11 سبتمبر 2001. أنت تريد أن تزور الـ ” U.S.A.”؟ اذن اترك لنا “البطاقة البريدية” وستصل إلى هناك!.

السوبر سفير بندر بن سلطان

أخذت الـ CIA زمام المبادرة في رقصة “الفالس” وهذا ليس غريبا على سياسة واشنطن، حيث قررت وكالة الاستخبارات المركزية أن الرهان الأكثر أمانا هو تجاهل المملكة العربية السعودية من خلال التظاهر بذكاء انها مشكلة داخلية في الولايات المتحدة، وبالتالي تقع شؤونها في نطاق النظام الأساسي لا في نطاق ولايتها.

اكتشف مدراء “السي آي إيه” منذ فترة طويلة ان باب المكتب البيضاوي مفتوح دائما أمام السفير السعودي بندر بن سلطان وليس لهم. بينما جواسيس البلاد ينتظرون لعدة أشهر لاجراء مقابلة شخصية مع الرئيس، كل ما كان يقوم به بندر لمقابلة الرئيس هو تقديم طلب سريع. وعلى سبيل المزاح كان مدراء العمليات خلال سنوات كلينتون يقولون إن قدوم بندر مع السيجار الكوبي المفضل للرئيس، يؤكد ضمان دعوته لزيارة المكتب البيضاوي مرة أخرى.

بعد سنوات، ، كان جيم وولسيمدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد كلينتون ، كان واحدا من عدد قليل من مدراء CIA الذين خرجوا لقول الحقيقة حول المملكة.

بندر ليس شخصا يمكن المزاح معه، حتى من قبل مدير الـ CIA، وإذا اشتبه بندر بأن مدير وكالة الاستخبارات المركزية يمس نفوذ المملكة بأي شكل من الأشكال، فإنه يشكوه إلى رئيس الجمهورية، ثم يحظى بمساندة مجموعة مسعورة من اللوبيات المعروفة على الوكالة.

دعنا نقول ان احد الضباط في برلين قرر “اللعب” مع دبلوماسي سعودي، أو محاولة تجنيده للتجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية. عميل سعودي لوكالة الاستخبارات يعني أن بإمكانه إخباره عن المهمات التي تقوم بها السفارة في برلين، وربما عن تورطها في تمويل الخلايا الارهابية في هامبورغ. واذا افترضنا ان السعودي لم يجند واخبر الرياض. فستسمع هاتف الرئيس يرن وصراخ بندر يضج، ومن ثم تبدأ “اللوبيات” بالضغط من جديد على الرئيس “نحن حقا يجب ان نبقي اعيننا على الـ “cowboys” في لانغلي ( مقر وكالة الاستخبارات الأميركية ).

مدراء وكالة الاستخبارات المركزية يتجنبون كتابة التقديرات الاستخباراتية الوطنية الخاصة بالمملكة العربية السعودية. لأنهم يعرفون ان التقييم مأخوذ من مجتمع الاستخبارات ككل، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية، وكالة الاستخبارات الدفاعية، وغيرها – وغالبا ما تجد تلك التقييمات طريقها إلى الصفحات الأولى من صحف الولايات المتحدة ومن هناك إلى صينية الفطور الخاصة ببندر، بجانب الكرواسون الطازج، وكوب الشاي الـ “ايرل غراي”. ويعرف المدراء أيضا ان الرئيس يكره قراءة أخبار سيئة عن المملكة، على الرغم من انه ليس صديقا جيدا لـ “آل سعود”. لذلك تعامل وكالة المخابرات المركزية المملكة العربية السعودية على انها مشكلة داخلية.

اذن ماذا لدى السعوديين على الرئيس ووزارة الخارجية؟ سأبدأ بالقول أنا لا أؤمن بالمؤامرات، وأنا لا أعتقد ان واشنطن قادرة على الحفاظ على السرية. انه شيء أكثر مكرا وغدرا. هذا ما أسميه “القبول بالصمت” أو “آداب الصمت” كما يفضل القول “الدبلوماسيون المتواجدون في الرياض” الذين اختاروا غض الطرف عن انحلال المملكة وهنا يبدأ كل شيء مع المال. “جزيره العرب” لديها الكثير من المال والكثير من النفط. وأثبتت هذه البلاد أيضا مرارا وتكرارا بأنها على استعداد لصرفه، وكذلك فتح حنفيات النفط في أي وقت. لا أحد يريد أن يسمع، ولا أن يفعل شيئا حيال ذلك. الناس فقط على استعداد لقول الحقيقة على هامش السياسة.

المال السعودي يشتري المواقف

عدنان الخاشقجي هو أشبه بالجوكر السعودي الماكر: ففي بعض الأحيان يظهر كرأسمالي مغامر أو وسيط في بيع الأسلحة، غني يبعث على السخرية. في احد الأيام اتهم خاشقجي في الصحف بحصوله على 64 مليون دولار في شكل قروض غير قانونية من بنك بانكوك للتجارة المنهار.

في اليوم التالي أصبح من أعمدة المجتمع في نيويورك، وكان يحضر التجمعات الخيرية في هامبتونز للتبرع بالملايين لمساعدة المزارعين الأميركيين. نجل الطبيب الشخصي لابن سعود، الذي أسس المملكة العربية السعودية في العام 1932، اعتبر بحلول منتصف السبعينيات وسيطا في 80% من صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. من شركة لوكهيد وحدها، حصل على 106 ملايين دولار بين 1970-1975.

قال مسؤولون في لجنة فرعية لمجلس الشيوخ تبحث في المدفوعات الخارجية للشركات الأميركية أن نورثروب منحت الخاشقجي 450.000 $ لرشوة جنرالات سعوديين لشراء منتجات الشركة – هذا الادعاء لم يمنع إدارة الرئيس ريغان من استخدام الخاشقجي كوسيط خاص بها خلال الفشل الذريع في صفقة “إيران كونترا“.

قام الخاشقجي في السبعينيات بدفع الكثير من المال وذلك ما يعادل 600.000 دولار إلى ثلاثة أشخاص مهمين في (فيلادلفيا) في حرم الجامعة (سواثمور وهارفورد وبرين ماور) – لتأسيس مركز دراسات شرق أوسطية يمكن أن يساعد على ترويج التفهم والتعاطف مع وجهة النظر العربية، لكن تلك الخطة انهارت بعد فضيحة رشاوى شركة (نورثروب، إن ميل) وليظهر الخاشقجي نفسه بأنه متحضر وذو تعليم عالٍ، في عام 1984 دفع منحه مالية مقدارها خمسة ملايين دولار كهدية للجامعة الأمريكية في واشنطن على منتصف الطريق إلى البيت الأبيض والجامعة قررت أن تمنح الخاشقجي مرتبة الشرف لتقديمه المال، بإطلاق اسمه على المراكز الرياضية الجديدة وكذلك المجمع الكنسي بعده، ولكن الذين كلفوا بتصفية ممتلكاته غيروا آراءهم في أعقاب السماع بفضيحة إيران غيت.

بحلول كانون الثاني من العام 1978 عندما نشرت صحيفة التايمز صورة الخاشقجي على غلافها كنموذج لداهية عالمي جديد، كان حينها في (ماربيا) – المنتجع الدافيء في (ريفيرا) الإسبانية، حيث يملك أراض تقدر مساحتها بخمسة آلاف دونم.

كانت للخاشقجي عناوين أخرى في (باريس، كان، مدريد، جزر الكناري، روما، بيروت، الرياض، جدة، مونتي كارلو) ومزرعة لتربية المواشي مساحتها (180.000) دونم في (كينيا) ، وبيت مساحته (30.000) قدم مربع في الجادة الخامسة في (نيويورك) مع بركة سباحة ترى من قمة كاتدرائية القديس (باتريك)، كان الخاشقجي يفضل العيش على يخته نبيلة والبالغ مساحته 282 قدماً، وهو نفس اليخت الذي استخدم في أحد أفلام (جيمس بوند) حيث يستطيع أن يستريح على سرير يبلغ عرضه عشرة أقدام تحت غطاء من جلد السمور الروسي ثمنه (200.000) دولار وكذلك تجد على متنه طائرتين للنقل واثنتي عشرة سيارة مرسيدس ، وقدرت صحيفة التايمز تكلفة حياة الخاشقجي بحوالي 250.000 دولار يومياً في بداية عام 1987 بما في ذلك الخدم أو أكثر بقليل من 91 مليون في السنة، وهي ربع الميزانية السنوية (لهاييتي) ذلك البلد الذي يضم سبعة ملايين شخص.

في ماربيا مخزن صغير مخصص لبيع الملابس السعودية ويعرض أكثر من ألف بدلة صنع يدوي، أنيقة لمساء ومكوية محفوظة ببلاستيك، وهي جاهزة لنقلها لأي شاطئ ذهبي، حيث أصحابها يمكن أن يستجموا لعدة ليال أو أكثر.

لا يوجد شخص عاقل يمكن أن يتجاهل هذا الاختلاف بالنسبة لنا نحن الأمريكيين: نحن جميعاً ننمو مع قصص تتحدث عن شيوخ عرب أثرياء بشكل خرافي وعن وزرائهم وقد بدأ فهم الاختلاف عندما بدأ ينهال المال على (واشنطن) أو على الأصح سان كليمنت في أواخر عام 1986.

بعد أن وصل (ريتشارد نكسون) إلى البيت الأبيض، طار الخاشقجي إلى واشنطن ليكون من أول المهنئين بانتخاب الرئيس، لم ينس أن يقدم تحيات وزير الداخلية الأمير فهد الذي أرسله إلى (سان كليمنت) وهو الملك المصاب بالشلل الدماغي، (وقت طباعة الكتاب) والجدير ذكره عندما هم الخاشقجي بالذهاب فقد “نسي” حقيبته التي كانت تحتوي على مليون دولار من فئة المئة، ولكن لم يهتم بذلك، وعاد الخاشقجي إلى الفندق الذي كان ينزل فيه ينتظر مكالمة هاتفية إلا أن الهاتف لم يرن، وبعد يومين عرف الخاشقجي بالخدعة: إن من يظن أن واشنطن للبيع يكون مخطئاً، كالخطيئة الأولى التي غيرت كل شيء في الحياة، قدم الخاشقجي الكثير من الرشاوى في حياته، وهو نفسه أي الخاشقجي لم يعد يتذكرها، وقد علمت بالقصة من مصدر كان متورطاً معه بشكل مباشر وعرف التورط على أنه أنباء سارة في قصور الرياض وجدة، وبسبب تلك القصة والكثير من أمثالها يعتقد السعوديون بأن واشنطن لا تختلف عن الرباط، باريس، لندن أو أي عاصمة لها بصمتها ودورها وإذا كان أي شخص عنده شكوك في ذلك فإن أول زائر إلى البيت الأبيض كان فهد الذي أنزله نيكسون في بيت (بلير) مع العلم بأن الزوار الرسميين للبيت الأبيض قد يحجز لهم كرؤوساء دول ما عدا فهد الذي نزل في بيت بلير، كل ذلك كان من أجل المال.

بعد خمس سنوات عندما أرسل وزير الخزانة في عهد نكسون، وليم سايمون إلى الرياض آملاً أن يبيع الأسلحة والعتاد إلى المملكة بطريقة جديدة لغسيل أموال البترول، أعطي توجيهاً عن النقاط التي يجب بحثها في المحادثات مثل الباعة الذين يصنعون أشياء صغيرة: (إن الاستثمار مع وزارة الخزانة الأمريكية يمكن أن يعطي فرصة مناسبة) وحماية من تحركات معاكسة وذلك لمواجهة من يستثمر بمال كثير،إن الفكرة كانت تهدف لدفع السعوديين إلى تقديم العون لسد عجز الميزانية الأمريكية ولتشجيعهم ليصبحوا مقرضين للخزينة الأميركية.

تلقى السعوديون الطعم وابتلعوه بسعادة، وعلى الفور قام وليام سيمون ووزير الخارجية هنري كيسنجر بطبخ خطة أخرى: وهي (اللجنة السعودية الأمريكية المشتركة للتعاون الاقتصادي) التي ستنشئ بنية تحتية للمملكة العربية السعودية الجديدة ووضعت اللجنة أنموذجاً اقتصادياً على نمط الولايات المتحدة، وتخطى السعوديون تلك اللجنة أيضا، وعملت اللجنة بعد نفاذ الخطة وكانت تعتبر السعودية وفق المنظور الأمريكي دولة مستبدة ودينية تسلب حقوق الملكية أو الحقوق الفردية، لكن الشيء الوحيد المهم هو دفع السعوديين لتكاليف كل شيء من أجور أمريكية وأجور سعودية وتكاليف المعيشة بالنسبة لعمال اللجنة الأمريكية المفضلة لدى المملكة المقيمة في ملعب الرمي بكامله، وإيداع أكثر من مليار دولار في الخزانة الأمريكية.

تعرف واشنطن قيمة المال السريع عندما تحصل عليه لكنها لم تر أي شيء من هذا أبدا، كانت النتيجة لا أمل في السعودية ولم يمضِ وقت طويل حتى وزع السعوديون المال في كل مكان مثل مشروع استصلاح الحقول القاحلة.

وضع البيت الأبيض يده على أموال تمويل المشاريع المحلية التي لم يمولها الكونغرس أو لا يستطيع تمويلها سواء من الحرب على أفغانستان أو الحرب في نياكاراغوا، وتم تمويل مركز أبحاث في واشنطن وكان من المفترض أن يكون معهد الشرق الأوسط جزءا منها ومركز البحر الأبيض الأوسط، وقد استحوذ على المال السعودي في دهاليز واشنطن في أروقة اللوبي والشركات الكبرى والمحامين الذين كانوا جزءا من العملية، وذلك ما مكنهم من إنشاء أسواقهم المالية الخيرية وإنشاء بعض المراكز الأخرى مثل مركز جون كنيدي للفنون التشكيلية والمركز الطبي الوطني للأطفال وتمويل كل مكتبة رئاسية في السنوات الثلاثين المنصرمة، وكذلك أنفق السعوديون ربع مليون دولار في عيادة الألعاب الشتوية للمحاربين القدماء الأمريكان ورابطتهم.

المال السعودي والبيرقراطية الأميركية

تغلغل المال السعودي في البيروقراطية الأميركية، ففي كل مكتب سياسي أو تجاري في واشنطن يتمتع بقليل من الذكاء كان هناك من عليه البقاء إلى جانب السعودية من أجل التوصل إلى تحقيق أهدافه من خلال التمويل السعودي، فقد يستطيع الحصول على عقد استشاري مع أرامكو أو مقعد في الجامعة الأمريكية أو عمل عادي ولا يهم أيضاً أن يكون هناك وزير خارجية أمريكي سابق يصارع الموت من أجل الشرق الأدنى، أو مدير للـ CIA أو واحد من طاقم البيت الأبيض أو عضو في الكونغرس الم يكن قد شبع من قبض الأموال السعودية بطريقة أو بأخرى، وكان يبدو لنا أحيانا أن ما يحصل شكل من أشكال الابتزاز للمال المنتظر أن يسلب. وبالطبع لم يكن لدى مكاتب السياسة الأمريكية ركيزة أساسية للنجاح في السعودية.

إن الطريقة التي أنظر من خلالها إلى الأشياء ترقى بشكل غير مباشر إلى الضرائب الزائدة النظامية على الأمريكيين، فالسعودية ترفع سعر البنزين ومن ثم تخصص الجزء الأكبر من الأموال الضريبية لتذهب إلى مشاريع البيت الأبيض الداخلية وبعضها يذهب إلى جيوب السياسيين والبيروقراطيين الذين أبقوا أفواههم مغلقة بخصوص السياسات السعودية. الكثير من الأموال من أجل المحافظة على الصناعة الدفاعية المخصصة للأوقات العصيبة. فوق كل هذا فالسعوديون من أكبر المحبين لحكام البيت الأبيض.

ترغب واشنطن دوماً بأن تصف ما يحدث عن طريق مصطلحات اقتصادية معتدلة وغير عدائية (مثل تدوير أموال البترول) ولكن من الواضح أن التأثير القديم هو المسيطر.وبالمناسبة، إن الضرائب السعودية هي أكثر من كافية مقارنة مع خدمات الضرائب الأمريكية.

فالسعوديون يقومون بجمعها وإنفاقها مع المحافظة على المكاتب السياسية الأمريكية بعيدا عن هذه الضرائب، وليس على مكتب المحاسبة العام ومكتب الإدارة والميزانية إلا أن يطلب حسابات غير محددة لكل ذلك المال.ولم تعد السعودية كما كانت هي عليه في السبعينيات وأوائل الثمانينيات منجما للذهب عندما كانت تمتلك أموالاً أكثر من الرمال.

في ذلك الحين كانت تحويلات مالية ضخمة تضخ من السعودية إلى أمريكا ولم تدخل في حسابات الميزانية السعودية، وكل ذلك تغير، فمنذ حرب الخليج الأولى تم استهلاك أموال السعوديين ومنذ ذلك الحين تعيش السعودية على القروض واستجداء الأموال.وتعرف الرياض مسبقا أنها لن تعود إلى ما كانت عليه ولن تستطيع الخروج من موازنة مكتب خدمات الضرائب الأمريكية، فالتخلي عن واشنطن يعد أمراً خطيراً لا يمكن قبوله.

وفيما يلي مثال على ذلك : خلال التسعينيات كان الأمريكيون والأوروبيون يدفعون ثمنا مقابلاً للنفط أقل من الآسيويين بمعدل دولار واحد للبرميل.وفي عام 2001 تدهورت الأسعار بشكل حاد، وهذا ما يشكل حسماً بقيمة (2.8) مليار دولار سنوياً مقارنة مع الأسواق الآسيوية على الأقل. وفي أيلول 2001 وعلى صدى هجمات 11 أيلول ارتفع سعر البرميل وتراوح بين الأسواق الأمريكية والآسيوية إلى ما يقارب 9.66 دولار.

محللون نفطيون تحدثت إليهم، أنكروا أن يكون لدى السعودية في مكان ما برنامج لبيع النفط بسعر منخفض للولايات المتحدة. أسواق النفط معقدة جدا، أخبروني بذلك، وهناك أسباب تسويقية منطقية تجعل آسيا من وقت لآخر تدفع أكثر من أجل النفط السعودي.

الآسيان على سبيل المثال، ترغب كخطوة أولى بالدفع من أجل تأمين مصادر نفطها حتى أنها تشتري بعقود ذات أسعار عالية عندما تكون السوق متقلبة. إضافة إلى اعتبارات أخرى مثل تكاليف النقل وبنى السوق المتغيرة.

حقيقةً إن آسيا لا تنتج النفط تقريباً وحقيقة أن السعودية هي مستثمرة في المنتجات الأمريكية، فهذه العوامل كلها كما أخبرني المحللون النفطيون هي التي تم أخذها في الاعتبار في فروقات الأسعار بين الأسواق الآسيوية والغربية في أيلول عام 2001.أحد المحللين أخبرني (ببساطة آسيا تدفع ضريبة على نفطها. ولا يوجد أي تخفيض في السعر على النفط الذي صدر إلى أمريكا) وهكذا فإن السعودية أضاعت فرصا كثيرة لجني أرباح عظيمة في الأسواق، كما حدث بعد أحداث 11 أيلول.

لو أن السعوديين سحبوا القليل من نفطهم من السوق ظهيرة الحادي عشر من أيلول بدلاً من ضخه أكثر، لكانت المملكة حصلت على الملايين من خلال ابتزاز الأمريكيين، نفس الأمر حدث في عام 1990 عندما بدأت السعودية وحلفاؤها في الخليج ضخ النفط لسد نقص خمسة ملايين برميل يوميا فقدت من أرقام الصادرات النفطية لكل من العراق والكويت.

لو أنهم أرادوا أن يصل سعر برميل النفط إلى مائة دولار لحصلوا على الكثير من الأموال من عاصفة الصحراء بدلا من وقوعهم في عجز مالي، وسبب أن السعودية أضاعت أرباحاً ضخمة من خلال مبيعاتها النفطية هو أن السعودية لا تريد من الولايات المتحدة أن تنسى من هو ممولها الأساسي بالنفط، ولم تكتف فقط بدفع الكثير للحصول على هذا القدر بل صمت آذانها عن الشكاوى الآسيوية الحادة وكما كتبت فروسيا لديها خطط لإنشاء أنابيب نفط في الشرق عبر سيبيريا وهي ستجعل السعودية يوما ما تفقد أسواقها الآسيوية والمقولة التالية هي أن ما يهم السعودية هو نقل رسالة إلى واشنطن مفادها أنه لا مبرر للقلق.

الإعانات النفطية السعودية لا تنزل على واشنطن كالسحر، أو “كنيزك خيري”. فالمشهد التجاري ممتلئ بمثل هذه الصفقات، وحتى الأعمال الإرهابية لا تحتاج الدخول في تلك الأعمال. في العام 1997، قامت شركة أرامكو السعودية بالإعداد لمشروع مشترك مع شركة تكساكو، وانضمت إليها في وقت لاحق شركة شل للبترول، لتكريرحوالي ثمانمائة ألف برميل من الخام السعودي في اليوم.

وفي العام 1998 اتحدت الشركات الثلاث لتشكيل شركة “موتيفا”، وهي واحدة من أكبر شركات تكرير النفط وشركات التسويق في الولايات المتحدة، ودخلت AT & T في اللعبة بعقد بـ 4 مليارات دولار لتوسيع شبكة الاتصالات السعودية. ورسا عقد يوليو 2001 بقيمة 240 مليون دولار على “لوسنت تكنولوجيز”، لتحسين خدمة الهاتف المحمول –ولوسنت هي نجمة التكنولوجيا العالية في سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة.

في مايو 2001، وافق المجلس الاقتصادي الأعلى السعودي على العقود طويلة الأجل مع شركات النفط الأميركية بقيمة “عشرات المليارات من الدولارات”، لتحلية المياه ولتقوية محطات توليد الطاقة وتطوير موارد الغاز الطبيعي في المملكة، وذلك كله وفقا للسعوديين. وقبل ذلك ببضعة أشهر، أصدرت الهيئة العامة للاستثمار في المملكة ترخيصا لمجموعة من المقاولين الأميركيين لبناء ثلاثة آلاف مدرسة جديدة في المملكة، بتكلفة قدرها 3.5 مليار دولار. الله وحده يعلم من أين سيأتي السعوديون بكل هذا المال، ولكن يبدو أن أحدا عبر المحيط الأطلسي لم يكلف نفسه عناء التفكير في ذلك. والنقطة الرئيسية هي انه لا يمكن القيام بذلك بدون الإصلاح السعودي.

المسألة ليست بقوارب المال السعودية التي تنفق في الولايات المتحدة. فإنفاق المال هو جزء من الصفقة من البداية: الولايات المتحدة تشتري النفط من آل سعود، وتوفر لهم الحماية والأمن، وبدورهم السعوديون يشترون الاسلحة، وخدمات البناء، وأنظمة الاتصالات، ومنصات الحفر من الولايات المتحدة، إعادة التدوير هذه تحكم فقط من خلال الأرقام، وقد نمت التجارة البينية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من 56.2 مليون $ في العام 1950 إلى 19.3 مليار دولار في العام 2000.

المال يدفعبغض النظر عن سؤال كم لديك لتصرف وما يجعل المال السعودي فعالا جدا هو أنه مستهدف جيدا، وفي واشنطن، السعوديون مقيدون بثقافة معينة تدفعهم للقيام تقريبا بأي شيء للحصول على ما يريدون. ونسمي ذلك “الصدفة الشعرية“.

بينما كانت مجموعة كارليل تستعد للدخول في مؤتمر المستثمرين السنوي في فندق ريتز كارلتون في 11 سبتمبر 2001 في واشنطن، ضربت طائرة “الاميركان ايرلاينز الرحلة 77” في مبنى البنتاغون، على بعد ميلين ونصف فقط إلى الجنوب. ولو ضربت الرحلة رقم 93 ليونايتد ايرلاينز البيت الأبيض، -هدفها المفترض- لكان الحضور في مجموعة كارليل، شعروا بالصدمة على الرغم من أنهم لا يدركون تلك المشاعر عادة.

سيناريو يوم القيامة

وقفت سيارة الفورد البيضاء التي تقلني بجانب البرج رقم “7” الذي يعتبر واحدا من أهم عشرة مبان في “بقيق”، ويستخدم لإزالة الكبريت من البترول، أو تحويله من “الحامض” إلى “الحلو”، وفقا للمصطلحات النفطية.

إلى الشرق، ترى عبر الصحراء السعودية، -حيث تلوح الشمس صباحا في الأفق- يقف سائق الشاحنة، وهو واحد من آلاف المسلمين الشيعة الذين يعملون في حقول النفط السعودية، أطفأ المحرك، وبدأ يتفقد ساعته للمرة الأخيرة، وقام بتلاوة آيات من القرآن الكريم، التي حفظها منذ فترة طويلة، وأضواء أكبر منشأة لاستخراج ومعالجة النفط في العالم تتلألأ من حوله.

في غرب “بقيق” ترى في سفوح جبال الرماح الجاثمة في قلب المنطقة البدوية، سعودي وهابي، من المتعصبين الدينيين الذين حملوا آل سعود إلى السلطة، تم تدريبه في أفغانستان من قبل رجل كان يدرس لدى وكالة الاستخبارات المركزية. وفي سفوح الجبل، تقبع مضخة هي أول محطة في خط أنابيب النفط تنتج ما يقرب من مليون برميل يوميا من الخام من “بقيق” عبر شبه الجزيرة إلى البحر الأحمر والميناء البحري في “ينبع“.

آل سعود” في تراجع كبير فالنفط الذي يغذي رغباتهم وشهواتهم لم يعد منتجا مثل السابق، بوجود الشيطان الأميركي والحماية الإسرائيلية له. العالم يجب أن ينتبه أن الاقتصاد ينهار.

أنا بحثت في التفاصيل وتحدثت عنها، ولكن لم اخترع أي شيء، إنها دراسات لمتخصصين في صناعة النفط السعودي. ففي الفترة الممتدة من 1930 إلى العام 1960 كانت المملكة العربية السعودية مكتبا فرعيا “للعملاق الأميركي” – وفق الخيال الجمهوري. وظلت الولايات المتحدة تشعر بالأمان باعتبار أن النفط السعودي سيكون لها دائما ، وهو تحت الرمال، وبالرخص عينه، كما لو كانت وجدته في فورت نوكس. بهذه الذهنية قمنا ببناء قطاع النفط في المملكة العربية السعودية، وبجهودنا، حصلنا على حق الوصول الكامل وبسهولة لنفطها الخام.

1973 بداية الذعر الأميركي

خلال أزمة النفط في العام 1973 فقدت تلك الزهرة عبيرها، وتحول القلق إلى ذعر وفي وقت مبكر من العام 1980 خلال الحرب بين إيران والعراق، وخصوصا عندما بدا وكأن إيران ستنقل الحرب إلى الجانب العربي من الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

هذا الكابوس أدى إلى انخفاض في معدل نمو الاقتصاد في العالم، وباشر خبراء الكوارث داخل الحكومة الأميركية وخارجها توجيه أسئلة مقلقة. ما هي النقاط النفطية والبنية التحتية في السعودية الأكثر عرضة للهجوم الإرهابي؟ وماذا يعني هذا الاحتمال؟ ما أنواع التعطيل القصيرة والطويلة المدى لتدفق النفط؟ وما هي العواقب الاقتصادية؟.

خلص مخططو الكوارث إلى أن المجمع الخام في “بقيق” هو النقطة الأكثر ضعفا في النظام النفطي السعودي والهدف الأكثر جذبا. مع سبعة ملايين برميل تنتج يوميا في “بقيق” يعتبر هذا الموقع “غودزيلا” المرافق النفطية.

عموما، رأى الباحثون أن أي هجوم على “بقيق”، قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في صهاريج التخزين والأجسام شبه الكروية الكبيرة المستخدمة للحد من الضغط على النفط خلال عملية التكرير، وإلى أضرار متوسطة على الأبراج حيث تتم إزالة النفط من الكبريت.

إعادة تشغيل تلك الأجسام الشبه كروية لا تتطلب أكثر من تركيب سلسلة من الصمامات المؤقتة، لتحل في نهاية المطاف بشكل دائم. وصهاريج التخزين لن تكون جزءا كبيرا من المشكلة، وهناك عدد قليل من الإصلاحات هنا وهناك، وسيكون لديها القدرة على العودة للإنتاج الكامل في وقت من الأوقات. استقرار الأبراج قصة أخرى. فالكبريت والنفط يسيران جنبا إلى جنب، العمليات نفسها تستمر وحتى إزالة الكبريت، البترول لا طائل منه، ولنقله من دولة إلى أخرى – ومن حامض إلى حلو – البترول يمر بعملية تعرف باسم “السلفرة الهيدروجينية“.

في “بقيق”، تجري السلفرة الهيدروجينية في عشرة أبراج اسطوانية طويلة. داخل الأبراج، يتم إدخال الهيدروجين في الزيت بكميات كافية لتحويل الكبريت إلى غاز كبريتيد الهيدروجين، الذي يرتفع بعد ذلك إلى الجزء العلوي من الهيكل، حيث الحصاد ويصبح في مرحلة مؤذية، الكبريت آمن بيئيا، وقابل للاستخدام. لكن كبريتيد الهيدروجين هو غاز غير متواجد ومستهلك يوميا. وهو مألوف لطلاب المدرسة الثانوية الذين يدرسون الكيمياء وأما الغاز الأبيض الفاسد، فهو ضار للغاية ويحتمل أن يكون قاتلا للبشر. طالما أن استقرار الأبراج يقتصر على الغاز فإن كل شيء جيد.

في الغلاف الجوي، كبريتيد الهيدروجين يتفاعل مع الرطوبة لخلق حمض ثاني أكسيد الكبريت. وعندما يتشكل فإن الأسيد يتجمع بسرعة في الأنابيب المحيطة به، صمام التجهيزات، والروابط، ومحطات الضخ، وصناديق التحكم، تبدأ بالانتشار كالنمل الأبيض. والإصدار الأولي لكبريتيد الهيدروجين تكون له آثار أكثر خطورة بسبب تأثيره على البشر.

الوكالة الاتحادية للمواد السامة وتسجيل الأمراض (ATSDR)، والوكالة التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض، صنفت كبريتيد الهيدروجين باعتباره broad spectrum poison – – أي أنه سم يهاجم أنظمة متعددة في الجسم.

“استنشاق كمية كبيرة من مادة كبريتيد الهيدروجين تسبب الوفاة في غضون بضعة دقائق، تقارير ” ATSDR” تؤكد انه “يمكن أن يكون هناك فقدان للوعي بعد نفس أو أكثر” ويتسبب في تهيج العين، والتهاب الحلق والسعال، وضيق في التنفس، وتجمع السوائل في الرئتين. هذه الأعراض عادة ما تذهب بعيدا في غضون بضعة أسابيع. على المدى الطويل، قد يؤدي التعرض لمستوى محدد من الاستنشاق “إلى التعب، وفقدان الشهية، والصداع، والتهيج، وضعف الذاكرة، والدوار “.

إدارة السلامة والصحة (OSHA) –جناح الولايات المتحدة- ووزارة العمل ركزا على سقف مقبول وهو عشرين جزءا في المليون من كبريتيد الهيدروجين في مكان العمل، مع أقصى مستوى من خمسين جزء في المليون لمدة عشر دقائق “إذا لم يحدث التعرض لأي مقياس آخر”. وأوصى المعهد الوطني للسلامة المهنية بمستوى التعرض بحد أقصى عشر جزء في المليون.

أي هجوم متوسط القوة وناجح على منشأة “بقيق” يسمح بتسريب سبع مئة جزء في المليون من مادة كبريتيد الهيدروجين في الغلاف الجوي. قوته سوف تتبدد، ولكن ليس بسرعة كافية لمنع وفاة العاملين في الجوار المباشر واو وقوع إصابات خطيرة للآخرين في المنطقة – أو لوقف كبريت ثاني أكسيد الكربون من التسرب إلى قلب البنية التحتية النفطية السعودية. كما من شأنه ردع عملية الإصلاح وعرقلتها لمدة أشهر.

الهجوم المتوسط على “بقيق” سيبطئ إنتاج 6.8 مليون برميل يوميا أي ما يعادل حوالي ثلث الاستهلاك اليومي لأميركا من النفط الخام، وبعد سبعة أشهر من الهجوم، انتاج “بقيق” سوف يعود بنسبة 40 %، أي بقدر 4 ملايين برميل اقل من العادة – ما يعادل تقريبا ما ينتجه جميع شركاء أوبك خلال حصار العام 1973.

سيناريو “بقيق واحد من العديد من السيناريوهات التي وضعها مخططو الكوارث في عهد ريغان، لأن نظام النفط في المملكة العربية السعودية غني ومستهدف. أي نفط يعتمد نظام الاستخراج، والإنتاج، والتسليم بمعظمه مهدد “بهيكله الخارجي”.

أضف إلى ذلك تضاريس شرق المملكة العربية السعودية، حيث تقع حقول النفط الهائلة – والرمال التي تتخللها الكثبان المتنقلة، و التي تنزلق نحو الخليج الفارسي- وشكل ذلك أسوأ كابوس للأمن القومي. انخفاض البنية التحتية للنفط السعودي يشبه وضع بعض الأسماك في برميل لصيدها. إنها ليست مسألة فرص، بل هي مسألة الرجال الأقوياء وماذا لديهم للعمل به؟.

المملكة العربية السعودية لديها أكثر من ثمانين حقل نفط وغاز في حالة نشاط، وأكثر من ألف بئر تعمل بشكل جيد، ولكن نصف احتياطياتها المؤكد يشكل 12.5 % من النفط العالمي وهو موجود في ثمانية حقول، بما في ذلك حقل الغوار، أكبر حقول النفط في العالم وبفارق شاسع عن الحقل الذي يليه.

العنصر الذي جعل “بيرل هاربور” هدفا جذابا في العام 1941 كان قوة النيران الأمريكية، الجوية والبحرية، المحصورة في مساحة صغيرة، فحتى لو أخطأت القنبلة اليابانية هدفها، فهي على الأرجح كانت ستجد شيئا يستحق التفجير. من الناحية التكتيكية، الملاعب السعودية تقدم نفس النوع من البيئة المستهدفة. ويخلص السيناريو الاول إلى أنه إذا سعى الإرهابيون إلى ضرب خمسة فقط من ابرز النقاط الحساسة في النظام النفطي للمملكة العربية السعودية، فذلك من شانه أن يعيد السعوديين عشرين سنة إلى الوراء.

بمجرد أنه خارج الأرض أو قاع البحر، النفط السعودي يتحرك في سبعة عشر ألف كيلو متر من الأنابيب: من المورد إلى المصفاة، ومن المصفاة إلى الموانئ البرية والبحرية، داخل المملكة وخارجها. الكثير من هذه الأنابيب هي فوق سطح الأرض، الجزء الموجود تحت الأرض يكمن في المتوسط ​​ثلاثة أرباع متر تحت سطح الأرض، وغالبا في الأراضي التي تحتلها القبائل البدوية، وتتحرك عليها الإبل، وشبكات اللاسلكي تحرس قسما من الأنابيب. لكن إذا رغب الإرهابيون في زيادة الضرر، كيس سماد ، ودلو من زيت الوقود، وعصا من الديناميت تكفي لإنذار خطير.

تحتفظ المملكة بمخزون ضخم من الأنابيب، الأمر الذي يجعل مخربا واحدا لا يشكل تهديدا بارزا ولكن، تعدد المخربين العاملين في نطاق واسع ولفترات متباعدة في جميع أنحاء الشبكة النفطية يجعلهم كالطاعون ويمكنهم من القيام بأعمال تدميرية.

النفط السعودي النموذجي ينتج أيضا نحو خمسة آلاف برميل يوميا من سيلان المادة اللزجة: الخليط غير الصالح للاستعمال من النفط، الغازات الذائبة والشوائب والكبريت، والمياه المالحة يتم ضخها في البئر لخلق ما يكفي من الضغط لإجبار المادة اللزجة على الخروج من الآبار، ويتم ضخ النفط إلى واحد من المحطات الخمس لفصل النفط عن الغاز الذي تحتفظ به أرامكو السعودية -شركة النفط الحكومية في المملكة العربية السعودية-. والأجسام شبه الكروية تضغط في عملية إطلاق الغازات الذائبة، وفي العملية الثانية تأخذ المياه الباردة.

من وجهة نظر أحد مهندسي النظام النفطي كل هذه الحركة، من الاستخراج الى عملية التكرير، هي عملية متصلة. الأبراج الثابتة حيث يتم تحييد الكبريت، والأجسام شبه الكروية، وحيث يتم تقليل الضغط وسحب الشوائب، وصهاريج التخزين وحيث يعقد النفط بين التجهيز والشحن تعتبر كاتدرائيات للعملية الصناعية. الإرهابيون والمخربون يميلون إلى النظر للعالم بشكل مختلف.

هناك أيضا عمليات التوزيع والتسليم، حيث ينقسم النظام النفطي السعودي بين المناطق المنتجة الشمالية والجنوبية. أما مراكز الشمال فهي تتغذى من عدة مواقع، ومن ثم يتم إيصال المخزون إلى واحدة من اثنتين من المحطات على طول الخليج – الجعيمة ورأس تنورة- ومن منصات التحميل البحرية والمراسي العائمة الموجودة في المياه العميقة.

يتم ضخ النفط المنتج في الجنوب إلى “بقيق”، أي حوالي أربعين كيلومتر داخل الطرف الشمالي لخليج البحرين، للتجهيز، ومن ثم ارساله الى “جعيمة أو رأس تنورة”، أو عبر طريق خط أنابيب بين الشرق والغرب على مدى 12 كلم عبر شبه الجزيرة العربية، من غرب المملكة -جزيره العرب إلى المحطة في ينبع على البحر الأحمر- (طريق آخر للخروج من بقيق،- 17 كيلومترا- خط أنابيب يمر عبر البلاد العربية ويمتد إلى صيدا، على ساحل البحر المتوسط ​​في لبنان). وخط أنابيب العراق السعودية، الذي اغلق في العام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت.

الجعيمة” هي النقطة الأكثر عرضة للهجوم وهي منصة القياس التي تقع 11 كلم من الشاطئ. أربعة خطوط أنابيب تحت الماء تغذي النفط الخام من منصة التخزين البرية. المنصة، بدورها، تغذي خمسة مراكز منفردة، وقادرة على نقل 2.5 مليون برميل من النفط يوميا للناقلات.

في اليوم العادي، يغادر نحو 4.3 مليون برميل من النفط المملكة العربية السعودية عبر محطة “الجعيمة”. اي ضربة قد تدمر المعدات على منصة القياس، وتلحق أضرارا كبيرة بنصف العوامات الموجودة على الشاطىء، وأضرار معتدلة على الخزان البري، وعلى قدرة التحميل في “الجعيمة” ويتحول الإنتاج من 4.3 مليون برميل الى ما بين 1.7 و 2.6 مليون برميل بعد شهرين…. وقد تحتاج إلى سبعة أشهر لتستعيد كامل قدرتها.

من شأن هجوم كوماندوز على متن قارب تحقيق تلك الغاية، تبقى المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية القاحلة واحدة من أكثر مواقع الملاحة خطورة على وجه الأرض، وهو المكان الذي تغرق فيه المدمرات الكبيرة بالاسمنت مثل “يو إس إس كول” وببضع مئات الكيلوغرامات من البلاستيك.

مضخات النفط في “رأس تنورة” أكثر بقليل من “الجعيمة” – فهي تصدر 4.5 مليون برميل يوميا وبشكل مستدام – وتقدم مجموعة متنوعة من الأهداف والمزيد من سبل الهجوم. منشاة البحر في جزيرة “رأس تنورة”، تمتد 1.5 كيلومترا إلى الشرق من الرصيف الشمالي في الخليج، وتعالج كل النفط المصدر من المحطة، المنصة الرابعة لديها المعدات الخاصة ومعدات القياس، على خلاف المواقع الأخرى كما هو الحال مع منصة القياس في “الجعيمة”، واي هجوم كوماندوز على المنصة الرابعة بقوارب سطحية أو غواصات سيكون مدمرا.

جزيرة البحر” تغذى بواسطة مجموعة معقدة من الخزانات وخطوط الأنابيب، ومضخات متصلة بأنبوب “الجعيمة” لزيادة المرونة. هذا المجمع البري معرض للهجوم الارهابي برا وجوا: “رأس تنورة” تقع حوالي مائة كيلومتر من الطرف الشمالي من قطر، مرتع الأصوليين الإسلاميين.

ينبع” التي تقع على البحر الأحمر، منيعة ضد اي هجوم، حيث خلص المهندسون إلى أنها تحتاج فقط الى نقل تسعمائة ألف برميل التي تضخها يوميا إلى محطة أخرى وذلك في حال حصول أي هجوم، وللقيام بذلك، يمكن ببساطة أخذ محطة الضخ الأقرب إلى بقيق…. لماذا؟ لأن المضخة تدفع النفط صعودا، وبدون مضخة يتدفق النفط في الاتجاه الخاطئ.

الانبوب القصير الممتد من “بقيق” الى محطات الخليج لا يخلو من الثغرات، وعند مفرق “القطيف” على بعد بضعة كيلومترات من الساحل الداخلي، يتشعب المجمع النفطي إلى “رأس تنورة” أو “جميعة” أو إلى خط الأنابيب العربي. وأي ضرر جسيم في المجمع قد يوقف مسار النفط لعدة أشهر. وخلافا للأنابيب الجاهزة القابلة للاستخدام التي تربط محطات ومرافق المعالجة، والفتحات وتقاطعات الأنابيب في القطيف فهي تحتاج إلى معالجات مخصصة لتحل محلها.

تقييم مخططي الكوارث، يقلل من خوف أسواق النفط العالمية، والسعوديون ليسوا الشعب الوحيد الذي يدرس الأضرار التي قد تلحق بسلسلة البترول السعودي – أو سلسلة المال العالمي – بحال هز استقرار أبراج “بقيق”، أو المنصة الرابعة في رأس تنورة، أو محطة خط أنابيب الضخ بين الشرق والغرب -احد القطع الصغيرة- (وخطف طائرة جامبو عبر انتحاري أثناء إقلاعها من دبي وسقوطها في قلب مدينة رأس تنورة)، ستكون كافية لضرب الاقتصادين الذين يعتمدان على النفط في العالم، وأميركا معهم جنبا إلى جنب. في الواقع، فإن مثل هذا الهجوم قد يكون أكثر ضررا من الناحية الاقتصادية من قنبلة نووية قذرة انطلقت من وسط مانهاتن أو على الجانب الآخر من البيت الأبيض في ساحة لافاييت.

المروجون لنفط “ألاسكا” و”خليج المكسيك” و”بحر قزوين” و “سيبيريا” يبدو ان صوتهم يدوي مثل الاسطوانة المشروخة، وذلك عندما يشيرون إلى أن الولايات المتحدة فطمت نفسها عن النفط السعودي، وهم يجادلون بأن المملكة العربية السعودية تمثل فقط حوالي 8% من استهلاك الولايات المتحدة للنفط الخام. ويقولون أيضا أن ثلاثة من أربع شركات رئيسية للنفط لديها أنشطة في نصف الكرة الغربي: كندا ، فنزويلا، والمكسيك. ونشير إلى أن المملكة العربية السعودية تقع على 25 % من الاحتياطيات المؤكدة في العالم، وكذلك فإن برميل النفط المستخرج لديها هو أرخص نفط في العالم. الأهم من ذلك، أن السعوديين يملكون نصف فائض الطاقة الإنتاجية في العالم – مليونان إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم .

إخراج الفائض السعودي من التداول، يعني إفقاد السوق استقراره وسيولته، قدرة الفائض على ملء السوق تحدد وجهة ومسار الأزمة. وبغض النظر عن البلد الذي سيشتري النفط الخاص بالمملكة العربية السعودية يحدد السعر العالمي حسب كمية النفط المختارة للإنتاج. كانت المملكة العربية السعودية قد خرقت حظر العام 1973 لشحونات أوبك ( ذلك لم يكن قبل أن تثري نفسها بعشرات المليارات من الدولارات)، واستخدمت السعودية مرة أخرى قدرة فائضها للحفاظ على تدفق النفط الى الغرب الصناعي. وخلال 1979-1980 كانت محطة “الجعيمة” على الخليج الفارسي تشحن حوالي تسعة ملايين برميل من النفط يوميا اي اكثر من انتاجها الطبيعي بمرتين والشيء عينه حدث خلال حرب الخليج العام 1990-1991 انتجت السعودية مدعومة من دول الخليج الأخرى، خمسة ملايين برميل إضافي يوميا، للتعويض عن خسارة النفط العراقي والكويتي دون استخدام الفائض، وبذلك كان من المرجح ان يرتفع سعر برميل النفط إلى أكثر من مائة دولار .

في 12 سبتمبر 2001، بعد أقل من 24 ساعة من الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون، اضافت السعودية تسعة ملايين برميل من النفط الى السوق، ذهبت بمعظمها الى الولايات المتحدة الاميركية. ونتيجة لذلك، بقيت أسعار النفط منخفضة، والتضخم الاميركي ارتفع هامشه على الرغم من الهجوم الإرهابي الأكثر تدميرا في تاريخ الولايات المتحدة، وان أخذنا نفس السيولة خارج اللعبة بعشرين رطلا من البلاستيك جميع الرهانات ستكون غير قبالة للعمل .

ولفتت دراسة اعدت في ديسمبر\ كانون الاول 2000 من قبل صندوق النقد الدولي الى تأثير ارتفاع خمس دولارات على كل برميل على سعر النفط، الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة الاميركية ومعظم الدول الأوروبية يتراجع 3% على أساس سنوي. الأسواق المالية قد تقع، ولكن ليس إلى أعماق كارثية. الأمم التي تصدر صافي انتاجها من النفط الخام تنمو فيها الثروة، وتلك التي تورد صافي انتاجها تنهار. الشرق الأقصى يعاني بشكل خاص لأنه ينتج نسبة قليلة جدا من النفط لنفسه.

ولكن كل ذلك كان محسوبا على ما كان يمكن أن يكون عليه الوضع بعد زيادة تقرب من 20 % على أسعار النفط الخام، عثرة خفيفة قد تؤدي الى كوارث اقتصادية. الهجوم الإرهابي على منشأة “بقيق” النفطية من شأنه أن يقلص نسبة 5.8 مليون برميل من النفط الخام يوميا من الأسواق العالمية، اضافة الى ثلاثة مليون برميل يوميا خرج من الإنتاج خلال الحظر النفطي لأوبك.

ماذا يخبرنا التاريخ عن آثار مثل هذه الخسارة؟ رأى الأميريكيون ان التضخم السنوي في خانة العشرات يمثل فقط عشرة أضعاف في القرن الماضي، وأربعة إذا ما استثنينا آثار الحربين العالميتين: في العام 1974، في أعقاب حظر أوبك، عندما ارتفع معدل التضخم إلى 11 % وفي 1979-1981، عندما بلغت نسبة التضخم 13.5%، وبحلول العام 1981 بيع سعر برميل النفط الخام بـ 53،39 $، والبنزين العادي كان يباع في محطات الخدمات في الولايات المتحدة لأكثر من 2 دولار للغالون.

حصار أوبك أدى إلى هبوط سوق الأسهم، وبتدني “ستاندرد آند بورز” إلى أدنى مستوياته في شهر سبتمبر عام 1974، وفقدان 47.7 % من السكان قيمة أسهمهم في واحد وعشرين شهرا، بالتساوي مع خسارة 47.8 في ثمانية وعشرين شهرا بدأت في مارس 2000. بين عامي 1980 و1982، ورفع المؤشر نسبة 27.1 % من قيمة الأسهم خلال الاضطرابات الايرانية والعراقية وقفز النفط إلى مستويات قياسية مذهلة.

أي أضرار جسيمة على تجهيزات مركز “بقيق” النفطية تكاد تكون تكرار لأرقام التضخم هذه وغرق مؤشرات الأسهم مرة أخرى.

هجوم منسق على “بقيق”، “رأس تنورة” “المنصة الرابعة”، أو على أنبوب ضخ النفط بين الشرق والغرب، أو أي مركز من المراكز العشر المحتملة، من شأنه أن يزيد أضعافا مضاعفة الآثار المترتبة على مرونة إمدادات النفط العالمية. المخزون الاستراتيجي الأميركي يساعد فقط في دعم الأسواق الدولية لعدة أشهر، إلا أن المصادر البديلة للنفط تتراجع بسرعة بعد ذلك، وسنكون في “الأراضي العذراء“.

ذلك بالضبط ما سيحدث لأسعار النفط.. لقد استطلعت بعض الاتصالات في صناعة النفط، ولكن أحدا لا يستطيع أن يأتي حتى برقم تقريبي. على ما يبدو، فان توقعات الاقتصاد القياسي الجيدة حول هذا السيناريو لا يمكن أن تحصل، رغم ذلك، في البداية يجب أن نحسب أن النفط قد يصل إلى 80 دولارا أو 90 دولارا للبرميل، على أساس العرض والطلب. ولكن هذا لا يؤثر في الهلع الذي قد يترتب على ذلك – والمضاربة الشرسة في عملية الشراء. الآن سعر مبيع النفط في طريقه إلى 100 دولار للبرميل، ولكن ماذا لو أن الفوضى في المملكة العربية السعودية انتشرت عبر الحدود الى غيرها من “المشيخات العربية” التي تملك مجتمعة 60 % من احتياطي النفط في العالم؟ اتصالاتي لم تلمس هذا التصور -أن نرى النفط يصل إلى 150 دولار- فهذه الحالة لن تستغرق وقتا طويلا لتؤدي إلى: الانهيار الاقتصادي، عدم الاستقرار السياسي العالمي، والكساد العظيم.

وبالمناسبة، أسامة بن لادن كانت لديه توقعات أكثر تواضعا وهي أن يصل النفط السعودي إلى 144 دولار للبرميل.إذا تصورنا أن الأسعار الحالية للنفط كانت قبل خمسين عاما أو نحو ذلك -أي عندما أصبح الغرب يعتمد على النفط العربي ستنقل الثروة بناء على وجود 76 تريليون دولار من الاقتصادات الصناعية إلى العالم الإسلامي، بحوالي 1.5 تريليون دولار سنويا.

لم تكن حتى العام 1985 ديون الولايات المتحدة المتراكمة قد تجاوزت 1.5 تريليون دولار، ولكن بحلول العام 1985، كانت ميزانية الولايات المتحدة قد وصلت إلى 1.5 تريليون دولار.

بالنسبة إلى مخططي الكوارث في حقبة ريغان، الذين قيموا ضعف البنية التحتية النفطية السعودية فان إيران تشكل تهديدا واضحا عليها. وبعد عقد من الزمن رياح الجغرافيا السياسية تحولت لتعيد المخاوف مجددا: الفوضى في العراق، على سبيل المثال، الممتدة عبر الحدود مع المملكة العربية السعودية، ورغم ذلك، التهديد الموجه لنفط المملكة العربية السعودية يأتي من خارج المملكة. وكانت المملكة العربية السعودية مرساة أميركا في الشرق الأوسط العربي. انها تخزن نفطنا تحت الرمال، وخسارتها ستكون مثل فقدان مجلس الاحتياطي الاتحادي. وحتى لو فعلتها السعودية وتحولت إلى قوة مناهضة للولايات المتحدة، فإنها لن توقف أبدا ضخ النفط، لأن ذلك سيؤدي إلى انتحارها.

ولكن كل ذلك كان قبل صباح يوم 11 سبتمبر 2001. قبل أن يقوم خمسة عشر سعوديا وأربعة مواطنين من جنسيات عربية أخرى بالاستيلاء على أربع طائرات تجارية وقيادتها بركابها نحو مباني في نيويورك وواشنطن والأراضي الزراعية من شانكسفيل بولاية بنسلفانيا، وقبل أن يصبح أسامة بن لادن الأكثر شعبية في تاريخ السعودية، قبل أن يصبح معروفا أن زوجة السفير السعودي في واشنطن كانت ترسل المال، إلى الخاطفين.

تغيرت المعادلات. وكشف تقرير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن المملكة العربية السعودية نقلت نصف مليار دولار لتنظيم القاعدة في السنوات العشر منذ العام 1992، الافتراضات القديمة هي خارج الجدول، والحقائق الجديدة ليست مطمئنة.

خمس أسر مفككة تمتلك نحو 60٪ من احتياطات النفط العالمي، ولكن آل سعود يملكون أكثر من سواهم : واحد من كل خمسة براميل تستهلك عالميا، هذه هي نقطة ارتكاز الاقتصاد العالمي. وفي الوقت نفسه، مساجد المملكة العربية السعودية تدعو لكراهية الغرب والعالم غير الإسلامي، وأصبحت مدارس الدين في المملكة مأوى للمتشددين الإسلاميين، وأرضا خصبة للإرهاب السني… بالي، كينيا، البوسنة، الشيشان، وغيرها كلها فيها مدارس تعود إلى الدولة السعودية.

ولخوفهم الشديد من أن المتعصبين سوف يأتون يوما ما إليهم، يقوم آل سعود بالإسراع في جرف المال من حساباتهم المصرفية السويسرية. أبدا لن ننسى أن آل سعود وقعوا الشيكات لإنشاء تلك المدارس.

إنهم يمولون الحركات الإسلامية المتشددة في منطقة الشرق الأوسط، أفريقيا، آسيا الوسطى، وآسيا لنفس السبب. هذه الرشاوى هي لصرف انتباه المسلمين عن أموال آل سعود المسروقة التي يجمعونها لليوم الذي سيفرون فيه من الصحراء إلى قصورهم على طول شاطئ الريفييرا، وشققهم المتوهجة في سماء ليل باريس، ولندن، ونيويورك.

هذا هو السبب في أن السيناريوهات الكارثية التي رسمت افتراضيا خلال سنوات ريغان لا تزال جوهرية، لهذا السبب نحن في الغرب وبالأخص في واشنطن لدينا مصلحة في زراعة “الفيروس” الذي أصاب المملكة العربية السعودية. وهذا هو السبب الذي يدفعنا إلى القول انه إذا لم يعالج ال سعود أنفسهم، فسيكون علينا النظر في الاستيلاء على حقول النفط .

إذا وصلنا لهذا الوضع من قد يفعل ذلك؟ فالمستقبل ليس مضمونا، الحديث السعودي عن إصلاحات ديمقراطية هو أكثر من غطاء. ربما حرب الولايات المتحدة على العراق قوضت كل الافتراضات القديمة مرة أخرى. فكل الرهانات تعتمد على الانتفاضة الجماعية للإسلام ضد الغرب الكافر ووكلائه. ولكن قضيت ما يكفي من السنوات في الشرق الأوسط لكي اعلم أنه في مكان مثل المملكة العربية السعودية الأشياء تتدفق بشكل طبيعي نحو مزيج قابل للاحتراق.

هناك بالفعل غضب شديد ضد الغرب وضد آل سعود. هناك اقتناع بأن مال النفط أفسد الأسرة الحاكمة، وبأن القادة السعوديين دنسوا بلدهم من خلال السماح للقوات الأميركية بالدخول إلى المملكة. التخلص من الوجود العسكري الأميركي قد يساعد، ولكن الغضب من العائلة الحاكمة أبعد من الوجود الأميركي. في الشارع، ينتقد آل سعود لفشلهم في حماية مواطنيهم المسلمين في فلسطين والعراق، ووقوفهم بلا حول ولا قوة أمام إذلال المسلمين. في بداية الألفية الجديدة، العديد من السعوديين يعتقدون أن بلادهم ستكون أفضل حالا وأكثر نقاء إذا عاد الجميع الى الصحراء وعاشوا على التمر وحليب الإبل.

في السنوات التي قضيتها اخدم بلدي كضابط في الـ CIA في أماكن مثل لبنان، السودان، شمال العراق، والولايات علمني مسلمو آسيا الوسطى شيئا آخر. شهدت المعاناة والمذابح البشرية التي تتواجد دائما بعد أن تضع أميركا رأسها في الرمال. المملكة العربية السعودية هي عبارة عن برميل بارود ينتظر الانفجار.

لمدة ربع قرن من الزمن، حاولت فهم الأسباب الجذرية للعنف في الشرق الأوسط. أنا لم أبدأ هذا البحث بعد 11 سبتمبر، ولم أفعل ذلك وعيني على المملكة العربية السعودية ونفطها الخام.

أردت أن أعرف المزيد حول الإخوان المسلمين: من هم، وكيف تعمل، لماذا الولايات المتحدة قد جعلتهم قضيتها المشتركة في الأماكن النائية واليمن وأفغانستان نظرت ووصلت إلى إجابات، أنا أدرك أن بحثي كان يقودني إلى طريقين – إلى الرياض وإلى واشنطن – وإلى النفط الذي يربطهما.

بالنسبة لي، هذه القضية تتناول ثلاثة أسئلة :

–         هل الوهابيون، والشيعة، والإخوان المسلمون، والجميع في جزيرة العرب الذين يريدون إسقاط آل سعود يشبكون أيديهم لحشد القوة الكافية للقيام بذلك؟ قد تبدو العملية سهلة، ولكن صدقوني، الأمور ليست كذلك.

–         هل بيت ال سعود محمي باعتباره السلطة الحاكمة؟

–         هل لدى واشنطن القدرة على رؤية المملكة العربية السعودية بما هي عليه؟ أو لا يوجد لديها يد عميقة في المحفظة السعودية، وتقول إنها “لا ترى ولن تتصرف”؟.

آل سعود في الحضن الأميركي البريطاني

من عاصمة المملكة العربية نجد، مركز الوهابيين، في خيمة إلى الشمال مباشرة من قصر جلالته، أبعث لك تحياتي، “كتب توماس بارجر الثمانيني لزوجته الشابة، كاثلين، في ميدورا، داكوتا الشمالية، في اليوم الأخير من صيف العام 1938”. كان هناك أقل من أربعة عشر أوروبيا هنا، ولا أعتقد أن الكثير منهم كان يبعث الرسائل، الجيولوجيا دفعت بتوم برجر نحو الرياض. فإلى الغرب من العاصمة، في الدرع العربي تقع سلسلة جبال بركانية مع قمم عالية –تصل إلى تسعة آلاف قدم- وتمتد من الأردن، في الشمال، وجميع الطرق جنوبا إلى خليج عدن. (البراكين العربية القديمة نامت في سبات عميق منذ قرون مضت) وهضاب الحمم السوداء الواسعة، والمعروفة باسم “هرهس”، لا تزال تمتد على سفوح الجبال نحو البحر الأحمر.

شرقا، مع انحدار المرتفعات العربية نحو الخليج الفارسي، تسمح العباءة البركانية بتشكيل صخور رسوبية من بقايا النباتات والحيوانات المائية، التي خلفتها عصور ما قبل التاريخ، عندما غطت البحار هذه الأرض. ومع انحسار المياه إلتوت القشرة الأرضية ودفعت هذه الترسبات بالودائع أعمق وأعمق تحت السطح. الحرارة والضغط جنبا إلى جنب قد يؤديان إلى تحلل البقايا العضوية لإنتاج “الوقود الأحفوري” النفط، أوالذهب الأسود.

لقد تم استخراج النفط بنجاح من الأرض عن طريق الحفر في العام 1859: العقيد الشهير ادوين دريك في تيتوسفيل، بنسلفانيا. كان رائدا في طريقة جديدة لإنتاج النفط من الأرض، والحفر باستخدام الأنابيب لمنع انهيار الآبار، مما يسمح بالمزيد من الحفر لاختراق الأرض، فالأساليب السابقة لجمع النفط كانت محدودة. وبعد أحد عشر عاما انشأ جون روكفلر شركة ستاندرد أويل في أوهايو، لتقوم الثورة الصناعية. وقبل قرن، انضمت روسيا إلى الولايات المتحدة باعتبارها منتجا رئيسيا في العالم. وإندونيسيا، ورومانيا، والمكسيك كانت تملك الصناعات النفطية بداية الحرب العالمية الأولى، وبينما كان القتال يندلع في أوروبا تم اكتشاف النفط في فنزويلا ودول أخرى في حوض الكاريبي.

من بين دول الخليج الفارسي، قادت إيران المسيرة، وأول بئر حفر كان في مايو 1908، وبحلول العام 1913 ربط خط أنابيب – بطول 135 ميلا – الحقل بمصفاة عبادان في قمة الخليج الفارسي. حقل النفط العملاق في كركوك، في شمال العراق، تم استغلاله في العام 1927. قبل العام 1935 تم تسليم النفط عبر خطوط أنابيب مزدوجة إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في طرابلس – لبنان -، وإلى حيفا في فلسطين – آنذاك -. والبحرين، الإمارة الصغيرة في الخليج الفارسي بين قطر والمملكة العربية السعودية، دخلت على الخط العام 1932 بمساعدة شركة نفط الخليج، وكانت فقط مسألة وقت حتى انضم شرق المملكة العربية السعودية إلى الحدث وهو بالأصل امتداد جيولوجي متصل بغرب إيران، والبحرين، وجنوب العراق.

كان توم بارجر من ضمن مجموعة المهندسين والجيولوجيين الذين بعثتهم “شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا” لتفعيل قطاع النفط الناشيء في المملكة العربية السعودية. ومن خلال العمل لحساب المملكة كان “فريق سوكال” أول من حفر بئر نفط في المملكة بكميات يمكن استغلالها تجاريا: الدمام رقم سبعة، قرب الظهران، بدأت في يوم رأس السنة الجديدة العام 1938. وبحلول سبتمبر من ذلك العام، ظهر بارجر في الرياض، وكانت النبوءة على وشك أن تتحقق.

سوكال، احد الفروع التي أمرت بها المحكمة 1911 ستستمر لتصبح رئيسية أرامكو- شركة النفط العربية الأميركية، التي تشكلت لاستغلال وإدارة النفط السعودي، أكبر مستودع في العالم. توم بارجر ترفع ليصبح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو في العام 1961، وهو المنصب الذي سيتسلمه حتى العام 1969. و قلب النفط كل شيء تقريبا في المملكة، وبعض نواحي العالم الإسلامي، وبطبيعة الحال، في العالم الغربي أيضا، فالإسلام والمملكة العربية السعودية لا يمكن أن يكونا منفصلين كليا.

ومن المدهش أن نفكر كيف هي المملكة العربية السعودية الجديدة، نظرا للوعي الغربي وللمحفظة الصناعية العالمية. المملكة العربية السعودية التي أبرزها توم بارجر في العام 1937 كانت مملكة متحدة لمدة خمس سنوات فقط. وفي وقت متأخر من منتصف العام 1920، كانت السعودية موجودة داخل شبه الجزيرة العربية في عزلة تامة تقريبا عن بقية العالم، والمكان لا يتميز فقط بالنفط وثرواته، ولكن بالفقر والتمييز والتعصب الديني، فقد كانت ثقافة الصحراء هي المسيطرة.

الساحل العربي معروف منذ زمن طويل لدى التجار. وكانت قلة قليلة من الأوروبيين المستكشفين تقصد الروافد القاحلة الشاسعة كشبه الجزيرة في القرن التاسع عشر. والأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة كانت مصدر سحر للغرب لقرون، لكن الرياض لم تكن حتى العام 1865 العاصمة المستقبلية للمملكة المستقبلة، كما ثبتت على الخرائط الغربية.

كانت سوريا والعراق ومصر، والدول الإفريقية المسلمة من الجزائر والمغرب جميعها تشهد تحديثا لافتا وبالأخص في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى.

الكويت، على الحدود الشمالية الشرقية العربية، كانت مستعمرة لعقود. المملكة العربية السعودية لم تكن كذلك: وظلت كما كانت عليه لقرون، وكان بن سعود قد استولى على الرياض في 15 يناير 1902، بجيش يبلغ عدده أقل من مئتي محارب وأربعين مهاجم، وهو كان في أوائل العشرينات من عمره، وكان عازما على استعادة سيطرة الأسرة التي تضاءلت منذ القرن الثامن عشر، وقال انه سيمضي السنوات العشرين القادمة بشن المعارك على جميع الأطراف – ضد بقايا الإمبراطورية العثمانية، وضد الحكام العرب المنافسين، وخاصة الهاشميين في الأردن، وأخيرا، ضد مؤيديه عندما كفوا عن الخضوع لسلطته. واستطاع السيطرة على مكة المكرمة في العام 1924 والمدينة المنورة وكان كلاهما جزء من عالم الأسلاف الذي لم يدم طويلا.

وبحلول العام 1927 جلس ابن سعود على رأس المملكة المزدوجة التي تغطي معظم شبه الجزيرة، وبعد خمس سنوات، قال انه يجمع بين شطري العالم الواحد وأطلق عليه اسم أسرته: المملكة العربية السعودية. ولكن حتى جاءت المصالح النفطية العالمية، ظلت المدينة غير – مكهربة- وتضم حوالي ثلاثين ألف شخص معزولين محاطين بسور من الطين ولا يزورهم الأجانب.

ذرية بن سعود أصبحت أغنى ذرية في العالم، واشتهروا بكازينوهات مونتي كارلو وبيوت الدعارة في لندن، لإسرافهم، أسياد القصور التي تتخطى قيمتها المليار دولار، وأصحاب أفضل الخيول الأصيلة واليخوت، والجهات المانحة للمقاعد الجامعية والمختبرات والكليات، وأصحاب النفوذ في كل عواصم الغرب، وهم على استعداد للتنقل في جميع أنحاء العالم في أي لحظة بواسطة الطائرات الخاصة. وفي منتصف الثلاثينيات، وخلال السنوات المظلمة من الكساد العظيم، كان وزير المالية الشيخ عبد الله سليمان، لا يزال يضع المستندات في صندوق من الصفيح، وإيرادات الضرائب على الثروة الحيوانية، والحبوب، والفواكه، والتجارة، وغيرها من السلع، فضلا عن الامتيازات الملكية الأخرى، كانت تذهب إلى المقر الملكي لحمايتها.

الفترات القاحلة في الخزانة الملكية دفعت عبد الله للموافقة بسهولة على شروط الاستكشاف المواتية بشكل واضح مع شركة “ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا”. ومنح سوكال الحق الحصري، لمدة 60 عاما، لاستكشاف، وحفر، واستخراج ومعالجة وتصنيع ونقل وتصدير النفط في منطقة تصل إلى أكثر من أربعين ألف ميل مربع، أي ضعف مساحة فرنسا.

في المقابل، وعدت الشركة الحكومية السعودية بتقديم قرض فوري بـ 30ألف استرليني من الذهب أو ما يعادلها (أي حوالي 1.560.000 دولار أميركي)، مع “إيجار سنوي” بـ 5000 جنيه استرليني يذهب إلى الملوك، وتقدم مبلغا إضافيا 50 ألف استرليني من الذهب (2.600.000 دولار)، بالإضافة إلى دفعات متطابقة كلما تم اكتشاف النفط بكميات تجارية، فضلا عن الإتاوات الجارية عند توسيع الأعمال التجارية. ونيابة عن الملك وقع عبد الله سليمان الاتفاقية في 29 مايو 1933. وفي خطوة أولى وصل اثنان من الجيولوجيين التابعين لسوكال بعد أربعة أشهر.

نفط وحرب وشركات

الحرب العالمية الثانية، أعطت الفرصة للمملكة العربية السعودية للظهور في العالم. وكانت بريطانيا وألمانيا تتنافسان على حد سواء للحصول على دعم المملكة، فالألمان يسعون إلى استخدام شبه الجزيرة باعتبارها الباب الخلفي لمهاجمة روسيا عبر الحدود الشمالية لإيران والملك كان يفضل البريطانيين، ليس لحبه لهم ولكن لأن بريطانيا ومستعمراتها ظلا مصدر الغذاء الرئيسي للمملكة العربية السعودية.

النفط السعودي جاء ليحمل قدرا كبيرا من الأهمية كمصدر آخر للوقود خلال الحرب. فالغزو الياباني واحتلال بورما وأندونيسيا أديا إلى إغلاق مصدرين مهمين للبترول، وبالأخص بعد أن تم استخراج أكثر من 5.1 مليون برميل من النفط في السنوات الست الأولى، طاقة أرامكو وصلت إلى 7.8 مليون برميل في العام 1944 ونحو 21.3 مليون برميل في العام 1945 أي ما يعادل ثلاثة أضعاف في سنة واحدة. وبحلول ذلك الوقت كان النفط السعودي أصبح حيويا للحلفاء.

على الرغم من مكتشفات المملكة التي منحتها موقعا مهما على المسرح العالمي، لم تبرز المملكة إلا بعد 14 فبراير 1945، أي بعد لقاء الملك سعود الأول مع فرانكلين ديلانو روزفلت.. وكان روزفلت قد غازل بن سعود لعدة سنوات، ليس لتأمين النفط ولكن للمجهود الحربي. وكان روزفلت يضع عينه على القيمة الإستراتيجية الواسعة لاحتياطات السعودية لسنوات ما بعد الحرب، وكان يدرك جيدا انه سيتغلب على الهيمنة البريطانية في الشرق الأوسط إذا جعل السعوديين أفضل صديق للولايات المتحدة في العالم الإسلامي.

في 8 فبراير 1943، وجهت ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا كتابا إلى وزير الداخلية، هارولد ايكس، لتشجيع إدارة روزفلت على مواجهة النفوذ البريطاني من خلال جذب المملكة العربية السعودية تحت مظلة أميركا. بعد عشرة أيام، أعلن مساعد وزير الخارجية ادوارد ستيتينيوس أن المملكة هي مصلحة حيوية للولايات المتحدة وأمر بتمديد المساعدات غير المباشرة التي ستبلغ في نهاية المطاف ما يقرب من 100 مليون دولار.

خلال الحرب، كان السفير الأميركي بالقاهرة يتحمل مسؤولية متابعة العلاقات مع المملكة العربية السعودية أيضا، وحتى صفقة التأجير، أصبحت مسؤولية القائم بالأعمال الذي تمركز في جدة ومن العام 1944-1946 كانت هذه المسؤولية على عاتق ويليام إيدي، وهو ضابط مخابرات ومن ذوي الخبرة، وهو الذي نظم العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، فوليام كان يضع يده على النفط لتوزيعه بعد الحرب كمستشار لشركة أرامكو .

أرسل روزفلت مبعوثه الشخصي إلى المملكة العربية السعودية في ربيع العام 1943. واستجابة السعوديين جاءت عبر موفدين. ولي العهد الأول الأمير سعود، والأمير فيصل وشقيقه خالد الذين زارا الولايات المتحدة، والتقيا الرئيس والأعضاء الرئيسيين في الكونغرس والإدارة. وظل ولي العهد لمدة شهر، يتمتع بميزات زائر الدولة.

بينما كان السعوديون يغادرون العاصمة، كانت مجموعة من الجيولوجيين الأميركيين تتسلم تقريرا من واشنطن عن مستقبل النفط. وتوقع التقرير أن مركز الاستخراج تحول من المكسيك ومنطقة البحر الكاريبي إلى منطقة الخليج الفارسي.

كانت هناك احتياطيات أكبر بكثير، وإنتاجية آبار النفط في الخليج تصل إلى ثلاثين مرة أكثر من متوسط الآبار في أميركا اللاتينية وتصل إلى 150 مرة أكثر إنتاجية من متوسط الآبار في الولايات المتحدة، وقرب مناطق الاستخراج من شواطيء الخليج كانت وسائل النقل أقل كلفة.

في هذه الأثناء، كان الاقتصاد السعودي الهش يعيش انكماشا وكان برنامج الإعارة والتأجير الغربي بطيئا في الوصول، وضئيلا نسبيا. الحجاج المسلمون الملتزمون بزيارة مكة المكرمة أمنوا الجزء الأكبر من عائدات البلاد قبل الحرب. القتال في كل من المحيط الهادئ وأوروبا قطع معظم تجارة المملكة مع بقية العالم وقلصها .

في برقية من “الظهران” في 7 فبراير 1944 إلى أسياده في الشركات الدولية، كتب سوكال فلويد اوهليغر “الوضع الغذائي … يعتبر من الامور المستعجلة بالنسبة لجلالته فالمجاعة انتشرت على نطاق واسع. مستودع الحكومة في الجبيل كان فيه نحو ألفي طن من المواد الغذائية ولكن وسائل النقل الخاصة بالحكومة كانت على وشك الانهيار، وعلى الرغم من أن بعض عمليات النقل كانت تجري بقوافل الجمال إلا ان ذلك أدى إلى تأخير بناء محطة النفط الحيوية في رأس تنورة”.

في يناير 1945 وفي مذكرة سرية لمساعد وزير الدولة دين أتشيسون، وصف والاس موراي، رئيس مكتب الشرق الأدنى والشؤون الإفريقية “طبيعة الفائدة التي يجنيها الأمن القومي الأميركي في المملكة العربية السعودية، مع تحليل الوضع الذي يلزم حكومة الولايات المتحدة بالنظر في الخطوات الإيجابية التي يجب أن تتخذ على الفور من أجل توفير الحماية الكافية لهذه المصلحة الحيوية وأوضح موراي “الولايات المتحدة ليست وحدها”، في مطامعها في المملكة ونفطها. “إذا كان الاقتصاد السعودي ينبغي أن يتكسر والسلطة السياسية تتفكك، فيترتب على ذلك مخاطر عدة: أن تقوم بريطانيا العظمى أو روسيا السوفياتية بمحاولة الانتقال إلى المملكة العربية السعودية للحفاظ على النظام وبالتالي منع الآخرين من القيام بذلك. مثل هذا التطور في بلد يحتل موقعا استراتيجيا بارزا وغني بالنفط كما حال المملكة العربية السعودية قد يشكل أيضا سببا لتهديد السلام في العالم “.

قال موراي: أولوية السياسة الأميركية ينبغي أن تكون حماية وتطوير “الموارد النفطية الهائلة في المملكة العربية السعودية، المتواجدة الآن في أيدي الأميركيين تحت الامتياز الذي يمنح للرعايا الأميركيين. “المذكرة لم تتصور أن تصبح الولايات المتحدة عميل البترول الأساسي في السعودية، كان من المتوقع أن يصبح نصف الكرة الغربي إلى حد كبير مكتفيا ذاتيا، وعن طريق تلبية شهية أوروبا من النفط السعودي بعد الحرب العالمية الثانية، بدلا من النفط الفنزويلي، والمكسيكي، وأماكن أخرى في حوض بحر الكاريبي، يمكن للولايات المتحدة الحفاظ على موارد المنطقة والحفاظ على احتياطي يمكن أن يرتد عليها في زمن الحروب وحالات الطوارئ .

وكتب موراي: “السلطات العسكرية خصصت على وجه السرعة بعض المرافق في المملكة العربية السعودية لتغطية حالات الحرب، مثل بناء المطارات العسكرية وتقديم الامتيازات للطيران كالطائرات العسكرية التي قد تكون في طريقها إلى مسرح الحرب في المحيط الهادئ … ولكن الملك ابن سعود تروى في منح تلك المرافق بسبب الاعتراضات البريطانية، ويعتقد أن ذلك الموقف نشأ من الاعتبارات السياسية ما بعد الحرب “.

منذ العام 1940 ضخت بريطانيا العظمى ما يقرب من 40 مليون دولار إلى المملكة العربية السعودية، للحفاظ على الاستقرار ولزيادة نفوذها هناك. أميركا بدورها قدمت مساعدات للمملكة بنحو 13 مليون دولار، في شكل سلف من شركة النفط العربية الأميركية. لمواجهة النفوذ البريطاني ولضمان بقاء السوفييت بعيدا عن الخليج، موراي، الذي كان سيصبح سفير الولايات المتحدة إلى إيران في نهاية الحرب، طلب 57 مليون دولار من المساعدات الأميركية الإضافية على مدى السنوات الخمس التالية وخلافا لذلك، بعض البلدان الأخرى “قد تتخذ موقعا في المملكة العربية السعودية معاديا لمصلحتنا الوطنية هناك“.

اولى خطوات العلاقة السعودية الأميركية

في رسالة مغلقة مؤرخة بـ 11 ديسمبر 1944، وعليها ختم “سري للغاي ” قام وزير البحرية جيمس فورستال بتقديم حجج لا تزال قائمة: هيبة ونفوذ الولايات المتحدة متعلقان بثروة الحكومة ومواطنيها من حيث الموارد النفطية الأجنبية وكذلك المحلية. بالتالي، فإن القوة التفاوضية للولايات المتحدة في المؤتمرات الدولية تنطوي على المواد الحيوية مثل النفط ومشاكل مثل الطيران، والشحن، والقواعد على الجزر، والاتفاقات الأمنية الدولية المتعلقة بتصرف القوات المسلحة لحماية المرافق التي تعتمد على الولايات المتحدة في حماية احتياطيات النفط … وفي ظل هذه الظروف، من الجلي مقدار المصلحة بحيازة ثروات ما وراء البحار من خلال الاحتياطيات النفطية الأجنبية التي يتحكم بها الرعايا الأمريكيون ( الأفراد والشركات ) في الواقع، التوسع النشط لهذه المقتنيات مرغوب فيه إلى حد كبير .

لدى الولايات المتحدة ميزة واحدة كبيرة مع المملكة العربية السعودية. بن سعود قضى معظم حياته يقاتل بضراوة لتجميع مملكته. ولم يفعل ذلك للتخلي عنه لأمة مثل بريطانيا العظمى، مع ماض استعماري طويل وشهية للتدخل الدائم في المنطقة. من اجل جغرافيتها الخاصة وتعريف وجودها عن طريق الانعزالية، ويبدو أن الولايات المتحدة كانت أفضل خيار وأكثر أمانا بالنسبة للمملكة.

بالنسبة للسعوديين، السؤال كان كيف يمكن الوصول إلى الولايات المتحدة. وفي رسالة سلمت لوزير أميركي في جدة لإحالتها إلى روزفلت، شرح ابن سعود ووزراؤه قضيتهم بحساسية وخجل                         ملحوظان :عندما يرى الملك أن النشاط الاقتصادي الأميركي ينخفض في المملكة العربية ويتم تحديه من قبل حليفتها بريطانيا، فأميركا بدورها سوف تفهم أن المملكة العربية السعودية معذورة، فهي تنتج ليس فقط لإرضاء الحليف، ولكن من أجل البقاء.

من دون أسلحة أو موارد، المملكة العربية السعودية يجب أن لا ترفض اليد التي قدمت لها الطعام والشراب. الملك غير راغب في التفكير في احتمال أن تفقد أميركا الاهتمام في أراضيه البعيدة، بعد الحرب، كما أنها سوف تستدير نحو الانشغالات المحلية..

لذا فإن حكومة المملكة العربية السعودية ستستفسر حول سبل خروج بلدينا من هذا الحبس. وبحلول فبراير العام 1945، كان الوقت قد حان للزعيمين للقاء. وبالفعل اجتمعا في البحر المتوسط لمناقشة التعويضات وتقاسم النفوذ الذي جرى ما بعد الحرب مع ونستون تشرشل وجوزيف ستالين، في 12 شباط التقى روزفلت مع فاروق الأول ملك مصر مصر على متن U.S.S. كوينسي التي حملت الرئيس من نورفولك، فيرجينيا.. إلى جدة على البحر الأحمر، صعد ابن سعود والوفد المرافق إلى يو اس اس ميرفي، أول سفينة حربية أميركية اتجهت إلى المياه السعودية، ويوم 14 شباط كان الملك السعودي على متن كوينسي.

في محادثاتهما على متن كوينسي، وضع فرانكلين روزفلت وابن سعود تصورا مشتركا بينهما حول العديد من الترتيبات التي يتم العمل عليها بالفعل. أميركا لديها إمكانية الوصول إلى الموانئ السعودية. ويمكنها بناء قواعد جوية عسكرية على الأراضي السعودية، ولكن مع عقد إيجار يقتصر على خمس سنوات. وبنفس القدر من الأهمية، مثل أرامكو، التي تسيطر عليها سوكال وغيرها من شركات النفط الأمريكية، يمكن أن تبدأ بناء خط أنابيب عبر البلاد العربية نحو شاطيء البحر الأبيض المتوسط. وكان روزفلت يأمل في الحصول على دعم الملك لإقامة دولة يهودية في الشرق الأوسط، ولكن ابن سعود وخلال مناقشتهما قال إن الألمان هم من آذوا اليهود، وليس العرب، وبالتالي الألمان، وليس العرب من يجب أن يدفع الثمن، وانتهى روزفلت بقطع وعد للملك السعودي بأن الولايات المتحدة ستتشاور على قدم المساواة مع اليهود والعرب على أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين. وتعهد أيضا بأن أميركا لا تسعى إلى احتلال الأراضي السعودية كما كان يسعى البريطانيون في الكثير من الدول المجاورة للمملكة العربية السعودية. وكانت النقطة الأخيرة هي المفتاح: ونستون تشرشل هرع للقاء مع ابن سعود في أقرب وقت بعدما علم بلقائه مع روزفلت، لكن بعد فوات الأوان، فالصفقة قد تمت.

للاحتفال بالاجتماع، افترق الزعيمان بعد تبادل الهدايا: سكين صلب من الذهب لروزفلت، وأزياء حريمية لزوجته اليانور وابنتها، آنا، اللتان رافقتا الرئيس من نورفولك. وقدم روزفلت لبن سعود طائرة دوغلاس، على أن يتم تسليمها في وقت لاحق، ونسخة طبق الأصل من كرسيه المتحرك، لأنه كان يعاني من جرح قديم في ساقه، وكان نادرا ما يترك كرسيه للنوم، حتى وفاته في العام 1953 كان يعاني السمنة، وقلة الحركة.

يميل المؤرخون المعاصرون وبعض المعلقين الآخرين لمعالجة الاجتماع بشكل جانبي، وحتى أعطوه اهتماما قليلا. يالطا هو المكان الذي تركز عليه الاهتمام فحدة الحرب كانت تتراجع وأوروبا بحاجة إلى إعادة بناء، وألمانيا واليابان، ولكن الأهم جرى على متن كوينسي، وليس في يالطا، حيث وضع حجر الأساس لمنظومة السيطرة على موارد الطاقة الأهم من الآلة الصناعية الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية.

في إيران وأماكن أخرى، كانت المصالح النفطية البريطانية الهولندية مستمرة في الهيمنة على التجارة في الشرق الأوسط في السنوات التالية مباشرة بعد الحرب، ولكن بموازاة تطور العلاقات الجذرية بين السعودية والولايات المتحدة ارتفع إنتاج النفط السعودي – من 21.3 مليون برميل في 1945 إلى -142.900.000 برميل في عام 1948 وأكثر من 300 مليون برميل بحلول 1952 – وكل ذلك كان يوحي بثبات الواردات النفطية .

بوجود الولايات المتحدة، حظي السعوديون بالحماية من مصر، ومن أعدائهم القدامى في الأردن، والشيعة والإيرانيين وجميع الخصوم الآخريين الذين يشكلون خطرا عليهم في العالم العربي. وأقام السعوديون، بهيمنة الولايات المتحدة الأميركية والحكومات الأوروبية في الشرق الأوسط حائطا لصد النفوذ الشيوعي في المنطقة.

كل ما سيأتي لتعريف العلاقة الأميركية- السعودية كان موجودا منذ البداية: دبلوماسية النفط، وتداخل التأثيرات الحكومية والشركات، وتداخل المصالح العامة والخاصة. والشيء الأساسي المهيمن كان الجشع المفرط.

ميزان النفط الصناعي العالمي لديه وجهتان: الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. فالناس على الطرفين سيصبحون أغنياء، والمحطة رقم 2 في المثلث المرتبط بالمال والسلطة، الإسلام والمسيحية الإرهاب والقومية، وذلك لن يكون كاملا .

من أين جاء محمد بن عبد الوهاب ؟

كانت أسس هذا المثلث قد وضعت في وقت سابق أي قبل قرنين عندما طرد محمد بن عبد الوهاب من بلدة صحراوية تسمى “العيينة”، شمال غرب الرياض.وهو ولد في منطقة “العيينة” في العام 1703 أو 1704، ويقال إن محمد تعلم القرآن عن ظهر قلب في العاشرة من عمره.

وفي الثانية عشرة، تزوج من فتاة اختارها له والده وانطلقا في رحلة حج إلى مكة المكرمة. بعد ذلك بوقت قصير توجه إلى المدينة المنورة، للدراسة على يد عبد الله بن إبراهيم بن سيف، ومن هناك سافر بعيدا إلى كردستان وبغداد، والبصرة، أي ما يعرف اليوم بالعراق، في العراق حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات” بدأ عبد الوهاب بإطلاق دعوته الدينية التي هيمنت في المملكة العربية السعودية حتى يومنا هذا.

كان عبد الوهاب على استعداد لتعليم أي شخص يريد أن يسمع، وأي شخص ضل طريقه. الإسلام كان عقيدة التوحيد. القرآن يدعو المسلمين إلى الصبر والامتناع عن إسناد الصفات الإلهية لأحد غير الله. حتى النبي محمد (ص)، مؤسس الدعوة، لم يكن سوى رجل عادي دعاه الله لمهمة غير عادية.

وفقا لمعتقد عبد الوهاب الدليل على الشرك كان في كل مكان في العالم الإسلامي: المسلمون يقدسون قبر النبي ويذهبون للحج إلى المساجد التي بنيت فوق قبور الاولياء، ويقدمون التضحيات، ويصلون من أجل تدخل الأولياء، و ذهب عبد الوهاب أبعد من ذلك حيث أمر أتباعه بقص الأشجار التي عاشت في شبه الجزيرة لأنها كانت تعبد من قبل الوثنيين.

أجبر عبد الوهاب على مغادرة البصرة بينما كان لا يزال ينشر دعوته “عبد الوهاب عاد إلى العيينة وأطلق حملة لا هوادة فيها. وهو بشر بان الإسلام يمكن أن يكون أنقى مرة أخرى، من خلال إعادته إلى أنقى صوره: القرآن والسنة، قواعد السلوك والآراء المقبولة استنادا إلى النبي محمد أي شيء منذ القدم – وأي تقاليد اتبعت بعد قرون على الرسالة التي حملها رسول الله – كانت تعتبر بدعة بغيضة. التباهي بالمعيشة، تزيين المساجد، التجاوزات والشتائم هي انحرافات ولتصحيح الطريق قام عبد الوهاب وأتباعه الوهابيون، كما أصبح معروفا – بفرض بعض التقاليد الصارمة التي تمتد إلى التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية. فكانت هناك طريقة وهابية للعطس، والاحتضان، والمصافحة، والتثاؤب، والقبلة، واللباس، وهلم جرا. وكانت هناك حتى طريقة وهابية في إعادة تفسير الفيزياء، حيث يعتقد الوهابيون بأن الكون مسطح”.

أما الوثنيون الذين اتبعوا عقائد مختلفة ظهرت قبل قدوم دين محمد فلم يحظوا بأي شفقة لجهلهم . أما المسلمين الذين رفضوا الاعتراف بحقيقة وجود “التعاليم الوهابية” فكان لهم الجهاد: “فالوهابيون يعيشون بالسيف، والذي يعارضهم يقتل”.

التعصب الوهابي بلغ حدا أكثر من اللازم لعثمان بن معمر، حاكم العيينة. حيث واجه معارضة من شعبه وخوفا من غضب زعماء القبائل القوية- غير الراغبة، على ما يبدو، من أن ينفذ فيه حكم الإعدام – فأمر عثمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب بترك أرضه وعرض عليه اختيار الوجهة. وكان ذلك في وقت ما في العام 1730 أو 1740، فمشى عبد الوهاب أربعين ميلا إلى أسفل وادي حنيفة إلى الدرعية، بالقرب من الرياض وفرض حكمه.

منذ ما يقرب من مائتي سنة، والوهابيون، من محمد بن سعود، وأصحابه يحاولون شن حرب عبر شبه الجزيرة العربية. في 1801 داهمت مجموعة وهابية كربلاء، وموقع قبر حفيد النبي، الإمام الحسين بن علي ، أحد أهم الأماكن الشيعية المقدسة. وخلال ثماني ساعات، ذبح بعض الوهابيين خمسة آلاف شيعي و دمروا قبر “الحسين”، وأثاروا الرعب وأهانوا الشيعة الذين لم يغفروا لهم ذلك أبدا.

وكان رجال قبائل وهابيين قد ساعدوا بن سعود في السيطرة على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وشنوا “الحرب ضد المشركين، والوثنية”، وطردوا مخالفيهم والأجانب وأتباعهم.

ابن سعود موحد الفتوحات، والغالبية العظمى في المملكة العربية اتفقت مع أنصارهم الوهابيين لخلق عالم إسلامي بتقاليد بروتستانتية تقريبا، وفي نفس الوقت اكتشاف واستغلال النفط.

الوهابية والغرب الصناعي

المحطة الثالثة في المثلث – الوهابيون والغرب الصناعي– كانت دائما لديهم البطاقة الخارجية الأشرس، فقوة البترول والثروة المتولدة منه حملت المملكة العربية السعودية إلى منتصف وأواخر القرن العشرين. تشكيل أوبك في العام 1960 سمح لـ آل سعود بالضغط على المتطفلين من أسياد الشركات الأميركية. وساعد السياسيون الأميركيون أيضا، لمدة ربع قرن بضبط توازن النفط العالمي الفائض، إلى حد كبير من خلال تخزين كميات هائلة من النفط التي تشتريها من الخارج. قبل منتصف الخمسينيات كان منتجو النفط في الولايات المتحدة وشركات الفحم الأميركي مشبعين بالواردات الأجنبية .

فرض الرئيس دوايت أيزنهاور الحصص الإلزامية على واردات النفط الأجنبي في العام 1959. وبعد أربعة عشر عاما، عندما أزال ريتشارد نيكسون حصص الاستيراد، كان على الولايات المتحدة ان تستنفذ الفائض وتصبح مستوردا صافيا للنفط. ولم يستغرق العرب وقتا طويلا لمعاقبة أميركا على إهمالها .

في 6 أكتوبر 1973، هاجمت سوريا ومصر إسرائيل، في يوم الغفران. وبعد أسبوعين، في 19 أكتوبر، أعلنت منظمة أوبك حظرا شاملا على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، ردا على الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل خلال الحرب. في اليوم التالي، كان العاهل السعودي الملك فيصل، وبحسب مسؤولين أميركيين مقتنعا بأنه لن يشارك في الحصار ضد الغرب، نتيجة الضغط الذي فرضه ائتلاف من المنتجين العرب والوهابيين في المملكة ورجال الدين المسلمين. وفجأة، اكتسبت “حنفية” البترودولار أبعادا جديدة- يمكن فتحها لكسب المال، أو إغلاقها لتخزين كميات اكبر.

خلال سبعة عقود أنشئت الرياض في مجمع متوسط مؤلف من ثلاثين ألف نسمة، وعاصمة مترامية الأطراف لأكثر من أربعة ملايين شخص .ودخل الأجانب المسلمون وغير المسلمين إلى المملكة للعمل في حقول النفط. في الوقت نفسه، كسبت السعودية ثرواتها عن طريق النفط الذي سكبته خارج البلاد: إلى الجامعات الأميركية (حيث تعلم مائتا ألف سعودي في المعاهد الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)، وتجول الكثيرون في أسواق لندن وباريس وروما لشراء السلع الفاخرة، وفي ملاعب العالم.

بين ليلة وضحاها، تحول مجتمع القرون الوسطى إلى مجتمع حديث. دائما تحت سقف المؤيدين لـ آل سعود، وقاعدتهم، وقوتهم، والأخوة المحاربين: كتاجر الأسلحة الروسي يوري “الوهابي المجنون”… الوهابي الحديث كان عدوا عنيدا.

ابن سعود لم يتمكن من السيطرة الكاملة على المتعصبين البروتستانت، وخاصة قادة الإخوان الذين لم يقدموا الولاء إلى السلطة، والبعض الآخر الذين أحضروا إلى الرياض، حيث تم سجنهم.

بحلول أواخر العام 1960، كانت خطوط الصدع قائمة دائما بين الاعتدال والتطرف داخل المملكة فقد سعى المعتدلون للتطلع إلى عالم أكبر – الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي- وعند وفاة سعود في العام 1953 تسلم ولي العهد الأمير سعود، وجنبا إلى جنب مع أعضاء آخرين من العائلة المالكة، والقادة الدينيين، انتزعت السلطة من ولي العهد وأجبر على التنازل في العام 1964 لصالح أخيه غير الشقيق فيصل، النمط الملكي لم يختف وإصرار الوهابيين على “أن الإسلام يمكن تنقيته” كان الإسرائيليون من أظهروا لهم كيف.

يوم 5 يونيو عام 1967، شنت اسرائيل هجوما وقائيا على مصر وسوريا والأردن، وبشكل سريع وحاسم هزمت البلدان الثلاثة. من الأردن، احتلت إسرائيل الضفة الغربية والقدس، من سوريا مرتفعات الجولان، ومن مصر، صحراء سيناء. وكانت ربما الهزيمة المذلة التي عانى منها معظم العرب، على الأقل منذ أن اضطروا للخروج من اسبانيا في العام 1492، تماما عندما كان كولومبوس يبحر لأمريكا.

ولكن بالنسبة لبعض المسلمين، كان الأمر أسوأ من ذلك بكثير. فقد خسروا القدس وقبة الصخرة، ثالث أقدس موقع في الإسلام.

في البداية جاء رد فعل العرب غضبا في الشوارع، احتجاجا على تصرفات الولايات المتحدة ثم أدركوا أنهم خدعوا من قبل حكوماتهم. وكل الأسلحة التي اشتريت على مدى سنوات لم تفعل شيئا بارزا. لماذا؟ لأن الكثير من المال كان من المفترض أن يذهب إلى مؤسسات الدفاع، انتهى به الأمر في جيوب الأمراء الفاسدين والسياسيين وضباط الجيش. وهذا درس قديم، ولكن كان هناك واحد جديد يمكن تعلمه من كارثة العام 1967. فكانت قوة عربية أكبر من ذلك بكثير قد هزمت من قبل دولة صغيرة نسبيا تعتمد على التماسك الديني:إسرائيل. لن يكون العرب أقوى إلا إذا ما أعادوا تنظيم معتقداتهم، الإسلامية، الوهابيون، وبتحريض من الموجهين الأصوليين المصريين والسوريين، قاموا استخلاص الدروس.

بدأت في العام 1970 العائلة السعودية المالكة والجمعيات الخيرية تستخدم مخزوناتها العظمى من البترودولار لبناء شبكة من المساجد والمدارس الدينية، في المملكة وخارجها، حيث يمكن تلقين جيل جديد من المراهقين المسلمين بأعنف تفسير متطرف للإسلام: التعصب وفرضشريعة الله كما يظهر في القرآن الكريم. ومن بداية الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة عازمة على دعم المملكة العربية السعودية وقادتها كنوع من أنواع التحصين ضد الشيوعية الملحدة.

استمتع الوهابيون بدورهم كصوت للإسلام المتشدد: فسلوكهم، يدل على أنهم على استعداد للموت من أجل معتقداتهم. وكانت المدارس الدينية المكان الأنسب لتجنيد المحاربين، وفي العام 1980 أصبحت المدارس أرضا خصبة للمتشددين الإسلاميين، ودعت إلى الحرب المقدسة ضد الغزاة السوفييت في أفغانستان. وزودوا المسلحين بأسلحة من الولايات المتحدة، وبالمال والدعم اللوجستي الأميركي، و”الأفغان العرب” دحروا الجيش الأحمر إلى موسكو، وغيروا مسار التاريخ – وقلبوا معايير الحرب والجغرافيا السياسية.

شراكة نفط وسلاح وإرهاب

كانت مجموعة كارليل تستعد للدخول في مؤتمر المستثمرين السنوي في فندق ريتز كارلتون في 11 سبتمبر 2001 في واشنطن، ضربت طائرة “الاميركان ايرلاينز الرحلة 77” في مبنى البنتاغون، على بعد ميلين ونصف فقط إلى الجنوب. ولو ضربت الرحلة رقم 93 ليونايتد ايرلاينز البيت الأبيض، -هدفها المفترض-، لكان الحضور في مجموعة كارليل، شعروا بالصدمة على الرغم من أنهم لا يدركون تلك المشاعر عادة.

كانت الجلسة تضم: كبار مسؤولي المجموعة جيمس بيكر، وزير الدولة في إدارة بوش الأب فرانك كارلوتشي، وزير الدفاع الاخير في عهد رونالد ريغان ومستشار الأمن القومي قبل ذلك، وشقيق بن لادن، ممثلا مجموعة بن لادن – وهو يملك واحدة من أكبر شركات البناء في العالم- ولكنه مشهور اكثر بأنه شقيق أسامة بن لادن. وكان التجمع اشبه “بصورة مثالية” لعلاقة واشنطن الغريبة مع المملكة العربية السعودية.

سميت المجموعة على اسم الفندق الفخم في مانهاتن حيث نشأ حلم شركة الاستثمار الخاصة في العام 1987، وكانت لمجموعة كارليل علاقة طويلة ومربحة مع عائلة آل سعود. في العام 1991 مهدت كارليل الطريق للامير الوليد بن طلال لشراء ما يقرب من 600 مليون دولار من اسهم سيتي كورب، والامير الوليد هو ابن أخ الملك فهد وسادس أغنى شخص في العالم بحسب تصنيف مجلة فوربس في العام 2001، مع أصول تقرب الى الـ 20 مليار دولار، وأكثرها من شركة المملكة القابضة التي مقرها الرياض.

الأمير الوليد لديه موهبة الحديث عما يدور في رأسه، فبعد فترة وجيزة من هجمات 11 سبتمبر، توجه إلى مدينة نيويورك للتبرع بمبلغ 10 ملايين دولار لصندوق الاعانة الذي أنشأه رئيس بلدية نيويورك رودي جولياني لمساعدة أسرى الضحايا.

الوليد بن طلال أرادها فرصة لتقديم النصائح المفيدة للولايات المتحدة الاميركية، والقول إن هناك حاجة “لإعادة النظر في سياساتها في الشرق الأوسط وتبني موقف أكثر توازنا تجاه القضية الفلسطينية”. وعلى ما يبدو، نسيت مجموعة كارليل أن تقول له إن الغالبية الساحقة في مدينة نيويورك مؤيدة لإسرائيل، وأن الأميركيين لا يحبون تذكيرهم بأنهم يعيشون على الاعانات السعودية، وان سياستنا الخارجية معروضة للبيع.

ولكن رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك ليس بحاجة إلى مجموعة كارليل لتذكيره بواقع السياسة الأمريكية. فهو قال للأمير على الفور ما يمكن أن يفعله “بالشيك”. والولايات المتحدة لن تعيد                    الـ 2.8 بليون دولار تضامنا مع جولياني.

موظفون بالمال السعوي

شيء واحد مؤكد حول إدارة كارليل: إنها لم تفوت فرصة لكسب المال. حيث استفادت من التدفق المستمر للنفط ومن تصاعد مشتريات الأسلحة السعودية، ومن خلال النظر الى صفقات كارليل ستجد ان افكار المجموعة ذهبت بعيدا، ولا يمكن وقفها، ففي العام 1990 تلقت كارليل من عقود BDM الدولية حصة تقدر بـ 50 مليون دولار سنويا لتوفير التدريب والخدمات التشغيلية واللوجستية للحرس الوطني السعودي، حراس آل سعود. (وباعت كارليل حصتها في شركة بي دي إم لـ تي ار دبليو أواخر العام 1997.) حتى بعد وقت قصير من هجمات 11/9، عملت كارليل أيضا كمستشار للعائلة المالكة حول برنامج التوازن الاقتصادي.

في الأدبيات الرسمية للمملكة، “التعويض الاقتصادي” يشجع برنامج الاستثمار الأجنبي في المملكة العربية السعودية، ويساعد على ضمان نسبة من عائداتها النفطية هناك. وبشكل غير رسمي، وبشكل أكثر دقة، فإن البرنامج يؤمن نسبة مئوية من جميع مبيعات الأسلحة المشتراة للسعودية، وسحب الرسوم والعمولات للشركات المملوكة بالكامل تقريبا من أعضاء العائلة المالكة.

قامت كارليل بتجميع ثروتها من خلال شراء عقود دفاع صغيرة وتحويلها الى عمالقة مثل بوينغ، لوكهيد مارتن، وشركة تي آر دبليو الدولية، -مزود الاسلحة الرئيسي للسعودية-. وعلى طول الطريق، امنت لنفسها تجارة السلاح، والدفاع، واصبحت الرقم 11 من بين أكبر المقاولين الاميركيين. وأكبر مستهلك للأسلحة الاميركية في العالم، المملكة العربية السعودية هي تقريبا السوق الثانية للطائرات الأميركية المقاتلة والصواريخ والدبابات والعربات المدرعة، والاسلحة الاخرى والخدمات المساندة. وكانت المملكة العربية السعودية أيضا تعتبر ثاني أكبر مستهلك، بعد الجيش الاميركي، لمركبات القتال برادلي، التي كانت بالنسبة لكثيرين دعما أساسيا لخط الانتاج الدفاعي للولايات المتحدة.

تدوير العلاقة بين الحكومة والعمل الاداري في واشنطن اشبه بمناقشة موضوع الزنا في الأسرة. ولكن اللاعبين المميزين لواشنطن يتوجهون مباشرة لمكتب توظيف كارليل في أسرع وقت بعدما يتركون وظائفهم الحكومية.

ومنهم: جيمس بيكر وفرانك كارلوتشي، كارليل آرثر ليفيت، الرئيس السابق لهيئة الأوراق المالية ولجنة الصرف، ووليام كينارد، الذي ترأس لجنة الاتصالات الاتحادية أثناء ولاية كلينتون الثانية، أفسانه بيشلوس أمين صندوق سابق ومدير الاستثمار في البنك الدولي وزوجة المؤرخ مايكل بيشلوس، وهي شخصية منتظمة الظهور في برنامج تلفزيوني مع جيم ليرر، وريتشارد درمان، الذي كان يدير مكتب الإدارة والميزانية خلال رئاسة بوش وأثناء إدارة ريغان، وشغل منصب مساعد الرئيس ونائب وزير الخزانة. هذا يثبت أن كارليل هي تكتل دولي.

لا أحد في واشنطن لديه اتصالات أفضل أو أكثر فعالية من فرانك كارلوتشي. فبالإضافة إلى منصبه كوزير للدفاع والأمن القومي كان كارلوتشي نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية بين العامين 1978-1980، بعد أن قضى فترة كسفير الولايات المتحدة في البرتغال، كما شارك أيضا في فريق جامعة برينستون للمصارعة مع دونالد رامسفيلد وبقيت علاقتهما ودية في السنوات التي تلت. (نص محذوف).

كان كارلوتشي نائبا لكاسبار واينبرغر في مكتب ريتشارد نيكسون للإدارة والميزانية في العام 1972، عندما عين زميل جديد في البيت الأبيض اسمه كولن باول، على سبيل الإعارة من الجيش الأميركي. وبعد ثماني سنوات، عندما قام رونالد ريغان بتعيين واينبرغر وزيرا للدفاع، أصبح باول مستشارا عسكريا له. وفي العام 1987 كارلوتشي، الذي كان يشغل منصب مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، ساهم بدفع واينبرغر نحو وزارة الدفاع، واصبح باول تحت امرته وهو اصبح مستشارا للأمن القومي. (كارلوتشي يحب أن يطلق على نفسه اسم “العراب”).

وفي التسعينيات عندما كان الرئيس جورج بوش الاب يبحث عن مهنة، فتح الجمهوري فريد مالك أمامه باب مجلس إدارة إحدى الشركات التابعة لكارليل وبعد عقد من الزمن، عندما كان بوش الابن حاكما لولاية تكساس، استثمر صندوق التقاعد للمعلمين 100 مليون دولار مع مجموعة كارليل.

المستشار الأكثر شهرة لكارليل كان “جورج هربرت ووكر بوش”، الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة الأميركية. وهو يحظى بإعجاب الطبقات الغنية في السعودية، والكويت لقيادته حرب الخليج، بوش وجون ميجور سافرا كثيرا إلى تلك البلاد منتدبين من كارليل، وفتحا الأبواب أمام بعض المستثمرين الأثرياء في العالم. في الواقع، وحتى عندما كان ابنه يخوض حملته الانتخابية للرئاسة في العام 2000، توجه بوش الأب إلى مجمع صحراوي فاخر خارج الرياض لمناقشة العلاقات التجارية السعودية-الأميركية مع ولي العهد الأمير عبد الله. وتصر كارليل على أن بوش لم يكن يحمل محفظة الشركة الاستثمارية خلال رحلته، بوش موثوق به ويتمتع بتقدير عال من كارليل فهو كبير مستشاريها.

ومثل العديد من مستشاري شركات الأسهم، يتم تعويض جورج بوش الأب عن وقته، وسمعته، عبر إشراكه في الاستثمارات التي يساعد على توليدها. وبوش يسمح أيضا بإعادة “الارباح” إلى صناديق الاستثمار الخاصة بكارليل والتي يكسبها عبر إلقاء الخطب نيابة عن الشركة – وهي عموما تتراوح بين 80 و100 ألف دولار للخطاب الواحد.

مرة أخرى، كارليل كيان خاص، وبوش هو مواطن عادي. وتحديد إجمالي ما هو مأخوذ غير مطلوب وغير متوقع، ولكن تدفعنا للقول بأن الرئيس السابق كسب من شركات الاستثمار، بشكل مباشر أو غير مباشر من المملكة العربية السعودية. وأي شيء غير ذلك يعتبر كلاما مسيئا.

لأن عقد كارليل ياتي من القطاع الخاص، فقط المديرون يعرفون كم لديهم من مال – 13.9 مليار دولار أميركي اتت من المستثمرين السعوديين اعتبارا من نوفمبر 2002 -. وكانت عائلة بكر بن لادن تضع 2 مليار دولار كاستثمارات في كارليل وهو ثاني شريك في الصندوق، الذي يتضمن مجموعة الدفاع وشركات الطيران الاخرى. كارليل وبن لادن افترقا في أكتوبر 2001، أي بعد نحو خمسة أسابيع على أحداث مركز التجارة العالمي وهجمات البنتاغون. وبقي حوالي عشرة سعوديين آخرين مستثمرين في المجموعة.

لا يشترط على كارليل الكشف عن التعويض السنوي لشركائها، أو عن صافي حصتهم في الشركة. وفي مقالة لصحيفة نيويورك تايمز في 5 مارس 2001 ، قدرت حصة جيمس بيكر، في الدعم الإداري والتشغيلي بـ 180 مليون دولار، وقد وصل إلى ذلك عن طريق تقسيم الشركة على ثمانية عشر شريكا، ومستثمر واحد خارج الأسهم الإجمالية التي تقدر بـ 3.5 مليار دولار (كان ذلك قبل أن تأخذ كارليل نصف أسهم الدفاع العامة التي حصدت 700 مليون دولار كأرباح.

يمكن أن تكون على يقين بان مجموعة كارليل ليست لعبة ( بيني وبين من كان سابقا.) فعندما استقال فرانك كارلوتشي من الرئاسة في نوفمبر 2002 حل مكانه الرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم السابق لو غيرستنر. وكان الشريك الذي تحدث إلى لي عن تفاصيل صفقات عزوزي، وأرقام الدعم الإداري والتشغيلي الذي بلغ 4،6 $ مليار.

أبق فمك مغلقا وخذ ما تريد

كنت في جنوب فرنسا في أغسطس 2002، في زيارة لأحد الأصدقاء الذي يحتفظ بمركب شراعي صغير بالقرب من مدينة كان. وعندما كنا نرسو رصدنا بجوارنا رجلا في يخت يحمل علامة تجارية جديدة وكان العلم الأميركي يخفق على اليخت. قال صديقي ان الرجل عمل لمجموعة كارليل، وقد بدأنا محادثتنا وصولا إلى المملكة العربية السعودية. وفي أول فرصة سألته عن عزوزي والدعم الإداري والتشغيلي الذي كان يقدمه، فالرجل يعلم بذلك، وبادر بالسؤال عن سبب اهتمامي. وعندما قلت له إنني كنت أكتب كتابا عن المملكة العربية السعودية، شعر بدوار البحر فجأة.

بالنسبة لمدينة فيها بيروقراطيون كسولين، واشنطن ستسعى دائما إلى الاستفادة من الأموال السعودية. وزير الدفاع ونائب الرئيس ديك تشيني عمل في منصب الرئيس التنفيذي لشركة هاليبرتون، وهي المستفيد الدائم من السعودية ومن مشاريع البناء سواء أثناء ولايته ام بعدها .

في أواخر العام 2001، مع خروج تشيني من الرئاسة كانت شركته القديمة تعاني من فضائح  مالية، وقد حصلت على عقد بـ 140 مليون دولار لتطوير حقل النفط السعودي الجديد. ونجحت شركة كيلوغ براون اند روت في محاولاتها للحصول على 40 مليون دولار مع اثنين من الشركاء اليابانيين لبناء مصنع الاثيلين الجديد.

ومثل السعوديين، اظهر تشيني اهتماما واضحا بنفط آسيا الوسطى، سرا وعلنا وعندما كان رئيس هاليبرتون، دافع تشيني عن حيدر علييف ضد الاتهامات التي وجهت للرجل الأقوى في أذربيجان، حيث قيل بأنه انتهك بشكل روتيني حقوق الإنسان، في حين انتقد إدارة كلينتون بسبب “فشلها … في وضع رصيد استراتيجي لأعمال النفط والغاز “. أيضا ساعد تشيني في عقد اتفاقية العام 1993 بين كازاخستان وشيفرون، بينما كان يعمل في مجلس النفط الاستشاري في كازاخستان.

وكرئيس لهاليبرتون، كان تشيني وسيطا للحصول على 489 مليون دولار كضمانات للقروض من بنك التصدير والاستيراد “لتيومن اويل” أو ” TNK”، وهو -كيان روسي شكل لاستغلال احتياطيات النفط في منطقة بحر قزوين. وفقا لصحيفة موسكو تايمز، الجزء الأكبر من القروض أي 292 مليون دولار، ذهبت لشراء معدات لشركة هاليبرتون لتطوير “TNK ” –حقل نفط ساموتلور-. هاليبرتون لديها أيضا عقود هندسية كبرى مع رئيس اتحاد قزوينBP أموكو.

عين “فيلب ميريل” مساعداً للأمين العام لحلف الناتو خلال إدارة بوش الأب، كما كان صديقا شخصيا مقربا من ديك تشيني وزوجته لين. وبالرغم من أن سيرتها الذاتية تبين حقيقة عملها في أوائل الثمانينيات لصالح إحدى مطبوعات ميريل وهي مجلة “واشنطن ماغازين” فقد أدى ميريل قسم وظيفته الجديدة في بنك الاستيراد والتصدير في أوائل كانون الأول 2002 في حفلة خاصة في المقر الرسمي لنائب الرئيس تشيني.

خلال السنوات الحالكة لعهد الرئيس كلينتون، انضم دونالد رامسفيلد وكولن باول إلى وزراء الخارجية الأميركية السابقين، هنري كيسنجر (عهدا نيكسون وفورد) وجورج شولتز (عهد ريغان) وشخصيات لامعة أخرى كمديرين لشركة “غالف ستريم” الجوية، وقد تم شراء هذه الشركة التي تصنع الطائرات الفاخرة في الستيعينات من قبل فريق استثماري يرأسه (تيدي فورتسمان) الذي كان مديراً مشاركا لحملة بوش الأب الانتخابية الفاشلة لإعادة انتخابه في 1992. كان عملهم في الأساس نفس عمل بوش الأب مع كارليل، من خلال فتح الأبواب للزبائن الحكوميين وفاحشي الثراء بمن فيهم السعوديون، وكان لهؤلاء الأشخاص الأربعة تأثير النجوم.

كافأ فورتسمان مديريه في 1998 بإعطائهم حصصا خيالية بسعر 43 دولار للسهم في أسهم اشتروها أساساً بأسعار تتراوح ما بين 3 – 28 دولار للسهم، وكانت حصة كيسنجر لعمله القصير لفترة خمسة أشهر في مجلس الإدارة تبلغ 876.000 دولار، بعد احتساب النفقات، وذكر “توماس توك” في عدد 21 كانون الأول في مجلة “نيو ريبابلك” أن شولتز حصل على 1.8 مليون دولار بينما حصل رامسفيلد على 1.9 مليون وباول على 1.49 مليون دولار.

في نوفمبر 2000، وليس قبل فترة طويلة تم ترشيحه ليكون وزير الخارجية، وتلقى باول تقريبا 100 ألف دولار – وذكر احد التقارير انه حصل على 200 ألف – مقابل نصف ساعة قدم فيها بعض التعليقات العابرة، في جامعة “تافتسر” في ولاية ماساتشوش، وتم دفع المبلغ من صندوق “تافتسر” للمتحدثين والذي موله (عصام فارس) نائب رئيس مجلس الوزراء في لبنان. وعمليا فإن كل قرش يملكه فارس يعود لتعامله مع الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي، وتركي بن عبد العزيز، وهما شقيقا الملك فهد. وعندما قبض باول المبلغ، كان يقلد سابقه بوش الأب الذي تجاهل سفيره في باريس عندما كان رئيسا كي يقضي بعض الوقت في منتجعات فرنسا الفاخرة في جزيرة سانت لوي الفرنسية.

في شركة “كورفس للاتصالات” التي كانت تتلقى 20.0000 دولار شهريا لتلميع صورة السعودية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، احتاج ثلاثة من المديرين لأكثر من سنة لكي يقرروا أن دورهم كناطق باسم دولة تدعم الإرهاب قد يكون له تأثير سلبي على أعمالهم. ولم تعاني شركة المحاماة العائدة لعضو الكونغرس السابق عن الحزب الجمهوري توم لوفلر من أي وخز مشابه للضمير.

كان لوفلر مدير جمع الأموال لحملة جورج بوش الابن الانتخابية كحاكم لولاية تكساس، والمدير المالي المشارك لحملته الرئاسية، فهو مقرب جدا من البيت الأبيض مثل ديك تشيني، وفي أواخر 2002 عرض السعوديون على شركة لوفلر للمحاماة مبلغ 720.000 دولار سنويا لتكون الممثل القانوني للمصالح السعودية في أميركا. وقد قبل لوفلر المؤسس والشريك في الشركة هذا المبلغ. فما هي جدوى النفوذ إن لم تستعمله؟

في مناخ أخلاقي آخر، كل هذا الود ما بين الحكومة في واشنطن، وغرف مجالس إدارات الشركات والرياض وباقي العالم العربي يجب أن يكون مؤشرا للخطر. فالحافز الاقتصادي موجود في كافة الاتجاهات بالنسبة للرئيس بوش الابن ومستشاريه كي يتمكنوا من أن يغمضوا أعينهم عن التلوث السعودي وبطريقة ما، لا نستطيع أن نلوم أحدا على سعيه للتقرب من السعوديين، لأن إمكانية إيجاد مسؤول أميركي لم يكن له رابط سعودي بشكل أو بآخرهي كمحاولة البحث عن ملاك في حفلة مجون.

برنت سكوكروفت، وهو مستشار الأمن القومي في إدارة بوش الأب، وصديقه الحميم والقديم يدير مجموعة سكوكروفت التي تسوق لخدماتها الاستخباراتية وتحليلها للأسواق لدى الشركات متعددة الجنسيات بما فيها شركات النفط والطاقة. وتذكر معلومات الشركة الدعائية (خبرتها الإقليمية الفائقة) في الشرق الأوسط وفي (روابطها القوية مع صناع القرار الرئيسيين) وسكوكروفت نفسه عضو في مجلس الإدارة لشركة بنزويل كويكر ستيت.

ولوجه المصادفة، فهو أيضا صديق حميم لمستشارة جورج بوش لشؤون الأمن القومي كوندليزا رايس، ولمدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينت، وهو يقدم النصح لكليهما حول كيفية تحسين المعلومات الاستخباراتية في الشرق الأوسط وفي حالة أخرى، انضم لورنس ايغلبيرغر، وزير الخارجية في عهد جورج بوش الأب إلى مجلس إدارة هاليبيرتون خلال فترة رئاسة ديك تشيني لمجلس الإدارة.

ويرأس هنري كيسنجر مجموعة (شركاء كيسنجر) التي تضم بين زبائنها شركة (بوينغ) وشركة (أتلانتك ريتشفيلد أركو) بالإضافة إلى العديد من الشركات الأخرى التي تمارس أعمالها في السعودية.

مثل سكوكروفت، وايغلبيرغر ورامسفيلد وباول وكل الآخرين، لا يسمح كيسنجر لأحد أن يطعن في نزاهته. ولا يتوقف أبدا عن استغلال علاقته مع القادة السعوديين والعرب الآخرين (بعد كل تلك السنوات) من الدبلوماسية المكوكية وزيارات كامب ديفيد، ولا يتوقف عن امتصاص الضرع المكتنز للبترودولار. فعلى ضفاف نهر البوتامك المشمسة، عندما يتقاعد المرء عن منصب عال، عليه أن يستفيد من ذلك. واللعنة على أي موظف حكومي صغير يجرؤ على أن يكشف ذلك. فإن أكثر ما يكره ممثلو الوضع الراهن هو محاولات كشفهم.

الروابط مع الزبون السعودي متداخلة وشاملة في واشنطن إلى حد أن الشخصين اللذين تمت تسميتهما لرئاسة المفوضية الرئاسية لدراسة الهجمات الإرهابية، وهما كيسنجر والنائب جورج ميتشل، السيناتور وقائد الأغلبية النيابية السابق، استقالا من عمليهما قبل مباشرة العمل في هذه اللجنة كي لا يجبرا على كشف قائمة زبائنهما.

وحتى يجد شخصا يرأس اللجنة لا تكون له علاقات مع الزبون السعودي، رشح الرئيس بوش الابن في النهاية حاكم ولاية نيوجيرسي السابق توماس كي، رئيس جامعة درو، والذي كانت أقصى علاقته بواشنطن العاصمة هي أنه تخرج من نفس المدرسة الخاصة جداً التي درس فيها آل غور والشقيقان الأصغر لجورج بوش الابن “نيل” و”مارفن“.

والجدير بالذكر أنه لدى ترشيح كين كان يعمل كمدير لـ “أرمادا هس” شركة النفط العملاقة التي دخلت في شراكة مع شركة النفط السعودية لتطوير حقول النفط في وسط آسيا، ولكن سنتحدث عن ذلك لاحقا.

حتى لويس فريش، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، قيل إنه تلقى عرضا للعمل مع السعوديين بعد تقاعده من المكتب عام 2001، وإذا كان كذلك يجب أن يستفيق صباحا منذ أحداث 11 أيلول يشكر الله والقدر أنه حصل على عمل بدلاً عن ذلك في MPNA لبطاقات الاعتماد.

وعلى مستوى التعاون، تقريبا كل شخصية مهمة في واشنطن خدمت في منصب ذي مسؤولية على الأقل في شركة قامت بالتعامل مع السعودية، وبشكل عملي كل صفقة مع السعوديين كانت غير شفافة، ضائعة في عاصفة رملية في الصحراء بالقرب من بئر حيث تنبع الأموال.

حتى شرائها من قبل (نورثورب غرومان) في أواخر 2002، (TRW) والمؤلفة من مدير الـ (CIA) السابق روبيرت غيتس ونائب وزير الخارجية السابق والسفير الأمريكي في اليابان مايكل أراماكوست، مستشارة الأمن الوطني كونداليزا رايس كانوا لعدة سنوات أعضاء إدارة في شيفرون والتي اندمجت في عام 2001 مع تكساكو.

شيفرون تكساكو هم شركاء مع آرامكو السعودية مع ستار أنتر برايز وموتيفا أنتر برايز، وبناءً على هذا التعاون والمناصب الحكومية فإن النفط يتم نقله إلى الولايات المتحدة، وأثناء قراءة هذه الكلمات من خلال ناقلة النفط التي سمتها شيفرون من أجل رايس.

شيفرون – تكساكو التي يتضمن مجلس إدارتها كارلا هيلز وزيرة الإسكان والتطوير الريفي في حكومة جيرالد فورد وممثل التجارة الأمريكية السابق في حكومة بوش والسيناتور السابق عن لويزيانا (بينيث جونسون) الذي كان مسؤولاً عن قضايا الطاقة في الكونغرس والسيناتور السابق عن جورجيا (سام نون) الذي خدم كرئيس لجنة القوات المسلحة و شارك مع (نيمير بتروليوم) لتطوير حقول نفط كازاخستان التي تحتوي على 1.5 مليار برميل من النفط وشركة (نيمير) مملوكة من قبل عائلة ابن محفوظ السعودية النافذة.

في عام 1999 وجدت الحكومة السعودية أن عائلة ابن محفوظ تملك البنك التجاري الوطني، ومنحت على الأقل 3 مليون دولار إلى الجمعيات الخيرية التي ذهبت بعض أموالها لتتحول إلى شيكات لابن لادن، وإحدى الجمعيات الخيرية كان من أعضائها عبد الرحمن بن خالد بن محفوظ الممنوع من الدخول إلى الولايات المتحدة في بداية التسعينيات بسبب تورطه في فضيحة (BCCI) البنك الدولي.

وفي مكان آخر بين الرياض وواشنطن، نيكولاس برادي وزير الخزانة في إدارة الرئيس بوش وأيديث هوليداي المساعد السابق لجورج بوش الابن الذي خدم في مجلس إدارة (أميراد هيس) مع توم كين.

أميراد هيس توحدت مع بعض أقوى الأشخاص في العائلة الحاكمة السعودية لاستغلال مصادر النفط في أذربيجان وفي عام 1998 شكلت أميراد هيس مشروعاً تجارياً (دلتا هيس) مع شركة دلتا أويل المملوكة للسعودية للتنقيب عن النفط في أذربيجان.

وشركة هيوستن شاركت أذربيجان في نفس السنة متحدة مع (دلتا هيس) وكان من بين مستشاري مجلس الإدارة لويويد بنتس السيناتور السابق عن تكساس، ووزير الخزانة السابق وفي عام 1988 مرشح نائب الرئيس عن الديمقراطيين، ورئيس سابق للـ (CIA) جون دويتش وإذا لم يكن هناك مديرون سابقون للـ CIA فإن مجالس الإدارة سوف يخترع واحداً.

هنا أيضاً القضية أصبحت معقدة (دلتا أويل) تم تشكيلها في بداية السبعينيات من قبل 50 ثرياً سعودياً بمن فيهم ولي العهد الأمير عبد الله، ووفقا لتقرير أيار عام 1999 للسفارة الأمريكية في الرياض، كان أكبر واحد فيهم هو محمد حسين العامودي وهو سعودي ينشط في إثيوبيا حيث يعمل عبر البحار في مجال البناء والبنوك والنفط والتعدين.

عائلات العامودي وابن محفوظ قامت بتشكيل عدة شركات ومن بينها دلتا – نمير وهي شركة نفط شاركت مع يونيكال في عام 1994 لتطوير الحقول في أذربيجان ومثل ابن محفوظ – العامودي اتهم بإعطاء الأموال إلى أسامة بن لادن من خلال العائلة التي تسيطر على بنك كابيتال ترست (بنك نيويورك ولندن).

إذا كانت الجمعيات الخيرية السعودية تقوم بتزويد بن لادن بالأموال في كل الاحتمالات، ويشبهون كثيرا مالكي الحانات الأمريكيين إذ أن معظم الأموال تذهب إلى الملاجئ والأرامل في بلدهم الأصلي لكن بعضها مما لا شك فيه تخصص لشراء البنادق والمتفجرات للجيش الجمهوري الإيرالندي.

الحكومة السعودية وواشنطن لم تسألا عن الحسابات، وتركا المؤمنين من آل سعود والميليشيات الوهابية يرسلون الأموال إلى بن لادن من خلال جهات غير معتمدة وإذا كان من السهل على المؤمنين في واشنطن فعل ذلك فإنه سهل أيضاً في الرياض وجدة.

حتى العوام في واشنطن بدأوا ينظرون إلى السعودية بقلق وهم يكتشفون أن شخصيات الحكومة الأميركية الفاعلة لا تستطيع أن تتقاعد بشكل مريح بالاعتماد على التقاعد الفيدرالي لقد أفهم السعوديون الأميركيين رسالة واضحة: أبق فمك مغلقاً عن المملكة، وسوف نهتم بك. سوف نجد لك عملاً أو نوجد لك كرسياً في جامعة أو ربما نعطيك سيارة لكزس ومنزلاً فخماً في جورج تاون.

والتر السفير الأمريكي السابق في السعودية هو رئيس مركز المريديان الدولي في واشنطن الذي أسس (مركزا لتعزيز التفاهم الدولي) ووفقا لموقعه الإلكتروني – المركز مدعوم من قبل المتبرعين السعوديين.

أعضاء مجلس الإدارة هم زوجات أعضاء الكونغرس: السيدة سبنس ابراهام والسيدة كين بنتس والسيدة جون برو والسيدة جون كورزين والسيدة وليام فرست والسيدة تشارلز هانمل، لتهجئة القسم الأول فقط من الأبجدية.

أدوارد اس. إندوالكر المساعد السابق في وزارة الخارجية لشؤون الشرق في عهد إدارة كلينتون والسفير في تل أبيب والقاهرة قبل ذلك وهو يترأس معهد الشرق الأوسط في واشنطن الذي تأسس في عام 1946 لتعزيز التعاون مع العالم العربي. عمل في عام 2001 بميزانية 1.5 مليون دولار. مبلغ مئتي ألف يأتي من المساعدين السعوديين وفقا لوالكر.

رئيس مجلس إدارة المعهد هو ميشيل فولدج آر السيناتور السابق عن جورجيا والسفير في الرياض في ولاية كلينتون الثانية والقسم الآخر في مجلس الإدارة يضم وزير الدفاع السابق جايمس شلزينغر ورئيس مكتب التحقيق الفيدرالي ومدير السي آي إيه وليام ويستر.

وقدم صحفيون أمريكيون مثالاً إثر مثال عن الدبلوماسيين الأمريكيين وموظفي وزارة الخارجية الذين يتركون مناصبهم في الشرق الأوسط ويوقعون مع بعض الهيئات المدعومة سعودياً ويبدأون حملة علاقات ويحاضرون في المؤتمرات وأي شيء آخر. ولم لا فنحن نجد مثالاً رائعاً في كيسنجر سكوكروفت وباول وكارلوكيس، فالأشخاص الصغار يحتاجون أن يأكلوا هم يأكلون أقل ولكنها القواعد نفسها: لا تر الشيطان ولا تسمعه ولا تكلمه.

الأمير بندر السفير السعودي في الولايات المتحدة أخبر قريباً منه أنه مهتم بالعناية بالمسؤولين الأمريكيين عندما يعودون إلى حياتهم الخاصة. السعوديون يهتمون بالأصدقاء عندما يتركون مكاتبهم سوف تفاجأ كم لديك من الأصدقاء الجيدين الذين يأتون إلى المكتب، مراقب لبندر وفقاً لمصدر في الواشنطن بوست.

عندما تكون غنياً بما فيه الكفاية يمكنك أن تشتري الرفاهية فقط لتكون متأكداً أن ما من أحد يجب أن يتذمر كثيراً فالسعودية تحتفظ بتريليون دولار في البنوك الأمريكية حسب اتفاق عقد في بداية الثمانينيات مع إدارة ريغان لدعم العجز الأمريكي، ويضع السعوديون أكثر من تريليون دولار في سوق الأسهم الأمريكية.وحسب مقياس 1/10 الإلزامي للأزمة الاقتصادية فإذا سحب السعوديون جميع ودائعهم من البنوك الأمريكية ستكون كارثة.

يمسك بمفاتيح واشنطن

في العام 1994 أعادتني “السي اي ايه” إلى واشنطن بعد سنتين قضيتهما في دوشانبي، بطاجيكستان، -أبعد وأفقر رقعة على وجه الأرض. وبصراحة، كنت سعيدا في العودة إلى البيت، قاذفا تلك الفترة خلف ظهري. فالآن لدي ما يكفي من الماء للاستحمام، وحصص الإعاشة العسكرية، والوقت الكافي للنوم من دون أن اسمع صوت رمايات الدبابات، وأنا بحاجة إلى استراحة قبل أن اذهب إلى جزء آخر من العالم. وبدأت أبحث عن بيت للإيجار في واشنطن.

عندما وقعت عقدي مع وكالة المخابرات المركزية (نص محذوف) كان علي أن أتحمل الحياة في واشنطن. ولكن لاحقا وجدت شقة في جورج تاون. حيث يمكنك الخروج بضع مرات في الأسبوع دون الحاجة لقضاء بقية أيام الأسبوع تأكل لحم الخنزير والفاصوليا. ولكن كل هذه الأمور تغيرت بحلول العام 1994. فالإيجارات في جورج تاون ارتفعت إلى سقف خيالي. وجميع الأماكن التي كنت قد تعلقت بها اختفت وحلت محلها المقاهي الفرنسية العصرية، ومحلات السيجار. فإذا كانت لديك عائلة وأردت أن تعيش حياة الطبقة الوسطى، عليك البحث عن ذلك في ولاية فرجينيا، أي على بعد ساعة سفر.

كنت على وشك التخلي عن ذلك المشروع والتوجه إلى مكان ما خارج بيلتواي عندما وجدت منزلا في باليسيدز، وهو حي قريب من جورجتاون. وكان المنزل يؤجر من شهر إلى شهر، ولكن هذا لا يهم. كان حجمه مثالي: ثلاث غرف نوم وحمامان، وعشب، وذلك أكثر من كاف بالنسبة لي ولعائلتي. وكان يبعد خمس دقائق بالسيارة عن مقر لانغلي بولاية فرجينيا. في الواقع، كان قريبا بما فيه الكفاية بالنسبة لي لركوب دراجتي إلى العمل: مباشرة عبر الطريق 123 على جسر فوق نهر بوتوماك، وصولا إلى بوابات وكالة الاستخبارات المركزية الأمامية. مما وفر علي شراء سيارة ثانية.

في احدى الليالي كنت في طريقي إلى المنزل ولاحظت وجود قافلة خارج الطريق 123 من بوتوماك، بقيادة “تشيفي سوبربان 2500” بأضواء ساطعة. في البداية ظننت أن الرئيس كان المسؤول الوحيد في واشنطن الذي يحصل على هذا النوع من الحماية، ولكن قبل أن تصل القافلة إلي، توجهت إلى البوابات الحديدية الضخمة، وفي ثوان اختفت السيارات التي تصطف على جانبي الدرب. عندها فقط لاحظت أنني كنت أسير بجنب الأمير بندر، السفير السعودي في الولايات المتحدة، ورغم ضبابية نوافذ الليموزين أدركت أن بندر عاد إلى الوطن .

في اليوم التالي سألت عن وضع بندر فقيل لي انه وحده من بين جميع السفراء يحصل على حماية وزارة الخارجية الرسمية. “ساكن الضواحي” يجب أن يكون منتميا إلى الدولة. وحتى ذلك الوقت، بدا لي وكأن الحادث يغلف شيئا مهما حول بندر، وواشنطن، ووكالة المخابرات المركزية، والعلاقة الغريبة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

وفي أحد الايام كنت على دراجتي، عندما مر رئيس وكالة المخابرات المركزية المسؤول عن حماية أمن أميركا القومي، والسفير السعودي في زيارة لعقار يطل على نهر بوتوماك – ويعتبر أفضل قطعة في ممتلكات واشنطن. ويشكل حجمه اكبر بعشر مرات من المنزل الذي اسكن فيه.

بندر يمكنه أن يتجول في البيت الأبيض ويدردش مع أي كان في أي وقت يريد. لقد احتجت لأسابيع للحصول على موعد مع موظف من ذوي الرتب الدنيا في مجلس الأمن القومي، وسأكون محظوظا اذا استطعت محادثته لبضع دقائق. كان بندر على اللائحة A في قائمة نزلاء و اشنطن، يمكنه تمرير اي رسالة حساسة إلى أي شخص في الحكومة أو للصحافة كلما احب ذلك – في ليلة افتتاح مركز كينيدي، وخلال حفل العشاء في بيت كاثرين غراهام – قالت صحيفة واشنطن بوست، ان بندر كان “لاعب” واشنطن، وليس وكالة المخابرات المركزية.

منزل بندر المترامي الأطراف، وأسلوب حياته اللامحدود، كانا تذكرة يسير فيها داخل واشنطن. وبغض النظر عن حماقة ما يعرف بالديمقراطية والعالم الحر، فواشنطن هي شركة، وبندر يتربع على مقعد مجلس الادارة. وإذا أردت الانتقال إلى المدار الخارجي تحل عليك اللعنة فالأفضل اللعب ضمن قواعدها.

كل ترتيب قد يجمع الولايات المتحدة والسعودية يحتاج الى شخص يكون له قدم في كل معسكر: للتواصل بشكل جيد على طرفي الخط، ويكون قادرا على التحرك بشكل مريح في الثقافتين، والتوسع بما يكفي لجعل الناس يسعون إلى شراكته، منتبها إلى كل التفاصيل التي تحصل ونتائجها في نهاية اليوم. محور واشنطن-الرياض هو شخص يدعى بندر بن سلطان بن عبد العزيز. الأمير بندر يصنف في الصفوف المنخفضة على الرسم البياني للعائلة المالكة، رغم أن والده هو وزير الدفاع السعودي، الا ان والدته كانت مجرد خادمة في المنزل- لكن واشنطن تهتم دائما بالمال وليس بالاصول.

في وقت مضى من العام 1983 تم تعيين بندر سفيرا للسعودية لدى الولايات المتحدة، اي في سن الرابعة والثلاثين، بندر كان يفوز بالأصدقاء ويؤثر على الناس، وكان طيارا متهورا ومقاتلا في سنوات شبابه، وهو مسلم بطعم اسكتلندي وسيجار كوبي، ومبعوث بمحفظة مفتوحة دائما، وقد أثبت نفسه كلاعب ممتاز، وعمل على حد سواء على الجانبين العام والخاص للدبلوماسية.

وكملحق عسكري سعودي في الولايات المتحدة، سجل بندر في العام 1981 انقلابا مذهلا حيث اقنع الكونغرس بالموافقة على بيع طائرات “أواكس” طائرات الإنذار المبكر إلى المملكة العربية السعودية، على الرغم من الاعتراضات شبه الهستيرية من ايباك، اللوبي الاسرائيلي الاقوى في واشنطن.

وفي وقت لاحق، عندما كان بندر سفيرا، دفع ديوان المملكة إلى إيداع 10 ملايين دولار سرا في بنك الفاتيكان -كما ورد في العام 2002 من قبل صحيفة واشنطن بوست-. المال الذي أودع جاء بناء على طلب من وكالة المخابرات المركزية بمديرها وليام كيسي لاستخدامها من قبل المسيحيين الديمقراطيين في إيطاليا في حملة ضد الشيوعيين الإيطاليين. في يونيو 1984 قدم بندر اول 30 مليون دولار من العائلة المالكة لكي يتمكن أوليفر نورث من شراء الأسلحة لثوار “الكونترا” في نيكاراغوا.

على الصعيد الشخصي سطع نجمه. وعندما توجه جورج دبليو وباربرا بوش إلى المملكة العربية السعودية في أواخر نوفمبر تشرين الثاني العام 1990 لزيارة القوات التي تحتشد هناك لإستعادة الكويت مرة أخرى من العراق، دعت زوجة بندر، الأميرة هيفاء، ابنة بوش المطلقة حديثا، دوروثي، وأطفالها للاحتفال بعيد الشكر في ولاية فرجينيا في مزرعة بندر. عندما التقى الرئيس بالأمير بندر في الرياض لعدة أيام بعد عيد الشكر، استقبل بوش الأمير والدموع في عينيه، قائلا: “أنتم أهل الخير” (الدموع هي الطريق لحساب بندر).

زيارة منزل بوش في “كينبنكبورت بولاية مين” خلال فترة الصيف جعلت العائلة تطلق عليه لقب “بندر بوش” وقد دعا بندر بوش للصيد في انكلترا، كما ساهم بندر بمليون دولار لبناء مكتبة بوش الرئاسية في كولج ستيشن، تكساس. وبناء على اقتراح بندر، أرسل الملك فهد مليون دولار لباربرا بوش في حملتها ضد الأمية، كما تبرع هو بمليون دولار لنانسي ريغان لحملتها ضد المخدرات .

ليس الأمير بندر السعودي الوحيد الذي لديه مصلحة في مكاتب الرئاسة وما شابه ذلك. مرة أخرى في أكتوبر 1983 عدنان خاشقجي – تاجر الأسلحة ووسيط إيران كونترا- قدم فاتورة بـ 50ألف دولار لمستودع جيمي كارتر الرئاسي في أتلانتا. وفي أواخر العام 2002، وضع الأمير الوليد بن طلال نصف مليون دولار للمساعدة في إطلاق صندوق جورج هربرت ووكر بوش للمنح الدراسية في أكاديمية فيليبس، أندوفر – ألما ماتر إلى جورج دبليو بوش كذلك. وقبل ذلك بعام، كان رودي جولياني قد رفض 10 ملايين دولار هدية من الوليد بن طلال.

خلال ولاية بيل كلينتون كان بندر يقضي أسابيع في قصره الجبلي في “أسبن” (خمسون ألف قدم مربع، واثنين وثلاثين غرفة، ستة عشر حمام ، قيم بـ55 مليون دولار). وفي الحقيقة فيختلف الرجلان في نمط حياتهما: بندر يبدو فخورا بماضيه العسكري، في كل مرة يبرز فيها مع كلينتون على ساحة الاستعراض.

كان لدى كلينتون باب خلفي إلى الرياض وهو صداقته مع الأمير تركي، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي، ويعود تاريخ تلك الصداقة إلى الأيام الجامعية في جورج تاون. ولكن مساعدين في البيت الابيض عملوا جاهدين للحفاظ على الرئيس بعيدا عن بندر. فآخر ما كان بيل كلينتون يحتاج إليه هو إمضاء وقته مع امير عربي فاحش الثراء.

ذكرت مجلة نيوزويك أن بندر لعب دورا بارزا في إقناع الليبيين بتسليم اثنين من مواطنيهم الذين يشتبه بتورطهم بأحداث العام 1988 في تفجير طائرة بان آم الرحلة 103 فوق لوكربي باسكتلندا. وقالت المجلة أيضا إن بندر ساعد بتحطيم المقاومة السعودية للتحقيق في تفجير أبراج الخبر من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي في العام 1996، لأن التحقيق بقي لأكثر من نصف عقد من الزمان بعد وفاة تسعة عشر جنديا هناك.

على الجانب الشخصي، استخدم بندر نفوذه لإقناع الملك فهد بالتبرع بـ 23 مليون دولار لمركز جامعة أركنساس، في لفتة نحو حاكم ولاية اركنسو الذي كان قد تم انتخابه رئيسا. كلينتون ضغط بقوة للحصول على المال خلال لقائه مع السفير السعودي في 1991، وفي نوفمبر 1992 خلال محادثة هاتفية مع الملك فهد بعد أسبوع من انتخابه رئيسا للبلاد.

الأموال جاءت بطريقتين: 3 ملايين دولار في البداية والباقي بعد أسبوعين: التوقيت هو كل شيء.

وكما يفعل في نهاية كل إدارة، يدعو بندر كل أعضاء مجلس وزراء كلينتون إلى العشاء في مطعم من اختياره، في غرفة خاصة أو عامة، اعتمادا على من هم على استعداد ليراهم الغير أو لا .

مع إدارة بوش الثانية، استعاد بندر البيت الأبيض بشكل مذهل، كما هو الحال عندما أحرقه البريطانيون في العام 1814، وحول نفسه إلى زائر دائم لرئيس الدولة. خدمته الطويلة في واشنطن جعلته عميد السلك الدبلوماسي، لكن كل الأطراف تحب أن تتحدث عنه. في ديسمبر 1997 انضم جيمي وروزالين كارتر وبوش الأب إلى بندر في قصره في نهر بوتوماك للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لزواج الأمير إلى الأميرة هيفا. وبعد سنتين، عندما زار نيلسون مانديلا واشنطن، كرمه بندر في حفلة في قصر ماكلين استمرت حتى الصباح ولحقها عشاء غنت فيه المطربة روبرتا فلاك.

وفي أبريل 2001 دعا ياسر عرفات ولي العهد السعودي الأمير عبد الله لرفع شكوى ضد الاحتلال بعد أن أطلق جنوده النار على قافلة تنقل مسؤولين في السلطة الفلسطينية. وبدوره عبد الله دعا بندرالذي كان على علاقة مع ديك تشيني، وكولن باول، للقيام بذلك وقد تعرف باول على بندر في أواخر 1970 من خلال ديفيد جونز رئيس هيئة الأركان المشتركة ورفيق بندر بكرة المضرب وخلال المكالمة التي استمرت ساعة تقريبا بين عرفات والأمير عبد الله، كان باول يقرا قانون مكافحة الشغب لارييل شارون في تل أبيب.

وفي منتصف العام 2002، تسربت كلمة للصحافيين بأن سياسة الدفاع شبه الرسمية للمجلس، الذي يرأسه المحارب ريتشارد بيرل، تقول إن المملكة العربية السعودية ليست صديقتنا عندما يصل الموضوع إلى “الإرهاب”. وعلى وجه الدقة، وصف التقرير المملكة العربية السعودية “بالمدمر الذاتي للعالم العربي وناقل الأزمات العربية”. “السعوديون ينشطون على كل مستويات الإرهاب، وهم مخططون وممولون، ومشجعون للإيديولوجية“.

مرة أخرى كان باول على الهاتف لساعات، ولكن هذه المرة ليؤكد لبندر ومديريه أن مثل هذه الردود ليست الموقف الرسمي لإدارة بوش. ولتعزيز الرسالة، دعا بوش بندر إلى مزرعة العائلة في كروفورد، تكساس، وهذه الدعوات عادة ما تكون مخصصة لرؤساء الدول.

سياسة الدفاع الأمنية يشتبه أن تكون العمل الرئيسي لهنري كيسنجر الذي صنعته السعودية، والذي تراس لاحقا ولفترة وجيزة لجنة الشريط الأزرق المكلفة بالتحقيق في الهفوات الاستخبارية التي سمحت بحدوث 11/9، وكان عليه أن يستقيل قبل مزاولة مهامه، لأنه كان هناك سعوديون على قائمة الموكل بالتحقيق معهم.

وقال بندر مرة لمراسل أميركي عبارة “لا تسأل، لا تخبر” قد يكون أخذها من آية في القرآن الكريم، وربما ينبغي نحتها على الباب الأمامي لوزارة الخارجية.

وعندما قيل أن زوجة بندر، الأميرة هيفاء، ساعدت -عن غير قصد- اثنين من الخاطفين بالمكوث في سان دييغو، زار باول وكالة الأمن القومي يوم 28 نوفمبر 2002، للدفاع عن الأمير والأميرة.

قال باول في مقابلة مع ميشيل كيلمان “لقد عرفت الأمير بندر والاميرة هيفاء لسنوات عديدة”، وأعتقد أنه من غير المرجح أنهما قد يفعلان أي شيء من شأنه أن يدعم أي منظمة إرهابية أو أفرادا إرهابيين ولكن دعونا نرى ما هي الحقيقة”. هل انكسرت الصفوف البندرية؟ هل كانت ادارة بوش ترسل رسالة مشفرة؟ ربما، ولكن باول كان يحاول أيضا التغطية على ما يحصل. في أوائل مارس 2001 استضافت الأميرة هيفاء على الغداء في ماكلين ثمانين سيدة من ابرز نساء واشنطن بما في ذلك زوجات دونالد رامسفيلد، زوجة رئيس الموظفين أندرو كارد، وزير الخزانة بول أونيل، وقضاة المحكمة العليا كلارنس توماس وأنطوني كينيدي. وضيوف الشرف: ألما باول، زوجة كولن.

الامر كان عاديا في واشنطن، ولكن بالنسبة لي أعظم مفاجأة في القضية برمتها لم تكن التبرعات التي قدمتها الأميرة هيفاء والأموال التي وجدت طريقها إلى الإرهابيين، فالمساهمات الخيرية للمحتاجين هي التزام أخلاقي عند المسلمين ومنصوص بالقرآن على ذلك، والأميرة هيفاء وزوجها تبرعا بالكثير الكثير من المال لهذا الهدف. ولكن كيف يمكن لأي شخص ان يعلم أن تلك الأموال قد تنتهي بيد الجهاديين؟ لنكن جديين: متى كانت آخر مرة طلبنا من المملكة العربية السعودية ان تحسب أي شيء؟ انها مجرد علامة أخرى على أن المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق، فواشنطن توقفت عن رؤية الصورة الكبيرة، منذ فترة طويلة.

مهما كنت تفكر في الجمعيات الخيرية السعودية- سبق أن قلت لك أن ما تعتقده قد يكون مبالغا فيه- كانوا يمارسون حقهم رغم أنوفنا لسنوات. مثل هجمات 11/9: لم يرهم أحد قادمين لأن أحدا لا يريد أن ينظر. في مارس 2002، اي بعد عام ونصف على مساهمات الأميرة هيفاء داهم عناصر وزارة الخزانة -مقر ولاية فرجينيا الشمالية- أربع جمعيات خيرية مقرها السعودية: مؤسسة SAAR، والصفا الاسئماني، والمعهد الدولي للفكر الإسلامي IIIT، ومنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية (هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية).

شملت المداهمة المقر المحلي لرابطة العالم الإسلامي، وهي مجموعة ممولة من قبل الحكومة السعودية، و أرسلت المال والسلاح إلى بن لادن. وساعد بندر المؤسسات الخيرية الخمس لاسباب إنسانية لفترة طويلة، ويمكن لمسؤولي وزارة الخزانة وغيرهم من الخبراء أيضا التحذير من خطر الجمعيات .

في شهادته أمام الكونغرس يوم 1 أغسطس 2002، ذكر ماثيو ليفيت، وهو زميل بارز بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن طارق حمدي، وهو موظف في IIIT قدم شخصيا لاسامة بن لادن بطاريات لهاتفه الستالايت، وساعدت SAAR و IIIT حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، موطن بعض الانتحاريين الابرع في الشرق الأوسط. من العام 1986 إلى العام 1994، أدار محمد جمال خليفة، صهر أسامة بن لادن، هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية مكتب الفلبين، حيث قام بتوجيه الأموال لتنظيم القاعدة. ومن خلال العمل الممتاز للشرطة الهندية تم منع موظف من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، السيد أبو ناصر، من تفجير القنصلية الأميركية في كلكتا.

وفي مقابلة مع “PBS ” حول المشاكل التي تواجه السعودية مع تدفق المال الى جميع أنحاء العالم، قال الأمير بندر أن “المال يسمح للسعودية جزيره العرب، بالذهاب إلى أوروبا، ونحن يمكننا متابعته للذهاب إلى الولايات المتحدة، وأميركا، إلى أن نفقد الاتصال به في الاخير. وبالنسبة للمساهمات التي قدمتها الأميرة هيفاء لاثنين من منفذي هجمات 11 ايلول (سبتمبر) فهي وصلت إلى 130أللف دولار .

تبرع سعودي مجهول الهوية بـ 550 ألف دولار لمسجد سان دييغو الذي كان بمثابة قاعدة للخاطفين، وكمية المال تجاوزت ما يقرب من نصف مليون دولار وتشير تقديرات مكتب التحقيقات الفدرالي الى ان التكلفة الإجمالية لهجمات 9/11 تجاوزت الـ 500.000$ وبعبارة أخرى، بندر – أو اي سعودي آخر – “يخسر” المال لدفعه لتسعة عشر جهاديا قاموا بمذبحة راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شخص. ولن ندري أبدا ما إذا كان المال ذهب حيث كان من المفترض أن يذهب الى ان يقرر السعوديون مساعدتنا في التحقيق.

في أكتوبر 2002 توجه وفد من الولايات المتحدة على راسه آلان لارسون وكيل وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية، إلى الرياض، ظاهريا للضغط على السعوديين لزيادة المراقبة على الجمعيات الخيرية والشبكات المالية لمواطنيهم. ولكن كما ذكر “جيف جيرث” و”جوديث ميلر” في صحيفة نيويورك تايمز، فإن القصة لا تنتهي عند هذا الحد: “توضيحا للمأزق المستمر الذي يواجه واشنطن وأميركا والنفط السعودي قال مسؤولون تنفيذيون ان السيد لارسون لديه بند آخر على جدول أعماله. انه يريد أن يضمن، ان السعودية ستضخ الملايين من براميل النفط الاضافية الى السوق العالمية، لانه سيكون هناك عجز ناجم عن هجوم قادته الولايات المتحدة على العراق “لاتسأل، لا تخبر، لا تعرف” وقبل كل شيء، لا تكلم الشر … وحافظ على النفط المتدفق. وللسعوديين الحق طول الوقت.

الرياض تحمل حفنة من أموال النفط، وواشنطن يسيل لعابها. أكثر وأكثر من ذلك، نرى نتيجة مزدوجة لتكيف بافلوف: فهناك عدم رغبة من جانب الوكالات الحكومية الأميركية في التحديق في الواقع، إلى جانب الاستيلاء على المال من قبل أولئك الذين لا يرون أن أقدام آل سعود تبدو متذبذبة.

ولكن التركيز فقط على المال، أو حتى على المال والنفط، هو ما يعقد القصة. زواج واشنطن وآل سعود هو أكثر بكثير من محكم. انها رياح اخذت طريقها من خلال الجغرافيا السياسية، والحرب العالمية الثانية، وقصر النظر أحيانا، ومن خلال النضال لاحتواء الشيوعية.

فرانكلين روزفلت لعب دورا بارزا، كما زعيم القبيلة محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب ورجل الدين ابن تيمية. وأخيرا، كل البذور الخبيثة زرعها ابن تيمية: “الأخوان المسلمون” .

لمعرفة المزيد عن هذا، أنا بحاجة إلى درس التاريخ وإلى تلقي دروس عن الجانب المظلم للاهوت الإسلامي. علي السفر إلى الأماكن التي لا يقصدها معظم الغربيين عن طيب خاطر .

بينما كنت اجلس في مكتبي في جنوب الهند، كنت كلما أقرأ، كلما أصبحت أكثر تحفزا للتعرف على الأخوان المسلمين. في ذلك الوقت لم أكن أعرف شيئا تقريبا عن الإسلام، ولكن ومن خلال النظر إليهم في “مدراس” – وهي إحدى مدن الهند التي يقصدها الكثير من سكان العالم للعلاج أو التعليم- وفي شبه القارة، كان الأخوان المسلمين مروضين نسبيا. ولكنهم كانوا يقومون بحرق المحلات التجارية الهندوسية، إلا أن تحركاتهم نادرا ما كانت تستمر على مدى يوم أو يومين. المسلمون في الهند لم يقوموا باغتيال السياسيين أو بتحضير السيارات المفخخة.

تأسست جماعة الإخوان المسلمين، في العام 1928 من قبل المصري، حسن البنا، لتنقية الإسلام وتخليص مصر من النفوذ الأجنبي. وفي العام 1947 أصبحت الجماعة عنيفة، من خلال مهاجمتها الشركات المملوكة من اليهود في القاهرة. وبعد مرور عام، فرضت الحكومة حظر على جماعة الإخوان المسلمين. وقال البنا عندما سمع الخبر “إذا دفنت الكلمات تبقى الأيادي”. في 28 ديسمبر 1948، حقق الإخوان نبوءة البنا من خلال اغتيال رئيس الوزراء المصري.. واستجابت الحكومة بقطع رأس الثعبان، ما أسفر عن مقتل البنا في1949 ولكن هذا جعل الإخوان أكثر تعصبا. بعد محاولة خلفاء البنا الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر في العام 1954، ضيق ناصر على الإخوان المسلمين تماما، وأصبحت القيادة إما تحت الأرض أو في المنفى.

الأخوان إلى الحضن السعودي

انتهى الأمر بمعظم الأخوان في المملكة العربية السعودية، ولكن ليس الجميع بالهرب . فقد هرب البعض إلى سوريا، حيث كان الطلاب العائدون من مصر قد أسسوا لهم فرعا في العام 1930. في نهاية المطاف، وفي الثمانينات تمكنت الحكومة السورية من سحقهم وأرسلت الأخوان مرة أخرى، إلى السعودية والبعض إلى ألمانيا الغربية (حيث تأسست خلايا مهدت الطريق لـ11 أيلول). وبقي آخرون في دمشق وفي أماكن أخرى في سوريا، تحت الأرض ولكن ليسوا بعيدي المنال.

كان ذلك في حدود المعلومات المتاحة. واستنادا إلى الرسائل التي جمعتها وكالة المخابرات المركزية فإنها لا تقدم شيئا عن الإخوان المسلمين.

افترض أنه لم يكن لديهم مصدر، أو جاسوس، أو منظمة، والوكالة ليس لديها بوضوح أي فكرة عن كيفية تنظيم جماعة الأخوان في سورية ومن أين يحصلون على أموالهم، بصراحة، هم كانوا مذهولين.

ومن الهند كان يمكنني أن أقول إن الإخوان ينتشرون مثل الفيروس. وقد برزت فروع لهم في أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، وأماكن أخرى، ولكن يبدو أن المشكلة الحقيقية هي في سوريا. حيث يمكن أن تكسر أو تسوى العملية السلمية مع إسرائيل.

رسميا، كانت واشنطن تريد رحيل حافظ الأسد- فهو كان مسلحا بالاتحاد السوفياتي في كل نزاع دولي تقريبا- ولكن إذا استعيض عنه بالإخوان، فهل يمكن التأكيد أن الأمور لن تزداد سوءا. إذا كان التاريخ دليلا، فالإخوان لن يجلسوا حول قصر الأسد لتدخين سيجار الهافانا، بل سيكونون في الجبهة، مما يعني احتمال مهاجمة إسرائيل. كيف يمكن لوكالة المخابرات المركزية أن تعرف إذا كانت للإخوان أي فرصة للاستيلاء على سوريا؟ عدم وجود جاسوس في جماعة الإخوان شيء لا يمكن تصوره، مثل البابا الذي ليس لديه جاسوس بجانب مارتن لوثر.

تلك الليلة في عمان وأنا في حانة في فندق انتركونتيننتال، كنت أود أن انجح حيث فشل زملائي، فقد كنت مقتنعا بان “علي” سيقول لي كل شيء عن الإخوان، سوف يطلعني على الحقائق العنيدة والصعبة. “علي” قد يكون علويا، لكن أحسب أنه منذ كانت حياته على المحك، جعل من عمله فرصة لمعرفة العدو (ولكن كنت صغيرا وساذجا) بطبيعة الحال، كنت أفضل الحصول على الحقائق، من سوري من الأخوان المسلمين، ولكن على ما يبدو التسديدة بعيدة، فليس لدي أي فكرة عن مكان العثور على واحد منهم.

في صباح اليوم التالي قبل التوجه إلى دمشق، ذهبت لرؤية رئيس الـCIA المتواجد في عمان توم تويتان. فقد عرفت توم عندما كان نائبا في دلهي وكنت أنا في “مدراس”. توم كان وديا ومتخصصا. كنت أظن انه في طريقه إلى الابتعاد، ولم أظن انه سيصبح نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية. في نهاية عمل توم ولسخرية القدر، زوج ابنته قتل عندما انفجرت طائرة بان آم 103 فوق لوكربي في اسكتلندا.

توم وأنا تحدثنا طويلا عن آليات وصولي إلى سوريا، كانت محطتي عمان من أجل تجاوز مطار دمشق، المراقب عن كثب من قبل المخابرات السورية. ولكن إذا أخذت سيارة أجرة من عمان إلى دمشق، يمكنك أن تدخل وتخرج قبل أن يلاحظك السوريون، وهكذا الخطة تتم.

عندما انتهينا، سألت توم عن الإخوان المسلمين في سورية، ولكنه تجاهلني. فساأت: “هل يمنحهم الأردنيون المال والملجأ، فقط لأنهم يكرهون السوريين- “ماذا يقول الأردنيون عنهم؟”.” نحن لا نضغط على الأردنيين للاطلاع على التفاصيل”، وهم لا يتطوعون للقيام بذلك ابد”. الإخوان المسلمين ليسوا هدفا بالنسبة لنا“.

كان تويتان يقول: “الوكالة ليس لديها معلومات حول الإخوان المسلمين”. وكالة المخابرات المركزية في الخارج تتجسس على البلدان أو الجماعات الإرهابية بناء على طلب القيادة المركزية. لا استطيع أن أؤكد لك ذلك ولكن أنا على يقين،يضع الاتحاد السوفيتي عمان في أولوياته. من الناحية العملية، الضابط الذي يعمل لصالح تويتان يقضي أيامه ولياليه بمطاردة الدبلوماسيين السوفييت، على أمل أن يجند احدهم للتجسس لصالح وكالة المخابرات المركزية. الإخوان المسلمون ليسوا الهدف المفترض، وعمان لم تضيع وقتها ومالها عليهم.

كان لدى تويتان أيضا مشكلة الثقافة في وكالة الاستخبارات المركزية. فأكثر الضباط كانوا في منتصف العمر، ومن القوقاز البروتستانتية. وإذا كان لديهم أي خبرة، فهي عسكرية. قليل منهم يتحدثون العربية، والذين يتحدثونها فهم يفعلون ذلك بطرقة سيئة للغاية. وبما أن معظم الإخوة يتحدثون الإنجليزية بشكل بسيط، حاجز الثقافة واللغة لا يمكن التغلب عليه من قبل وكالة المخابرات المركزية.

عمان كانت نموذجا لبقية الشرق الأوسط. الإخوان المسلمون كانوا خارج نطاق رادار وكالة الاستخبارات المركزية، والراديكالية السنية بشكل عام.

بعض المحللين تابعوهم في أوقات فراغهم، ولكن دون تدخل مديرية العمليات، بل ارتكزت تقديراتهم على مصادر من الصحفيين والأكاديميين.

منذ قيام جمال عبد الناصر بضرب الإخوان المسلمين في العام 1954، لم تعد تجد إخوانيا لإجراء مقابلة معه، بل كان ذلك مستحيلا تقريبا. فهم دفنوا أنفسهم بعمق تحت الأرض، والمملكة العربية السعودية، التي أصبحت راعية للإخوان بعد العام 1954، كانت كالكتاب الذي أغلق على “البراذرز”، ومعظم الأكاديميين والصحفيين كانوا نادرا ما يحصلون على تأشيرة إلى المملكة العربية السعودية. الإسلام المتشدد كان ثقب أسود عميق. وعندما ظهر أسامة بن لادن علنا في أواخر 1990، كان بالنسبة لمعظم الأميركيين، وكأنه آت من تحت القبور.

التمويل السعودي بقرار أميركي

لأكون منصفا، لم يكن خطأ وكالة المخابرات المركزية، فحتى 11 سبتمبر لم يكن هناك رئيس يهتم بما إذا كانت “لانغلي” تتجسس على الإخوان. وخلال الحرب الباردة، جافى الرؤساء النوم بسبب قلقهم من الاتحاد السوفياتي ومفاعلاته النووية. في الأساس، كانت وكالة المخابرات المركزية، تتجسس دائما على مسار الأسلحة النووية وما إذا كانت على الطريق.

كل الحروب القذرة التي كانت وكالة المخابرات المركزية غارقة فيها ، في خليج الخنازير وفي أنغولا، لها علاقة بالشيوعية.

على الأقل، ذلك هذا هو التفسير الرسمي – هذا هو التفسير الذي تريد واشنطن أن تصدقه، فالجواب الحقيقي هو أكثر تعقيدا-. نعم، كان الاتحاد السوفياتي مصدر إلهاء. نعم، كان الوصول إلى الإخوان المسلمين صعبا جدا، ولكن في النهاية هذا ما كان السر الصغير القذر في واشنطن : البيت الأبيض ينظر إلى الإخوان “كحليف صامت”، واعتبرهم سلاحا سريا ضد الشيوعية. وبدأ هذا العمل السري في العام 1950 مع الإخوة دالاس – ألين في وكالة الاستخبارات المركزية و جون فوستر في وزارة الخارجية – عندما وافقوا على التمويل السعودي للإخوان في مصر ضد عبد الناصر. وبقدر ما كانت واشنطن قلقة، كان ناصر اشتراكياعنيدا فهو قام بتأميم الصناعة والشركات التجارية الكبرى في مصر، بما في ذلك قناة السويس. واشترى أسلحته من الاتحاد السوفياتي، وكان يهدد بقذف إسرائيل إلى البحر.

مثل أي عمل سري فعال كان هذا مكتوبا بدقة. لم يكن هناك استنتاج لوكالة الاستخبارات المركزية، ولا مذكرة إخطار إلى الكونغرس. وليس هناك أي تمويل ولو قليل من وزارة الخزانة. وبعبارة أخرى، لا يوجد أي سجل. وكل ما على البيت الأبيض القيام به هو إعطاء إشارة إلى البلدان التي تأوي الإخوان المسلمين، مثل السعودية والأردن للقيام بذلك.

هذا ما حدث أثناء الحرب الأهلية اليمنية التي وقعت في العام 1962. عندما دعم ناصر الحكومة المعادية للولايات المتحدة وأرسل قوات للمساعدة، وأعطت واشنطن موافقتها للرياض لدعم الإخوان المسلمين في اليمن ضد المصريين. وكما قال توم تويتان “عدو عدوي هو صديقي دائما”: إنها قاعدة صارمة في الشرق الأوسط.

إذا تجسست وكالة المخابرات المركزية على الإخوان، ذلك في النهاية، كان سينقلب ضدنا يوما ما، توم تويتان أو أي ضابط آخر في وكالة المخابرات المركزية في منطقة الشرق الأوسط بطريقة أو بأخرى في واشنطن، ستكون وظيفته المقبلة في الطابق السفلي في لانغلي، وقد طلبت وكالة الاستخبارات المركزية من القسم المتعلق بالتمويل الأجنبي للإخوان المسلمين حذف أي نصوص ومعلومات تتعلق بهذا الأمر(نص محذوف) وفي العام 1980 عقد مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، صفقة مع المملكة العربية السعودية: أميركا قد تبادل الدولار بالدولار، المال السعودي قد يذهب إلى المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفياتي. (في العام 1981 دفعت المملكة العربية السعودية 5.5 مليار دولار) والجزء الأكبر من هذه الأموال ذهب إلى المتشددين في جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك عبد سياف .

كان سياف، رئيس الاتحاد الإسلامي، رجلا خطيرا يهتم بموضوع المال والسلاح، وهو طالب في جامعة في الأزهر، تم تجنيده مع جماعة الإخوان المسلمين ، وقال انه لم يتدرب مع الوهابيين في المملكة العربية السعودية. ولكن أحدا في واشنطن لم يرفع العلم الأصفر، ولا الأحمر، خوفا من إغضاب الرياض.

إذا كان السعوديون والباكستانيون جزءا من جماعة “الإخوان المسلمين الأفغان”، تقول حكمة واشنطن إن ذلك هو الثمن الذي يجب عليك أن تدفعه إذا كنت تتوقع منهم أن يقوموا “بالأعمال القذرة”. وإذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تقتل بدم بارد فهذا يكفي للوقوف في وجه المدرعة السوفييتية. واشنطن تفخر بنفسها دائما في خوض الحروب الرخيصة. إذا تم ضرب الهيمنة السوفياتية بنجاح، فإذن الإخوان المسلمين يعتبرون صفقة رائعة.

جون أشكروفت أصبح النائب العام في ذلك الوقت، لكنا جميعنا (نص محذوف) وجدنا أنفسنا على واحدة من قوائم تنظيم القاعدة. فنحن كنا نساعد الشعب الذي أصبح ألد أعدائنا. وربما كنت سأكتب هذه الكلمات من الجحيم، أو من سجن في خليج غوانتانامو.

أنا لم أحسب أي شيء من هذا عندما كنت اجلس في المقعد الخلفي من سيارة الأجرة الصفراء المتجهة بي إلى دمشق. كل ما أعرفه هو أن الإسلام هو كالبحر الهادئ – المشمس ولكنه يخفي في باطنه الكثير من الأمور.

وقد بدا لي أن الإخوان المسلمين متواجدون في كل مكان، وإلا كيف يمكن أن يبقوا على قيد الحياة في دولة بوليسية مثل سوريا؟ وكيف يمكن أن يتسللوا هم وأسلحتهم من الأردن إلى سوريا؟ ولماذا لم يذكر الأردنيون – أو المصريون ذلك لنا؟ فلو كانت جماعة الإخوان المسلمين حقيقة في الشرق الأوسط لن نعثر عليها إلا عندما تقرر هي الخروج إلى السطح.

في اللحظة التي رأيت فيها الجنرال “علي” وهو يصل في سيارة الجيب من طراز “واز” السوفيتي العسكري، عرفت أن المرور عبر عمان وركوب سيارة أجرة لمدة يوم كان مضيعة للوقت. فقد جاء إلى المكان مع مرافقة مسلحة وجنود بكامل عتادهم العسكري.

في اليوم الثاني من زيارتي، سألت الجنرال عن الإخوان المسلمين، “أنا لا أعرف” أجابني وقال “إنهم مجرد مجانين… الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو القتل وتابعت: “هم قادرون على الفوز بما يريدون”؟ فكان جوابه بجولة سريعة على مواقع الإرهابيين في دمشق، ومقر القوات الجوية، الذي تم بناؤه بعد تدميره بالكامل، عبر سيارة مفخخة حضرها الإخوان المسلمون.

وقد تحصن طرفا الشارع المؤدي إلى مركز الرئيس حافظ الأسد بخرسانة كبيرة، والشيء نفسه كان أمام السفارة السوفيتية. عربات مدرعة تقوم بدوريات في الشوارع، والشرطة توقف السيارات والمارة في عمليات تفتيش عشوائية.سرنا بجانب دمشق القديمة وشارع صممه الكسندر مخطط المدن العظيم، والآن تجد في هذه المدينة القديمة المحلات التجارية، وعربات التوابل تقف في الهواء الطلق، الباعة المتجولون، والأطفال يركضون في كل الاتجاهات..وبالكاد تستطيع أن تسمع وسط الصراخ. ووسط هذه الفوضى قال علي: “هنا إخوانكم“.

غادرت دمشق في اليوم التالي دون أن يقول لي “علي” أي شيء عن الإخوان المسلمين، كما انه لم يقل شيئا عن دينه أو عن المعجزة التي أبقت الأسد في السلطة لفترة طويلة. وهو ليس على استعداد ليقول لي أو لأي مسؤول أميركي آخر ما الذي يغطي سورية.

أنا متأكد من أن الإدارة تعتبر أن إرسالي إلى دمشق كان خسارة ولكن رحلتي إلى الشرق الأوسط كانت بفضل جماعة الإخوان المسلمين. وهي لا تزال لغزا بالنسبة لي – ولغزا يجب حله. شيء واحد لم يبد واضحا، حتى لو نجح الأسد في دحر الإخوان، فهم لن يعودوا بهدوء مرة أخرى إلى كهوفهم.

حاول الإخوان اغتيال الرئيس الأسد في 25 يونيو 1980. وأنا لا أعرف إلى أي مدى استطاعوا الاقتراب منه، وفي صباح اليوم التالي من محاولة الاغتيال استيقظت دمشق على أزيز طائرات الهليكوبتر وحركة كثيفة في المعسكرات غرب دمشق. كانت المروحيات تحمل وحدة من حراس النخبة، اتجهت شرقا إلى سجن تدمر العسكري، حيث يحتجز كوادر وعناصر الإخوان المسلمين، وبعدما فتح الحراس الأبواب، بدأ نقلهم إلى سجون أخرى، لإعدام السجناء. وعلى الرغم من إعدام المئات من الإخوان إلا أنهم لم يتراجعوا.

شهد العالم عواقب دموية في 6 أكتوبر 1981، عندما قامت منظمة الجهاد الإسلامي في مصر – اسم آخر للجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين – باغتيال أنور السادات. لن أنسى أبدا اللقطات التي عرضها التلفزيون مرارا وتكرارا، فالهجوم جرى في وضح النهار، وأمام العالم وكاميرات الصحافة، خلال عرض عسكري، بينما كان حراس السادات غافلين عنه أو أنهم جميعا كانوا يعرفون أنهم سيموتون في الهجوم. في العام 1993 ضربت جماعة الإخوان المسلمين، ومرة ​​أخرى تحت اسم الجهاد الإسلامي، فقامت مجموعة بمحاولة قتل وزير الداخلية ورئيس الوزراء. وفي العام 1995 حاولوا قتل حسني مبارك بينما كان في زيارة لإثيوبيا. وبعد ذلك بعامين، هاجم الإخوان معبد الأقصر، مما أسفر عن مقتل ثمانية وخمسين سائحا أجنبيا وأربعة مصريين .

وبطبيعة الحال، هم من قاموا بهجوم 11 سبتمبر 2001 في نيويورك تحت اسم “تنظيم القاعدة” وذلك بفضل أسامة بن لادن والطاقم نفسه الذي كان قد استخدم للقيام بأعمال قذرة في اليمن، وأفغانستان، وغيرها من الأماكن. الآن أصبحنا نحن أعمالهم القذرة والمملكة العربية السعودية وطنهم.

احذر من جاء إلى العشاء

الخرطوم، السودان – يناير 1985 بعد اغتيال السادات، كنت عازما على التحدث مع احد الأشخاص التابعين للإخوان المسلمين. وإلا كيف كنت سأعرف الإخوان؟ وإذا لم نعرف ما الذي جعلهم علامة فارقة، فكيف يمكن القضاء عليهم في أي وقت؟ لم أكن لأعلم ذلك في وقت قريب، ولكن أود أن أحصل على فرصتي لمعرفة ذلك.

في صباح أحد الأيام كنت في جورج تاون متجها للقاء كاتب – اسود طويل القامة، في أوائل الثلاثينات – كان مهتما بقراءة كتاب باللغة العربية. خالد، كان سودانيا، وهو طالب دراسات عليا في القانون. وقد تحدثنا لفترة طويلة، قبل التوصل إلى اتفاق على تدريسي اللغة العربية. أنا في حاجة للتعلم، وهو بحاجة للمال، فقد أحضر زوجته وأولاده من السودان وكان بالكاد يستطيع أن يعيلهم.

ولكن خالد جعل لغتي العربية أسوأ مما كانت، فالمشكلة أن لديه أسلوب تقليدي في تعليم اللغة. وقد حصل على شهادة بكالوريوس في الشريعة الإسلامية.

على الرغم من عدم نجاحنا في دروس اللغة إلا أننا أصبحنا أصدقاء. لقد ساعدت خالد على تعديل أطروحته، علمته كيفية القيادة، وحتى أعطيته سيارتي القديمة عندما تم تكليفي بمهمة في تونس. وهي كانت أول سيارة امتلكها. مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، كنت انضم إلى خالد وعائلته لتناول العشاء في شقتهم في آدامز مورغان، شمال دوبونت سيركل.

بعد أن غادرت تونس فقدت أثره. ولم اعرف عنه شيئا إلى أن تم تكليفي بمهمة في الخرطوم في يناير كانون الثاني العام 1985 فرأيت صورته في إحدى الصحف المحلية. وكان قد عين قاضيا لإحدى المحاكم الإسلامية الجديدة في السودان. فوضعت الصحيفة فورا وتوجهت مباشرة إلى مكانه. فالبحث عن صديق قديم في الخرطوم يعتبر شيء صعبا.

اثنان من رجال الشرطة الدينية حجبوا باب المحكمة الأمامي في وجهي عندما سألت عن القاضي خالد، موضحا أنه صديقي. فنادرا ما ترى غربيا في الخرطوم، وخاصة في قاعات المحكمة. في الداخل، كانت حجرة الانتظار وكان التيار الكهربائي مقطوعا. وبينما استدرت للمغادرة سمعت صوتا داخل القاعة بدا لي وكأنه خالد، ولكن لم أكن متأكدا، فلم اسمع صوته مرتفعا فقد كان معسول الكلام، ومهذب.

فجأة، توقف الصراخ. وبعد ثانية، تفرق الحشد، وخرج خالد يرافقه احد رجال الشرطة “وجلابيته” تجتاحها القذارة. بدا مصدوما لرؤيتي هناك، فهرع لمعانقتي، -واسمحوا لي أن أتوقف هنا-. “بعد ذلك تناولنا طعام الغداء”. وقال لي: “سيد بوب، يمكنك البقاء، وسوف نبدأ العمل على لغتك العربية مرة أخرى“.

لاحقا رافقته إلى قاعة المحكمة، فجلست على أحد المقاعد، واستأنف الصراخ كما لو أن شيئا حدث. وقف الجمهور يحدق في وجهي، ويستمع لخالد.

كان هناك رجل يقف في علبة خشبية أشبه بـ “علب الهوكي” الرجل لم يقل كلمة واحدة. وقد بدا كأنه لم يكن لديه محام، ولم تكن هناك هيئة محلفين. وبينما بدأ خالد بالكلام، فهمت أن الرجل تم القبض عليه بسبب سرقته وعاء من السوق في صباح ذلك اليوم. ودون سابق إنذار، خفض خالد صوته وقال: “بسم الرحمن الرحيم، أجد انك مذنب بفعل السرقة، وأنا احكم عليك بعشرين جلدة”. وبإشارة من خالد، قام شرطيان بإمساك الرجل من ذراعيه، وإخراجه من قاعة المحكمة.

بمجرد اختفائهم اندلعت الفوضى في المحكمة، فحوالي نصف الجمهور كان يصرخ بأن المحاكمة كانت عادلة، والنصف الآخر كان يصرخ ويبكي، وبالطبع هؤلاء هم أقارب الرجل وأصدقاؤه وعندما خرجنا من المحكمة رأيت الرجل مربوطا إلى شجرة، ووجهه إلى الأرض لتنفيذ حكم المحكمة.

في طريقنا إلى منزل خالد، لم نقل أي شيء، فخالد كان غير مستقر فقد ذهب بعيدا عن كل ما تعلمه عن القانون في أميركا، وقال: “كما تعلمون بوب، ليس هناك خيار في السودان، نحن في بلد فقير للغاية ومضطرب، فإذا فقدنا في أي وقت السيطرة على الأمور، سننتهي – وسوف نعيش مثل الحيوانات البرية. شيء واحد قد يفهمه الناس هو القرآن الكريم. نحن لن نتمتع أبدا بكماليات النظام القانوني الخاص بكم. من فضلك لا تنظر إلى هذا كأميركي “.

فسألت: “كيف يمكنك أن تعرف ماذا يريد الشعب؟“.أرجوك تفهم أن السودانيين متخلفين”… إنهم في بداية فهمهم للقرآن الكريم هل تعرف ما يفعله “الجهال” عندما يكونون مرضى؟ يقطعون صفحة من القرآن الكريم التي يعتقدون بأن لها علاقة بمرضهم، ويقومون بغليها في وعاء من الماء حتى ينزف الحبر، وبعد ذلك يشربون الماء، معتقدين بأنه سيتم علاجهم. هؤلاء الناس في حاجة إلى القسوة” اسمحوا لي ولكن “كيف عرفت أن هذا الرجل سرق الوعاء؟”…”لقد رأته الشرطة القضائية التابعة لي”. أنا اعتقد أن خالد كان القاضي والمدعي العام والدفاع والمحلفين، ومنفذ الحكم، الجميع في واحد.

وعلى الرغم من انه لم يقل أي شيء، كنت قد بدأت اشك أن خالد من الأخوان المسلمين. فقد تعلم في السودان على يد الأخواني حسن- الترابي عندما كان الترابي عميد كلية القانون في جامعة الخرطوم.

لم اذهب إلى المحكمة حيث خالد أبدا، ولكنني واصلت رؤيته بقدر ما أمكن. وعادة ما كنت أذهب إلى منزله في جنوب الخرطوم. ومنزله كان يدل على مدى الفقر الذي يعيشه القاضي في السودان. كنا نجلس على سجادة كورية الصنع، ولم يكن هناك تقريبا أي أثاث آخر. النوافذ بلا زجاج، وكانت زوجة خالد تعد العشاء في الخارج، وتسحب المياه من الدلاء البلاستيكية، ولا يبدو أن ذلك يزعج أحدا.

ضغطت على خالد ليحدثني عن الإخوان المسلمين. نظام الجنرال نميري بدأ يتمايل في أوائل العام 1985. وبدا الأمر وكأن عميد القانون خالد قد يستولي على السلطة. ويفترض أن الإخوان المسلمين يحصلون على تأييد قوي في الجيش. في إحدى الليالي سألت خالد إذا كان من الأخوان المسلمين، كانت لديه عادة محببة وهي انه يبتسم بعينيه. وبعد أن تومض لي بابتسامة قال “أنا صوفي، بوب” “أنا حقا لا أعرف عنهم شيئا“.

أراد خالد أن يقول لي إن الصوفية الإسلامية، لديها مجموعة من المعتقدات تتعارض مع الأخوان تماما، ولكن خالد لم ينكر ذلك.

حصلت على الجواب في وقت متأخر في إحدى ليالي مارس بينما كنت نائما كان أحدهم يطرق على بابي بشكل غريب، وعندما فتحت وجدت زوجة خالد بوشاح يغطي معظم وجهها. قالت لي: “لقد ألقي القبض على خالد ” “الرجاء مساعدتي لإخراجه فالأطفال لم يتوقفوا عن البكاء”، وتابعت: “الشرطة أتت واقتادته بعيدا”. ولم يكن لديها فكرة عن مكان احتجازه.

فعلت ما بوسعي لطمأنتها واصطحبتها لمنزلها. لكن ذلك كان كل ما يمكن فعله. وفي صباح اليوم التالي كان الخبر قد نشر في كل الصحف: وكان “نميري” يعتقل قيادات الأخوان المسلمين، وبالتأكيد خالد كان من بينهم.

عندما خرج الجنرال “نميري” من السلطة في ابريل نيسان العام 1985، أصدرت الحكومة قرارا باطلاق الترابي والإخوان، بما في ذلك خالد. وكان الترابي سيأتي لتقاسم السلطة مع الحكومة العسكرية الموالية للإسلام، وتحقيق حلمه بإنشاء حكومة إسلامية في السودان. أما بالنسبة لخالد، انتهى به الأمر كأستاذ في جامعة تمولها السعودية.

لم أره منذ ذلك الحين، ففي الوقت الذي أطلق سراحه، كنت قد عدت إلى واشنطن وذلك بفضل الفريق الليبي الذي ضرب مركز وكالة المخابرات المركزية.في أواخر العام 1985، تم تكليفي في مركز وكالة الاستخبارات المركزية الجديد لمكافحة الإرهاب وبدأت المهمة في مقر المحفوظات للبحث وراء الإخوان المسلمين، لم يكن الأمر سهلا. على الرغم من أن الغرض من لجنة مكافحة الإرهاب كان جمع ملفات وخبراء الـ CIAتحت سقف واحد، فـ CTC كان لديها متخصصين في كل شيء، من الجيش الأحمر الياباني إلى بادرماينهوف – وهي جماعة يسارية متطرفة شكلت في العام 1968 وسميت شعبيا باسم اثنين من قادتها في وقت مبكر، أندرياس بادر ل (1943-1977) وأولريكي ماينهوف (1934-1976). من سنواتها الأولى، وأعضاء من فصيل الجيش الأحمر يمولون أنفسهم من خلال عمليات السطو على البنوك وتشارك في التفجيرات الإرهابية وإشعال الحرائق، وخاصة في الشركات الألمانية الغربية والشركات والمنشآت العسكرية الألمانية الغربية والأميركية في ألمانيا الغربية. كما أنها قامت بخطف واغتيال الشخصيات السياسية ورجال الأعمال البارزين-.

في العام 1979 استولى الأصوليون السنة خلال موسم الحج على المسجد الحرام في مكة المكرمة، ما هز صورة العائلة المالكة إلى أن تدخلت الشرطة الفرنسية لاسترداد المسجد بعد ان رفض الجيش السعودي الأوامر. كما أحرق الأصوليون السنة السفارة الاميركية في اسلام اباد. وكان السنة المتشددون يهددون الولايات المتحدة أكثر من الجيش الأحمر الياباني، ولكن وكالة المخابرات المركزية ليس لديها مصدر واحد بين الإخوان المسلمين، فالملفات كانت محشوة بقصاصات الصحف القديمة، وعدد قليل من التحاليل والوثائق السرية من السفارات.

محاكمة أعضاء حركة الجهاد الإسلامي بتهمة اغتيال السادات كانت مثيرة للاهتمام. كان من المفيد معرفة الطريقة التي يتحرك فيها كوادر الجهاد الإسلامي ضد وحدات النخبة في الجيش المصري، وذلك من خلال تضييق الساحة الأمنية المحيطة بـ 6 اكتوبر.

المسؤول عن اغتيال السادات هو عمر عبد الرحمن العالم الأزهري المصري، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، وكان معارضا سياسيا لنظام الحكم في مصر، اعتقل في الولايات المتحدة وقضى فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، والتحريض على تفجير مركز التجارة العالمي.

أدهشني “ابن تيمية” رجل الدين السوري الذي برز في القرن الثالث عشر، الذي ولد في العام 1263 في “حران” قرب أورفة في تركيا، لكنه قضى معظم حياته في دمشق، حيث تواجد والده الذي هرب من المغول. العديد من مجادلات ابن تيمية وكتاباته تهاجم الفقه الإسلامي مما جعل منه واحدا من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في عصره. في العام 1306 أمرت محكمة إسلامية بسجنه وقضى بقية حياته وراء القضبان، في القاهرة والإسكندرية ودمشق. وتوفي في 1328، ولكن لماذا اتخذ ابن تيمية هذا الاتجاه وما علاقة كتابات هذا الرجل بمذابح الشرق الأوسط؟

كنا نبحث في المكان غير المناسب، ففي العام 1986 طرق بعض المنفيين من الأخوان المسلمين السوريين في ألمانيا باب السفارة الأميركية في “بون”، معتقدين بان أميركا قد تكون سعيدة بمؤامرتهم التي يحيكونها لإسقاط حافظ الأسد. وكما ذكرت في “لا مكان للشر”، أنا لم اعرف الكثير عنهم، ولم أكن بحاجة للسفر إلى ألمانيا لمعرفة لماذا أرادوا قتل الأسد. ولكن بعد سنة وفي بيروت، حصلت على فرصتي لقضاء بعض الوقت وجها لوجه مع الأخوان المسلمين. حتى أنني حصلت على بضعة دروس سريعة في الجهاد.

في أبريل 1987 مكثت في بيروت لعام تقريبا، وعندما سمعت عن تواجد صاحب ومؤسس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق عام 1957، وأحد أعلام الدعوة السلفية في العصر الحديث، زهير الشاويش في المنطقة الشرقية لبيروت فكرت في سبب بقاء هذا الأصولي الإسلامي في الشطر المسيحي لبيروت، بينما كان المسيحيون اللبنانيين بحالة حرب مع سوريا، والمتعصبون المسلمون كانوا قد بشروا مسيحيي الشرق بانهم سيكونون غذاء لأسماك القرش في البحر الأحمر جنبا إلى جنب مع اليهود. انه حكم توم تويتان مرة أخرى، فرتبت للقاء “الشاويش“.

بحثت عن “الشاويش” ووجدت انه معروف جيدا في سورية، وعندما حملت الحكومة السورية على الإخوان، اضطر لمغادرة البلاد. وبعد المرور عبر المملكة العربية السعودية وبعض الأماكن الأخرى، استقر في بيروت في أوائل 1980 وأصبح لاحقا صاحب مكتبة دينية.

لقاؤه لم يكن سهلا، لا يمكنني التوجه إلى متجره وتقديم نفسي على أني وكيل وكالة المخابرات المركزية. حتى لو كانت الولايات المتحدة حليفا لمسيحيي لبنان الموارنة، الشاويش ليس لديه أي سبب لإجراء محادثة مع وكالة المخابرات المركزية أو أي مسؤول أميركي آخر.

خطرت لي فكرة أن أقدم نفسي كأميركي من أصل لبناني، مسلم نشأت في الولايات المتحدة، وهذا ما يفسر لغتي العربية وجهلي للإسلام المكان الذي يقطنه “الشاويش” في بيروت الشرقية هو واحد من أكثر الأمكنة تعرضا لأحياء الخط الأحمر، والأراضي التي تفصل الأجزاء المسيحية عن الجانب المسلم: وفي الشارع الذي يقطنه كان هناك قناص يطلق النار والى أن وصلت قرب منزل الشاويش كانت أصوات الرصاص تملأ الجو.

كان منزل “الشاويش” مظلما كالقبر، فهناك حوالي خمسين برميل محشو بالرمل تسد جميع النوافذ والأبواب، وأكياس الرمل وصناديق الكتب لا تترك مساحة فارغة في المكان، وكان التيار الكهربائي يقطع في جزء من بيروت لأشهر. وبدا الأمر وكأن “الشاويش” لا يستطيع ان يشغل مولدا، أو ربما لا يهتم بذلك.

ومن ثم دخلت إلى إحدى الغرف المظلمة حيث وجدت “الشاويش” يجلس على سجادة رثة، يقرأ على ضوء الشموع، والجلباب يغطيه، ويمكنني أن أقول انه كان رجلا ضخما بلحية ونظارات متصدعة، وذو ملامح إسلامية راديكالية ولم يقف “الشاويش” لتحيتي لكنه دعاني للجلوس بجنبه على السجادة، وقال: ” تريد معرفة المزيد عن الإسلام؟” هذا جيد جدا.

تناول “الشاويش” في خطبه الحالة المزرية للإسلام، وفي صباح ذلك اليوم قال وهو غاضب أن القدس أصبحت بؤرة الصراع في الشرق الأوسط. وقال “الشاويش”: “هناك اثنتان فقط من المدن المقدسة في الإسلام، “المدينة المنورة ومكة المكرمة“.

ولمدة ساعة قدم تفسيرا مفصلا عن القدس وقبة الصخرة ودورها في شرائع الإسلام. وكانت كل جملة يقولها يقتبسها من القرآن أو الأحاديث النبوية. كنت أعرف أننا اقرب إلى النهاية عندما قام “الشاويش” بالتهجم على ياسر عرفات فاتهمه “الشاويش” بأنه سيس قضية القدس “فعرفات هو كلب وكذاب، وقال “بأنه تقليدي عربي” وأقر بأنه كأي وهابي: كان يكره أي شخص يعترض على سيادة المدينتين المقدستين.

ولعام على التوالي، كل مرة كانت تسنح لي الفرصة، كنت أغامر بالوصول إلى منزل”الشاويش” للقائه. كنا نجلس هناك بالساعات لقراءة كتاب “ابن تيمية” سطرا سطرا. فوجدت أن كتاباته كانت تستهدف المسلمين المتعلمين جيدا في القرن الثالث عشر، فلغته العربية كانت مدهشة. وكانت استنتاجاته مدهشة أيضا: “الإسلام يجب تنقيته”. جميع التراكمات متعلقة بزمن النبي. فالمسلمون يجب أن يعودوا إلى النصوص الأصلية.

بالنسبة لنا في الغرب، كان الجزء الأهم من كتابات ابن تيمية هو الذي يتبعه المتشددون الإسلاميون لتبرير قتل المدنيين المسيحيين. منذ إعلانه أن المسيحيين الصليبيين يستحقون الموت. وكان من واجب المسلم الموت من أجل قضيته. كان “ابن تيمية” مرجعية الفتوى التي دعت إلى اغتيال أنور السادات. وبرأيه حتى المسلم يستحق الموت إذا اشترك بقضية ما مع أعداء الإسلام، وجائزة نوبل للسلام التي حصل عيلها السادات مرتبطة برئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بصمات ابن تيمية طبعت على أحداث 11 سبتمبر أيضا. الناس في مركز التجارة العالمي يستحقون الموت لأنهم يدفعون الضرائب التي تذهب كمساعدات إلى إسرائيل.

الأهم من ذلك، ان “الشاويش” علمني أن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم مخلصين “لابن تيمية”. وقد استعرض تاريخ محمد بن عبد الوهاب الذي بدأ يعظ في المملكة العربية السعودية في القرن الثامن عشر، وعمل على خط دمشق منذ ذلك الحين، كان ابن تيمية مرجع الوهابيين الإسلاميين، وبات في وقت لاحق مرجعية طريق الإخوان المسلمين الراديكاليين.

أخوان سوريا وتأسيس القاعدة

قبل سقوط برجي مركز التجارة العالمي، كل شخص ينظر إلى الحقائق كان يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين على استعداد لتفجير أنفسهم في وجوهنا. ولكن حتى بعد مجزرة حلب والاستيلاء على حماة، لم يقل أحد في واشنطن أن ذلك كان “حريق في الحفر! “

في 26 أكتوبر العام 1988، تم اعتقال هاشم عباسي في نيوس، ألمانيا. وكان عباسي جزء من خلية للمتشددين الإسلاميين تضم صهره وزعيم الجماعة، محمد حافظ دلقموني، وكانوا يخططون لتفجير خمس طائرات مدنية. على الرغم من أن عباسي وغيره من المتآمرين كانوا وراء تفجير بانام 103، كانت الفرضية الأولى للمحققين هي أنه لا يزال هناك شيء للقيام به.. اليوم نحن نعرف أن هذا كان خطأ. فنحن سمحنا بإنشاء خلية هامبورغ .

11 سبتمبر لم شمل الإخوان المسلمين السوريين، واحد من الشخصيات الرئيسية في الجهاز الألماني للأخوان، مأمون دركزنلي، فر من سوريا إلى ألمانيا بعد معركة حماة. وعلى الرغم من نفي دركزنلي علمه المسبق بـ 9/11، فقد اعترف بأنه قدم المساعدة لثلاثة من خاطفي الطائرات. وقال لي مقرب من دركزنلي انه شارك في الهجوم على مدرسة المشاة في حلب في العام 1979.

محمد حيدر زمار هو مفتاح آخر لأحداث 11 سبتمبر، ومن المحتمل انه رتب لتدريب الخاطفين في مخيمات بن لادن الأفغانية. ثالثا، عبد المتين – تاتاري، وهو كان يدير شركة تابعة للإخوان المسلمين في هامبورغ. وكان نجل تاتاري قريبا جدا من محمد عطا وأعضاء خلية هامبورغ .

وربما هناك اثنان من الإخوان السوريين قدموا المساعدات للخاطفين في اسبانيا. والتفاصيل خارج نطاق هذا الكتاب، لكن النقطة الأهم هي أنه على الرغم من أن واشنطن تكره الأسد كان عليها أن تعترف أن معركة حماة وحلب لم تكن مشكلة محلية كما كان يقال. وتماما كما تغيبنا عن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، تغيبنا عنهم في الكويت. كنا نبحث عنهم بطريقة أخرى ولم نر خالد شيخ محمد، واحد من أغرب المسلمين واسمه مرتبط بأحداث مركز التجارة العالمي والبنتاغون.

ولد خالد شيخ محمد في الكويت في العام 1965 لوالدين من المهاجرين من بلوشستان، من محافظة متخلفة من باكستان. انتقل والداه إلى الكويت أملا بالاستفادة من الطفرة النفطية. وبدلا من ذلك، انتهى بهم المطاف في حفرة الفحيحيل، حيث يعامل الناس هناك بالطريقة نفسها التي يعامل بها سائر الآسيويين الذين يعيشون في الخليج، لاحقا أصبح والده مسؤولا عن المسجد، وأمه، كانت تغسل الجثث، واحد من إخوة خالد شيخ محمد انضم إلى الإخوان في 1980، عندما كان في الجامعة. ومن ثم انضم خالد شيخ محمد.

كان الانضمام إلى منظمة الإخوان المسلمين في الكويت يؤدي إلى عقوبات، تماما كما كان في المملكة العربية السعودية، على الرغم أنها شجعت على ذلك. وعندما اضطر ياسر عرفات إلى مغادرة مصر بسبب ارتباطه بالإخوان، رحب به الكويتيون هو والإخوة الفلسطينيين الأخريين.

بطبيعة الحال، كان تنظيم الأخوان المسلمين في الكويت خارج رادار واشنطن. مثل معارك حماة واغتيال السادات، حيث اعتبرت أن تلك الأحداث مشاكل محلية لا تثير القلق . مما سمح للإخوان الكويتيين بترتيب أمورهم كما يريدون. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشيعة الكويتيين متعاطفون مع إيران، ما يعني أن ثلث سكان الكويت يدعون للقلق من الإخوان.

في العام 1983، عندما قدم خالد شيخ محمد طلبا للحصول على تأشيرة للدراسة في كلية شوان في مورفريسبورو بولاية نورث كارولينا،لم يعر أحد ذلك أي اهتمام. وهو لم يكن أول شرق أوسطي يأمل في الحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة من الولايات المتحدة، ولا أتوقع أنه كان يسعى للعودة والعمل في صناعة النفط. (نفس الشيء حدث في الخرطوم عندما حصل الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن على تأشيرة إلى أميركا فلم يهتم أحد بان اسمه ووجهه قد نشر عبر الصفحات الأولى للصحف العالمية باعتباره الرجل الذي اصدر فتوى لاغتيال السادات).

مثل إخوته، وجد خالد شيخ محمد طريقه إلى أفغانستان، حيث تواصل مع “سياف”، الأفغاني حليف المملكة العربية السعودية. وكان قد التقى في بيشاور بأسامة بن لادن وجميع المتعصبين الجهاديين الأخريين ومنهم تعلم فنون الإرهاب. لم يكن هناك شيء مثل نصب الكمائن لاختبار بعضهم البعض لمعرفة من سوف يموت في سبيل الله. بعد ذلك عاد بثقة تكفي لارتكاب مجازر جماعية يوم 11 سبتمبر.

على أي حال، الأفغان لا يحتاجون إلى تدريب في القتال. حرب وكالة المخابرات المركزية هي محض ممارسة لوجستية. لم يكن لدينا الكثير من الاتصالات مع الجماعات المقاومة، مما يعني أن وكالة المخابرات المركزية كانت عمياء عن أشخاص مثل الشيخ.

هذا النهج كان واضحا في المملكة العربية السعودية. عندما ضيق عبد الناصر على الإخوان في العام 1954، فر المتمردون إلى المملكة العربية السعودية، حيث لاقوا الأذرع مفتوحة لهم. الإخوان عرفوا كيف علم ابن تيمية، القرآن الكريم.

الوهابيون المتطرفون، غزوا قبل فترة طويلة، الكليات الدينية والجامعات والمدارس الدينية في المملكة العربية السعودية. وبحلول العام 1961 كان الإخوان يرسخون وجودهم في المملكة وأقنعوا الملك سعود بتمويل الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لتحل محل جامعتي القاهرة والأزهر، المركز التاريخي للتعليم الإسلامي.

المملكة العربية السعودية تعمل كمقود للأخوان في صيف العام 1971 رتب الملك فيصل سفر وفد من الإخوان من المملكة العربية السعودية للتصالح مع السادات. وكان سعيد رمضان رئيس الوفد ولكن السادات والإخوان لم يتوصلوا إلى اتفاق، وقد سحبت المملكة العربية السعودية يدها. وذكر الصحفي المصري الأكثر شهرة، محمد حسنين هيكل، ذلك في كتاب “خريف الغضب“.

في أوائل السبعينيات لم يكن أحد يشك في أن المملكة العربية السعودية قد أصبحت قاعدة خلفية للإخوان. يمكنك تعريف حسن البنا والإخوان كما تريد، ولكن تعريفهم اليوم هو “إرهابيين”. شعار البنا كان: الله هو هدفنا، والنبي قائدنا، والقرآن دستورنا والجهاد طريقنا والموت في سبيل الله هو الهدف الأسمى وعلى الأرجح أن تلك هي الكلمات الأخيرة لخاطفي 11 سبتمبر .

بن لادن والوهابيون والأخوان

لمعرفة تأثير الاختلاط الوهابي والأخواني، نجد أن حالة أسامة بن لادن هي اكبر مثال، فهو كان طالبا في جامعة الملك عبد العزيز، ووقع بن لادن تحت تأثير اثنين من الأخوة المسلمين: عبد الله عزام ومحمد قطب. عزام، هو فلسطيني أردني، كان قد تم تجنيده من قبل الأخوان كطالب في جامعة القاهرة في الأزهر. وفي وقت قريب أصبح يعرف باسم “أمير الجهاد”، وبحلول ذلك الوقت الدولة الوحيدة التي من شأنها أن تأويه كانت المملكة العربية السعودية، التي قدمت له وظيفة للتدريس في الجامعة. عزام وبن لادن أمضيا بعضا من وقتهما في بيشاور، باكستان، خلال الحرب الأفغانية.

محمد كان شقيق سيد قطب الأخواني الأكثر تشددا بين المتطرفين في مصر، وهو شجع على فكرة أن جميع المسيحيين واليهود هم كفار ويستحقون القتل. أعدم سيد قطب في مصر العام 1966، ولكن مذهبه عاش.

نجد أن واشنطن تغاضت عن هذه المجموعات لسببين: الأول، الإخوان كانوا بجانبنا في الحرب الباردة، لمحاربة الاتحاد السوفياتي، ثانيا: السعوديون كانوا في تلك الفترة يخزنون النفط لنا.كان تنظيم الأخوان أشبه بالسرطان، يتغلغلون في الجهاز المضيف ولا يمضي وقت طويلا حتى ينتشروا في جميع أنحاء الجسم.

القرغيز” هم إحدى العرقيات التركية… استوطن القرغيز في وسط آسيا في دولة قيرغيزستان وقسم في آسيا الصغرى، والشيء الوحيد الذي تعلمه القرغيز الذين يعيشون على أطراف الإمبراطورية السوفياتية هو: “المقاومة هي السبيل الوحيد لتأمين طريقك“.

بينما كنت في قيرغيزستان مع جواز سفري الدبلوماسي الأميركي الأسود اللامع، لم يسهل تنقلي إلى تيان، بل قالت لي المسؤولة في المطار “انتظر مثل أي شخص آخر“.

أفترض أنها نالت نصيبها من المتاعب مع السياح الغربيين، فمنذ افتتحت قيرغيزستان جبال تيان شان للمتسلقين، المتنزهين، والصيادين، ازدادت عمليات خطف السياح من قبل قطاع الطرق وكانت “ايروفلوت” أو القوات الجوية القيرغيزية تخاطر بطائرات الهليكوبتر لإنقاذهم. وعند حدوث ذلك، كان الجيش القرغيزي ينشر قواته لتحرير الرهائن ودفع الاحتياطي إلى أعالي الجبال.

واحدة من الحالات الغريبة التي كنت قد سمعت عنها هي محاولة سيارة فيها هولنديين البحث عن طريق الحرير القديمة بين “أوش” – المدينة المليئة “بالاواسيس”- و”كاشغر” غرب الصين. كان لديهم جميع التأشيرات الصينية اللازمة، ولكن الحراس الصينيين على الحدود القرغيزية على ما يبدو لم يروا تأشيرات الدخول. أو ربما اشتبهوا بالدراجات المربوطة بالجزء العلوي لسيارة الهولنديين. وعلى أي حال، فإن حرس الحدود لم يسمحوا لهم بالدخول إلى بكين، ولم يكن هناك هاتف للاتصال ببكين. ولم يكن امام الهولنديون أي خيار سوى العودة إلى الوراء.

أوش” ممنوعة منعا باتا على الأجانب، فهي “موقع استراتيجي” و “دبلوماسي” وذهابي إلى هناك يعد مشكلة. لماذا الاتحاد السوفياتي مذعور من آسيا الوسطى؟. اعتقد أنها كانت تعيش شبح اللعبة الكبرى -حرب الظلال البريطانية- التي خاضتها روسيا في القرن التاسع عشر من أجل السيطرة على المنطقة. وكانت روسيا مقتنعة أن بريطانيا تعتزم تقويض إمبراطوريتها عبر آسيا الوسطى، وتعتقد بريطانيا أن روسيا كانت تحاول أن تفعل الشيء نفسه في الهند.

بريطانيا لم تفعل أي شيء لمساعدة روسيا في التخلي عن جنون العظمة لديها، خلال القرن التاسع عشر، اخترق البريطانيون شمال أمو داريا، -النهر الموحل الذي يفصل وسط آسيا الروسي عن أفغانستان-. معظم أولئك الذين عبروا الحدود إلى أماكن مثل أوش مكثوا قليلا، وتوجهوا لاحقا جنوبا نحو شبه القارة الهندية. في نهاية المطاف، الروس هم أكثر تخوفا من الإسلام مما هي عليه بريطانيا.

وقعت أول انتفاضة إسلامية خطيرة ضد السوفييت في آسيا الوسطى في العام 1918. والتداول في القيصرية الشيوعية كان بالتأكيد صفقة سيئة لمسلمي آسيا الوسطى. بعد مرور شهر على انتصار أكتوبر 1917 في الشمال، أرسلت مفرزة البلاشفة للاستيلاء على العاصمة الإقليمية الهامة من “طشقند”. وبدأ المفوضون الجدد جمع المواد الغذائية التي يمكن أن يضعوا أيديهم عليها والاستيلاء على محصول القطن في جمهورية الصين الشعبية. وسرعان ما تبعها مجاعة قتلت ما يقرب من مليون شخص في آسيا الوسطى.

كان البلاشفة يعملون لتعزيز انتصارهم في أماكن أخرى من الاتحاد السوفيتي، حصلت الانتفاضة. والفوز أعقبه فوز آخر. والتمرد حصد عشرين ألف جندي، معظمهم من الفلاحين المقاتلين، وجميعهم من المسلمين في النهاية، تفوق الشيوعيون على “البسماشي”، وبحلول العام 1920 طردوا “البسماشي” مرة أخرى إلى جبال طاجيكستان، وذلك عندما ظهر “انور باشا“.

وزير الحرب التركي خلال الحرب العالمية الأولى “أنور باشا” فر إلى برلين بعد هزيمة دول المحور، ثم ذهب إلى موسكو بدعوة من لينين. لينين كان يريد استخدام الكاريزمية التركية لجذب المسلمين في آسيا الوسطى إلى حظيرة الاتحاد السوفيتي، ولكن كما اتضح، كانت للباشا رؤية عظيمة: دولة عمومية تركية من شأنها أن تمتد من مضيق البوسفور إلى منغوليا. وفي شباط العام 1922، استولى الباشا على “دوشنبه”، عاصمة طاجيكستان الحديثة.

بحلول نهاية الربيع، كان قد سيطر تقريبا على إمارة “بخارى” كلها. في يوليو 1922 اضطر السوفييت للرد على غدر الباشا فقاموا بتقسيم الجنوب لمنعه. وقد قتل في معركة 4 أغسطس من ذلك العام. ولكن “البسماشي”، لن تنتزع تماما حتى العام 1934، وكان بعض المتمردين قد فكروا، بتحصين الوديان الجبلية النائية في طاجيكستان، ومعظمهم لجأوا إلى أفغانستان، والبعض الآخر تراجعوا بعيدا نحو المملكة العربية السعودية، ومنهم من أقام في مكة المكرمة وأصبح صوفيا أو وهابيا.

الأصولية الإسلامية لم تهدد الهيمنة الروسية في آسيا الوسطى حتى العام 1979، لكن ذلك كان مدهشا. لآلاف السنين، كانت أفغانستان هي الممر الرئيسي للتجارة بين الشرق والغرب، مما يعني أنها كانت أيضا عرضة للغزو والاحتلال. بدأت الاضطرابات الحالية في أفغانستان في العام 1973، وعندما حصل الانقلاب العسكري في الجمهورية الأولى في البلاد، انتهى الحكم الأجنبي والقبلي الذي استمر لقرون.

بعد خمس سنوات، استولى اليساريون المدعومين من السوفييت على الحكم، والحكومة الجديدة وقعت معاهدات اقتصادية وعسكرية على الفور مع موسكو.

لم يستغرق العالم الإسلامي وقتا طويلا للرد. في مارس 1979 استولى الأصوليون على الشعبة 17 من الجيش الأفغاني، ومقرها في هرات. بدأت الثورة على الفور بالتوسع، لتصيب بقية أفغانستان، وتهدد السوفييت، وكان النظام الإسلامي الجديد في طهران على استعداد لتأجيج الانتفاضة، بينما كانت الحكومة الإسلامية المتشددة في كابول أسوأ كابوس للسوفييت“.وقد بدوا مذعورين فخلال اجتماع طارئ في 17 مارس دعا وزير خارجية الاتحاد السوفيتي اندريه غروميكو المكتب السياسي قائلا: “إن المسلحين تسللوا إلى أراضي مقاطعة هرات من باكستان وإيران وانضموا إلى القوى المحلية للقيام بالثورة المضادة، التي تتألف من المتعصبين الدينيين، بينما قادة الجماهير يرتبطون بالشخصيات الدينية. “بعبارة أخرى، لم يكن من المتوقع أن يتواجه الاتحاد السوفييتي وجها لوجه مع الجهاد الإسلامي.

ذكريات “ثورة الباسماشي” معلقة في الهواء وكأنها جثة عفنة، الحدود الجبلية المشتركة بين السوفييت وأفغانستان تشهد موجة مد إسلامي في الجنوب.

كان الوضع يتدهور يوما بعد يوم، عندما تبين أن حكومة كابول لا يمكن أن تستمر لفترة أطول، بعد أن غزا الجيش الأحمر. وعبرت القوات لأول مرة الحدود عشية عيد الميلاد في العام 1979. بالنسبة للاتحاد السوفييتي، كانت هناك أبعاد خفية وراء ما حصل، فكل الأموال والجنود والدبابات -تي 72-، وطائرات – Mi-24 – لم توقف الأفغان.

بعد مرور عشر سنوات، بدأ الاتحاد السوفييتي نفسه ينهار، واخرج آخر جندي سوفييتي من أفغانستان. وكما كان يخشى المكتب السياسي، الفوضى بدأت تتفاقم عبر الحدود. وفي العام 1990 اندلعت أعمال شغب عرقية بين الأوزبك والقرغيز في أوش، وقتل أكثر من ألف شخص. والجمهوريات السوفيتية الثلاث التي تتقاسم وادي فرغانة – قرغيزستان وطاجيكستان و أوزبكستان – وضعت قواتها المسلحة في حالة استنفار.

في العام 1991 قاد أوزبكي عمره أربعة وعشرين عاما اسمه طاهر يولداشيف انتفاضة إسلامية في نامانغان، في منتصف المسافة تقريبا بين أوش وطشقند. وعندما تم قمعه بوحشية، فر يولداشيف إلى أفغانستان وشكل الحركة الإسلامية لأوزبكستان.

خلال الهجوم الأميركي في أكتوبر 2001، شنت الحركة الإسلامية الأوزبكية في أفغانستان حملة إرهابية متفرقة ضد طشقند، وتسلل الكوادر من خلال فرغانة .

روسيا ممر إجباري

اهتمام واشنطن، بالانبعاث الإسلامي في آسيا الوسطى كان قليلا، باستثناء شيء واحد: احتياطيات النفط والغاز الهائلة في المنطقة، وفي الخليج. فالجزء الأكبر من النفط يقع تحت كازاخستان، في حين أن الغاز يقع تحت تركمانستان، بنحو 260 مليار برميل من احتياطي النفط، وبقدر أكبر من احتياطي الغاز الموزع بين أميركا الشمالية ومنطقة بحر قزوين التي يمكن أن تغذي مصانع الولايات المتحدة لفترة طويلة. المشكلة الوحيدة كانت كيف نحصل عليها، كازاخستان وتركمانستان يقعان وسط منطقة سهوب أوراسية غير ساحلية.

في إطار الاتحاد السوفياتي، تم تصدير الطاقة في آسيا الوسطى غربا إلى روسيا وشرق أوروبا عن طريق شبكة معقدة من خطوط الأنابيب. وكانت هذه هي مشكلة النفط والغاز الآسيوي. جميع الأنابيب تمر عبر روسيا. الروس يمكنهم وقف الصادرات، لتضييق الخناق على الدول التي تحتاج إلى الطاقة. الطاقة لها قيمة فقط عندما تكون مصدر قوة للسلطة وخلاف ذلك، فإنه من الأفضل تركها في الأرض.

حالما انهار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، قررت واشنطن تحويل الطاقة في آسيا الوسطى إلى أصول استراتيجية. ولكن كيف تتجاوز خطوط الأنابيب الروسية لإيجاد طرق تصدير بديلة؟ فذلك سيجعل دول آسيا الوسطى مستقلة اقتصاديا. وفي أي وقت من الأوقات، الديمقراطية ستزدهر، مع الـ 260 مليار برميل من نفط قزوين لتصديرها بالكامل وبحرية، لن تحتاج للنفط في الشرق الأوسط.

يبدو أن اللعبة العظيمة يمكن أن تعود مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع الولايات المتحدة قبالة اثنين من أكبر القوى الإقليمية: روسيا وإيران. وبطبيعة الحال، شركات النفط الأميركية هي على قائمة الانتظار. شيفرون وموبيل، أكبر المشاركين، وقد حصلوا على تنازلات عملاقة في كازاخستان. أموكو اشترت حقلا ضخما في أذربيجان. يونوكال، وضعت خططا لإنشاء زوج من خطوط الأنابيب عبر أفغانستان.

الجميع يتجاهل حالة عدم الاستقرار السياسي التي لا نهاية لها في المنطقة – وعدم وجود أي شبكة نقل للطاقة. كيف يمكن لشيفرون، موبيل، واموكو الحصول على النفط وإخراجه من بحر قزوين؟ كان مسار خط الانابيب الأكثر أمانا عبر روسيا يمتد إلى البحر الأسود، ومن هناك عبر ناقلة إلى البحر الأبيض المتوسط​​، ولكن روسيا كانت ترغب في ابتزاز شركات النفط الأميركية. فهم كانوا يحصلون على ثلاثة دولارات مقابل كل طن من النفط. وكان هناك طريق بديل لتركيا، ولكن يجب أن يمر إما من خلال جورجيا أو أرمينيا.

المملكة العربية السعودية، في الوقت نفسه، لم تكن مؤمنة بالجدوى . وقال السعوديون: “من الحماقة التفكير بان نفط أسيا الوسطى قد يكون بديلا لنفط الشرق الأوسط، فلننسى عدم الاستقرار السياسي، ولننظر إلى التكاليف”.. نفقات رأس المال تتضمن استخراج نفط بحر قزوين، وكانت التكلفة تصل إلى ستة دولارات للبرميل، في حين أن تكلفة البرميل السعودي دولار او اثنين في أسوأ الحالات. في قطاع النفط، هذا لم يكن هناك انقسام حول أفضلية النفط السعودي وخاصة في أوائل ومنتصف التسعينيات حيث بلغت التكلفة عشرة دولارات للبرميل عندما تم سحب النفط من الجزء السفلي.

كانت تكلفة بناء خطي أنابيب رئيسيين لتصدير النفط 7 بليون دولار – أصبح بحر قزوين لا معنى له على الإطلاق، وخاصة للسعوديين عرف السعوديون لماذا كانت شركات النفط تشتري النفط عالي الكلفة : إنه يعزز ورقة الاحتياط لديهم. ويمكن حجز كل احتياطيات بحر قزوين، والمساهمون لن يكونوا أكثر حكمة، فهم لا يدركون مدى صعوبة إخراجه، ولكن المملكة العربية السعودية لم تكن تعرف نوايا حكومة الولايات المتحدة. الحرب الباردة انتهت، فمن يهتم إن كانت آسيا الوسطى مستقلة عن روسيا أم لا؟ المملكة العربية السعودية تعرف واشنطن، سواء قامت باستثمارات اقتصادية أم لا، فهي قد تضع وزنها المالي وراء نفط بحر قزوين. إذا استثمرت الولايات المتحدة ما يكفي من المال، فإنها قد تحقق الأحلام. فقد صرفت عشرات المليارات من الدولارات لتمويل حرب الخليج والولايات المتحدة أصرت على أن الحرب كانت ضرورية للحفاظ على الوضع الراهن – وللحفاظ على أمن المملكة العربية السعودية وللتأكد من أن آل سعود سيبقون مصرف العالم من النفط.

بسبب غضبها من واشنطن وحذرها من دوافعها، أبقت السعودية إصبعها على نبض بحر قزوين. دلتا النفط، أنشأها عبد الله ولي العهد والسعوديون الأقوياء الذين استثمروا في أذربيجان.                              (غضب السعودية من واشنطن، لم يمنع دلتا النفط من تجنيد اثنين من الشركات الأميركية بيزنس از بيزنس).

بعد أن تركت وكالة المخابرات المركزية، علمت أن المخابرات السعودية بشخص تركي الفيصل اتفقت مع شركة “بريداس الأرجنتينية” لبناء خط أنابيب للغاز من تركمانستان إلى باكستان، يمر عبر أفغانستان. وكانت هذه الصفقة مثالية بالنسبة “لبريداس”، لأن تركي كان له علاقات جيدة مع طالبان أكثر من أي سعودي. فهو قدم لهم مئات الملايين من الريالات.

الذهب الأسود، الصراع العرقي، الأصولية الإسلامية، الحرب الأهلية، والمطامع الروسية – إنها اللعبة الكبرى عادت من جديد. ولكن من كان يلعب ومن لا؟ وما هي قواعد اللعبة هذه المرة؟ هذا ما كنت أنوي معرفته.

رحلة الأربعين دقيقة من “بيشكيك” إلى “أوش” أعطتني الفرصة لجمع أفكاري حول ما كنت أتوقع أن أتعلمه في “فرغانة” وكيف؟ كان الأصوليون الإسلاميون يشنون حربا دون جبهات أو وجوه. فقد حاول العثور على صورة لزعيم الحركة الإسلامية الأوزبكية يولداشيف، لكن لم يكن هناك واحدة.

في شهر أكتوبر العام 1992 تم إجلائي من طاجيكستان المجاورة بسبب الحرب الأهلية بين السوفيتيت سابقا والأصوليين الإسلاميين الموالين. فجاء الأمر من مقر وكالة الاستخبارات المركزية بالعودة إلى واشنطن، حيث كان من المفترض أن ننتظر حتى نتمكن من العودة وإعادة فتح المكان.

كنت قد استخدمت كافة مهاراتي لإقناع رئيس قسم أوراسيا الوسطى، جون ماك غيفين، للسماح لي بالقيام بجولة في آسيا الوسطى.ولاحقا سمح لي بقضاء الوقت في فارسي في سمرقند، العاصمة القديمة لأوزبكستان، موطن خلافة الفاتحين من الإسكندر الأكبر إلى تيمورلنك.

قبل بضعة أيام وقع ماك غيفين أوامر سفري، وقال: “إنهم يتحدثون الفارسية في سمرقند؟” “لم أكن متأكدا، ولكن قرأت ذلك في القرن الرابع عشر”، فالأشياء لا تغيير بين ليلة وضحاها في شمال نهر آمو داريا.

لحسن الحظ، كان الدليل موجودا لدى وصولي إلى المطار. وعلى الرغم من انه لم يكن يعرف سوى حوالي ست كلمات باللغة الإنجليزية – كان ذلك يكفيه لتعليم الأدب الإنجليزي في الكلية التقنية المحلية – ولكن استطعنا التواصل باستخدام ما اعرفه من طاجيكية وروسية، وألمانية، الأهم من ذلك، انه كان مستعدا ليأخذني إلى أي مكان في فرغانة.

في صباح اليوم التالي توجهنا إلى “نمناغان” وهي تبعد ساعة بالسيارة، ومن المفترض أنها المكان الذي يحوي الأصوليين الإسلاميين في المنطقة. فأخذنا ننتقل من مسجد إلى مسجد، ولكن لم يكن هناك أحد في المنطقة. لم يكن هناك أي كتابات على الجدران. وعلى الرغم من أنه كان يوم الجمعة، وهو يوم مقدس للمسلمين، لم نر أي مظهر من مظاهر الأصولية في الخارج. بدلا من ذلك، بدا المكان في أوش – فاتر جدا. فقررت أن اجلس بجانب أحد المساجد، قبل أن أتوجه إلى السيارة، ولكن اخذ “ابراموف” بذراعي وأوقفني لأشاهد السيارة التي كانت تقف على الرصيف أمام المسجد، وفيها ثلاثة رجال كانوا يجلسون، ويراقبون.

قال “ابراموف”: “دعنا نذهب” وأنا لم اعترض. فالتصريح الذي احمله يسمح لي بالتنقل حول قرغيزستان وجزء من فرغانة، ولكن نحن كنا في أوزبكستان. فأقترحت أن نذهب إلى كوكاند. وبينما كنا نذهب بعيدا، كنت أرى أحد الرجال وهو يدون أرقام اللوحة بعد ساعتين، رافقني ابراموف إلى الفندق الوحيد الموجود في كوكاند. فكان المكان فارغا باستثناء رجل أوزبكي يجلس على أحد الكراسي في البهو فقال له ابراموف: أريد غرفة” فقال الأوزبكي “جواز السفر، من فضلك.” وتابع: “ليس لديك إذن لزيارة كوكاند” وهو يقلب بصفحات جواز سفر دون عناء النظر إليه. فمن الواضح، أن أحدهم قد أبلغه بأنني في طريقي إليه، وإنني افتقر إلى الأوراق المناسبة. فنيا، أنا تخطيت القانون. فالبرغم من أن أوزبكستان حصلت على استقلالها في العام 1991، فإنها لم تتجاهل النظام السوفييتي القديم وكانت تطلب وثيقة مرور لزيارة المدن والمناطق التي تعتبر حساسة. فلم تكن أوزبكستان تثق بالأجانب كأي دولة في الاتحاد السوفياتي.

مشى الرجل نحو مكتب الاستقبال لإجراء مكالمة. وبعد دقيقتين ظهر اثنان من رجال الميليشيا يرتدون الزي العسكري مع كلاشينكوف متدلي على الكتفين. فحصلت محادثة بين الأوزبكي وابراموف، ولكن كلها كانت بالأوزبكية، فلم أفهم كلمة واحدة. والنتيجة كانت ان ابراموف ابتسم وهز يدي ورحل. ولم أره مرة أخرى.

عندما ذهبت إلى غرفتي، رافقني الرجلان وبقيا أمام الباب. فاعتبرت أن هذا الموقف سخيف فأنا كنت مسافرا بجواز سفر دبلوماسي. ولم أكن من المعوزين، وأنا بالتأكيد لم أكن “بشماسي” فتوجهت إلى الطابق السفلي لمعرفة ما القصة، فتبعني أحد الرجال.

الرجل الأوزبكي كان لا يزال هناك، فسألته إذا كنت تحت الإقامة الجبرية. فقال: “لا فنحن هنا لحمايتك”. فالأمور خطيرة جدا في فرغانة. فسألته: “هل لي أن أتمشى حول كوكاند هذا المساء؟” فقال: “لا البشماسي موجودون بكثافة في الليل“.

في صباح اليوم التالي طرق الأوزبكي على بابي، وقال: “يمكننا زيارة كوكاند هذا الصباح، وكان يقف وراءه رجل بملامح روسية، مرتديا زيا مطابقا للأزياء الأوزبكية. لم يقدم نفسه، وأنا لم اعرف من كان فعرضت على الأوزبكي اخذي لزيارة المسجد الرئيسي بدلا من الجولة على مصنع النسيج الرئيسي في كوكاند.نظر الأوزبكي والروسي لبعضهما البعض مستهجنين طلبي.

تم بناء المسجد على طول خطوط آسيا الوسطى التقليدية، مع قبة مزينة بالبلاط، وبينما كنت أتجول وجدت أن الفصول الدراسية فارغة، وكان هناك رجل بعمر الخمسة والستين، يرتدي الجلباب ويجلس على الأرض، مستمعا لصبي يقرأ سورة من القرآن الكريم باللغة العربية، وأشك بأنه كان يفهم كلمة واحدة. وقف المرافقان عند الباب، في حين جلست على الأرض و تحدثت إلى رجل الدين، أو حاولت ذلك.

بدا رجل الدين مستغربا عندما القيت عليه التحية بالطاجيكي. وقال انه لم يتحدث الطاجيكي أو لم يرغب في التحدث بها أمام المرافقين. وقال بالروسية “أنا لا افهموعندما حاولت التحدث بالعربية، بدا وجه الرجل مشرقا. وسأل: “إذا أنت عربي”. قررت تجنب هذا السؤال فلو قلت له الحقيقة، كان سيصمت لاحظت أن المرافقين كانوا يشعرون بالغضب، وكانوا يهمسون لبعضهم البعض، لا شك أن رجل الدين كان يتحدث بلغة لا يفهمونها. وسألت: “من الذي دفع ثمن هذه؟ مشيرا إلى كومة من المصاحف الجديدة الموضوعة على الطاولة في الزاوية .

وبينما كان يأتي بواحد لي قال: “تم التبرع بهم من قبل منظمة الإغاثة الإسلامية الدولية، الأكثر نشاطا في العالم، وهي المنظمة التي هوجمت بشكل كبير بعد 11 سبتمبر.

هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية تأسست في العام 1978، وهي جمعية خيرية مستقلة خاصة، على الأقل على الورق. وهي مؤسسة حكومية سعودية، تحت سيطرة العائلة المالكة. شقيق الملك فهد بن عبد العزيز سلمان وافق شخصيا على كل الإنفاقات. وكان لإنشاء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية دور هام في مسيرة دعم المملكة العربية السعودية للإسلام المتطرف.الجمعيات الخيرية التي يرعاها آل سعود – كهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية تمثل “مذلة العرب” ولهزيمتهم في حرب حزيران 1967 مع إسرائيل. فعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لم تقاتل في الحرب، الا انها لوحقت بالكثير من الاتهامات. فلماذا لم تخصص العائلة المالكة السعودية عائدات النفط لبناء جيش يحقق النصر ضد الإسرائيليين؟ لماذا كان أمراء آل سعود يقامرون في مونت كارلو عندما كان ينبغي أن يكونوا على الجبهة مع المؤمنين الآخرين؟ وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية هي الحارس للعتبات المقدسة الإسلامية، إلا أنها جلست على الهامش بينما كان يسحق الإسلام. وبعد العام 1967 كانت السعودية حريصة على تدفق المال لهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.

عندما قررت المملكة العربية السعودية تمويل المجاهدين الأفغانيين في وقت مبكر من العام 1980، أثبتت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية أن هناك حلا مثاليا، المال مقابل الإنكار. إذا قامت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بتخطي القانون في بعض البلدان، أو ضل أحد موظفيها طريقه وانضم إلى الجماعات الإرهابية، المملكة العربية السعودية يمكن ببساطة أن تنفي مسؤوليتها، وتسحب العائلة المالكة يدها دون الشعور بالحرج كما حدث على مر السنين.

كانت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية مؤيدة لعبد الرسول سياف، وتولى سياف رئاسة الاتحاد الذي توحدت فيه المنظمات الجهادية كلها في العام 1980، والذي لم يستمر طويلا، بعد أن توحدت الأحزاب الجهادية، واختير سياف رئيسا لهذا الاتحاد، بعد أن تشتت الاتحاد وبعد عودة المنظمات الجهادية كلها إلى أعمالها وأنشطتها المستقلة، أعلن سياف حزبه السياسي الجديد باسم “الإتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان ووضع سياف تحت قيادته بن لادن وغيره من الشباب السعودي الذين جاؤوا للمساعدة في طرد الروس-.

تولت هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية مهمة التبشير في آسيا الوسطى، على الرغم من أنها كانت صغيرة، ولكن ما هي الرسالة التي كانت تبثها؟ هل هي دعم لحركة سياف في آسيا الوسطى؟ والجهاد الحديث؟ أو هل كان حمل المصاحف، مجرد محاولة لتذكير المسلمين في آسيا الوسطى للعودة إلى الإيمان؟.قررت أن أسال رجل الدين: “هل المملكة العربية السعودية أرسلت لك أيا من أعمال ابن تيمية؟”. فإذا كان السعوديون يوزعون أعمالهم، فهذا يعني أنهم كانوا يقومون بأكثر من التبشير.

فقال رجل الدين: “من”؟.

المصاحف التي تبرعت بها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية هي مجرد بداية، وموطئ قدم للجهاد المتكامل. رجل الدين ربما لم يعرف عن ابن تيمية، ولكن أنا مقتنع بأنه في يوم من الأيام سوف تأتي هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، بابن تيمية، السعوديين كانوا على يقين بأنها كامنة وراء الستار. ماذا عن الولايات المتحدة؟ هل تعد نفسها لما هو آت؟.

عندما وصلت إلى طشقند في صباح اليوم التالي، اطلعت الرئيس عن زيارتي إلى المسجد وسألته ماذا يعرف عن دور السعوديين في فرغانة. فهو أمضى في البلاد حوالي ستة أشهر فقط، ولكنه كان يتقن الروسية، وقد جال كثيرا.

ولكنه قال: ليس لدي أدنى فكرة، المملكة العربية السعودية ليست هدفا”، وأنا لم اذهب إلى فرغانة”، كان لدي نفس المشكلة التي عانيت منها في بيروت عندما كنت أتعرف على “زهير الشاويش”، دون توجيه من لانغلي للنظر في الأصولية السعودية في آسيا الوسطى، ورئيس وكالة المخابرات المركزية لم يكن حتى من المفترض أن يفكر في ذلك.

وتابع: “يمكنني أن أسال الأوزبك، لكنني أعرف مسبقا أنه لن يقول لي أي شيء”. سوف يقولون أنه شأن داخلي، أما بالنسبة للاوزبك، فقد حصلت على انطباع قوي بأن معاملتهم للمقاومة الإسلامية الأصولية هي نفس الطريقة التي تعامل فيها المفوضون السوفييت مع التمرد البشماسي، فهم ينعتونهم بأنهم عصابات من المجرمين.

قضيت أسبوعا في طشقند في مجمع السفارة. وعلى الفور لاحظت أن البقاء على قيد الحياة كان في ذهن الجميع. كان السكن رديئا، السباكة لا تعمل، وكان هناك دائما نقص في البنزين. وإذا وجد أي وقت فراغ في نهاية اليوم، كان العاملون في السفارة مثقلين ببعض المشاريع التي توكلهم اياها واشنطن، مثل إنشاء “فيلق السلام” أو “تدريس الأوزبكيين كيفية تشغيل آلات التصويت”، ناهيك عن أنه لا يوجد انتخابات ديمقراطية في أوزبكستان. في غضون ذلك، تجد انه ليس هناك من أحد يفكر في عمل أو أهداف هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والسعودية ووصولهم إلى وسط آسيا.

لم أصل إلى سمرقند لدراسة اللغة الفارسية، فوكالة المخابرات المركزية فتحت مكتبا في دوشنبه في يناير كانون الثاني عام 1993، وأنا عدت إلى العمل، ولم يمض وقت طويل قبل أن ترفع المملكة العربية السعودية رأسها.

قامت جماعة متمردة طاجيكية إسلامية بعبور نهر بانج من أفغانستان وتمكنت من تجاوز الحدود الروسية بعد قطع رؤؤس الحراس.

لم أتمكن من معرفة ما كان هدف المملكة العربية السعودية من هذا الهجوم، لم يكن لديها أي قوات في أفغانستان، على الأقل رسميا، والجزء الأفغاني الذي مر عبره الثوار كانت تسيطر عليه مجموعة يفترض أنها تأخذ أوامرها من طهران.

ولكني كنت مخطئا. المتمردون كانوا تحت قيادة رسول سياف، والاتحاد الإسلامي الذي يحميه بن لادن.. لم أكن أصدق ذلك، ولكن يبدو أن الروس يلقون باللوم في كل شيء على المملكة العربية السعودية، من الحرب في أفغانستان للقتال العرقي بين الأرمن والأذربيجانيين في أذربيجان. كما اتهموا السعوديين بدعم الانفصاليين الشيشان الذين أعلنوا استقلالهم في العام 1991. المملكة العربية السعودية دفعت للحرب الأفغانية، ولكن هذا لا يعني أنها كانت تفعل الشيء نفسه في آسيا الوسطى.

تعاونت مع “بوريس سيرجيفيش” ووعدت بمساعدته على معرفة اهداف “سياف”، أو ما إذا كان للرياض دخل في ذلك الهجوم. وقال انه لا يثق كثيرا بوكالة الاستخبارات المركزية وبعد ذلك بيومين، طرق بوريس على بابي، وسلمني قائمة أسماء وقال: “سوف تعرف من هم هؤلاء الأوباش” “انهم عرب، وجميعهم مع سياف، وكانوا وراء الهجوم على الحدود“.

لم اتكلف عناء إرسال الأسماء إلى مقر القيادة لأنني لم اكن افترض انه يتم التنسيق مع الروس. بدلا من ذلك، أنا أرسلت الأسماء إلى إسلام أباد، حيث كان “بيل” (نص محذوف) رئيسا، فهو يدرك تماما ما كنت أحاول القيام به. وإذا اردت معرفة اي شيء عن الاصوليين فامامك اسلام اباد. وفي وقت لاحق أرسل “بيل” رده فقال: لا يمكن أن تعرف اي شيء عن بوريس العرب، لأنه لم يكن لدينا أي وكيل في مخيم سياف.

كان من الصعب أن نعتقد ان سياف هو من صنعنا، كان واحدا من سبع جماعات افغانية مقاومة في بيشاور بدعم من لجنة التنسيق الخاصة بمجلس الأمن الوطني. جيد بما فيه الكفاية، كنت بحاجة الى مصدر في المجموعة. ومن الواضح أنه لم يكن لدينا مصدر في مجموعة سياف، أو اي من الذين استمروا خلال النزاع الأفغاني. من منظور التجسس، وكان ذلك خطأ فادحا.

بوريس وجد ان هذا غير مفهوم، السوفييت لا يطلقون حملة سرية إلا إذا كانوا يسيطرون عليها من الألف إلى الياء إذا طلبوا من الألمان الشرقيين تشغيل الحملة في أفريقيا أو أميركا الجنوبية، فهم متأكدون من اللعنة التي كانت ستحصل. فهم لم يثقوا أبدا بالباكستانيين أو السعوديين في قول الحقيقة لقد تجنبت بوريس للأسابيع القليلة اللاحقة عندما لم أستطع مساعدته في تجاوز الممر الغامض الذي تشاركنا فيه، وقال وهو يبتسم بتكلف: انظر، لقد قلت لكم ذلك. أنا متأكد انه يعرف من هو سياف، ومن اسياده، والمملكة العربية السعودية، وبقية الأصوليين في أفغانستان. وقد استمرت الهجمات على القوات الروسية على طول الحدود الطاجيكية حتى نقلت من دوشنبه في العام 1994.

الأمور لم تصبح أفضل… في العام 1997 بيل لوفجرين، رئيس قسم أوراسيا الوسطى، التي تغطي الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية، احضر مخرجين “غلف ستريم” لأخذ جولة سريعة في آسيا الوسطى والقوقاز. ستة نقاط ونحن، ما زلنا نفتقد للجواب المطلوب حتى الان: هل كان الإسلام المسلح تهديدا لمنطقة بحر قزوين أم لا؟ لا يمكن لأحد أن يقول كلمة حول هذا الموضوع، وحتى معظم كبار المسؤولين الذين كان يفترض أن يتحدثوا عن ذلك. واشنطن والمملكة العربية السعودية – توافقان على سياسة الصمت.

وجاءت المرحلة الاخيرة من رحلة العودة. في الصباح كنا نستعد للسفر إلى لندن من ألما آتا، الى تبليسي، جورجيا. لم يكن هناك مشكلة في البداية. ولكن لاحقا قيل لنا إنه يمكن التزود بالوقود وقضاء اليوم والقيام بجولة في تبليسي إذا أردنا. ولكن بمجرد هبوط الطائرة، كنا نعرف ان الامور كانت ستسير بشكل خاطئ، حيث ظهر الجنود مدججين بالسلاح في باب “غلف ستريم” وصرخوا لإغلاق الباب والبقاء في الطائرة. ويا للسخرية، مسار الرحلة كان من وادي بانكيسي في جورجيا وهي معقل بن لادن .

لم أفهم كم كان بوريس محقا حتى العام 1998، عندما جئته ببعض الوثائق الروسية التي تتعلق بالحرب الشيشانية فقد أعلن الشيشان استقلالهم عن روسيا في العام 1991، لكن حتى العام 1994 لم يكن الرئيس الروسي بوريس يلتسين قد تحرك لإعادة الإبن الضال إلى الحظيرة الروسية.

تجارة السلاح وثروات الأمراء

بالنسبة لصناع الأسلحة الأميركية، المملكة العربية السعودية هي قطاع فرعي تصنع لحسابه الأسلحة ضمن قواعده الغريبة، نحن نشتري النفط من المملكة العربية السعودية ونقوم بمعالجته، ووضعه في سياراتنا، ونسبة مما ندفعه ثمنا لذلك يذهب لتمويل الأعمال الإرهابية ضد أميركا والمؤسسات الأميركية في الداخل والخارج.

المال الذي يكسب من مبيعات النفط، تشتري به العائلة المالكة السعودية الأسلحة لحماية نفسها من الداخل والخارج، ولكن في الغالب من الداخل. نبيع السعوديين تلك الأسلحة ونحن على علم بأن المبلغ X من سعر الشراء سيذهب لتغطية “العمولات” التي تدفع لعدد قليل جدا من السعوديين الذين يسيطرون على صفقات الأسلحة، والمبلغ Xهو اقل بكثير من المبلغ Y الذي يذهب لتمويل الجماعات الإرهابية التي تعتمد السعودية مقرا لها.

لكن شراء الأسلحة لا يساعد فقط على حماية آل سعود من رعاياهم، بل هي أسهل طريقة للأمراء السعوديين لسحب المال من الخزانة الوطنية. فالمعاملات المالية لشركة أرامكو السعودية، -شركة النفط الوطنية- تدار من الغرب لمنع الغش.

الصناعات الفرعية- التسلح والبناء- هي أعظم أهداف الأسرة الحاكمة، والجدير بالذكر أن “بكر بن لادن” يحصل على حصة الأسد من الكسب غير المشروع لهذه الصناعات. من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإنها تبيع أسلحتها للمملكة العربية السعودية لأنها أبسط طريقة للتأكد من أن النفقات التي تصرفها الخزانة الأميركية على النفط تعود إلى الولايات المتحدة في شكل من أشكال الدفاع عن عائدات الصناعة.

قانون مراقبة تصدير الأسلحة الأميركية يتطلب من السلطة التنفيذية إعلام الكونغرس بجميع اتفاقات المبيعات العسكرية الأجنبية والمفاوضات الحكومية المقترحة والمبيعات التجارية المباشرة التي تزيد عن 14 مليون دولار. ومن بين الأشياء التي اعتمدت من قبل المملكة في السنوات الست منذ 1994:

– تسليم 1500 صاروخ رايثيون AIM-9L و300 AIM-7M صورايخ جو-جو. (مدير وكالة المخابرات المركزية السابق جون دويتش هو في مجلس رايثيون).

– تسليم 700 -10 Paveway II GBU القنابل الموجهة بالليزر.

– صفقة شملت عددا من مركبات 130 ملم مدافع رشاشة ومدافع رشاشة من عيار M2.50، وما يقرب من 170 ألف طلقة 90 ملم.

صيانة ودعم اجهزة الإنذار المحمولة جوا وأنظمة التحكم (اواكس) ونظم الدفاع الجوي KE-3 ناقلات التزود بالوقود جوا، وهواك وباتريوت.

– تسليم ريثيون هوك صواريخ أرض جو.

– خمسمائة وستة وخمسون قنبلة موجهة للروكويل GBU-1.

ولكن تلك ليست سوى تذكرة بنود صغيرة. ومنذ ذلك الحين توصل وزير الخارجية هنري كيسنجر إلى آلية لتسليم السلاح مقابل النفط، وكانت لدى السعوديين حركة شراء تصاعدية فاشتروا بـ 100 مليار دولار من الولايات المتحدة آلات قتالية ودبابات ام 1 وسفن حربية وأكثر من ذلك. لسنوات كانت السعودية رقم واحد في العالم كمستهلك لأنظمة التسلح والأسلحة الأميركية.

وراء كل صفقة، هناك لجنة، ووراء كل لجنة، هناك سعودي من العائلة المالكة ينتظر خلف الباب للحصول على العمولة الخاصة به، فهناك طرق أخرى للوصول. البروتوكولات التي تحكم المبيعات العسكرية الخارجية الأميركية للسعوديين تقول إن الأموال التي يتعين أخذها من الخزينة السعودية يجب وضعها في الصندوق الاتئماني الذي يدار من قبل وزارة الدفاع الأميركية. مدفوعات محددة للبائعين يتم صرفها من الصندوق الاتئماني. وكل شيء يعمل جيدا إذا دفع السعوديون فواتيرهم في الوقت المحدد، ولكن نظرا الى ان ذلك لا يحصل عادة، يبدأ الجمع العكسي من سلاح الجو السعودي.

لأن الجمع العكسي يأخذ أساسا من المشتريات العسكرية، يمكن من خلال استخدامه أن يكون السعوديون قادرين على شراء أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات الاستطلاع الإلكترونية، دون معرفة الكونغرس الأميركي، وهذا انتهاك واضح لتصاريح المبيعات العسكرية الخارجية.

وقد جمعت 2.1 مليون دولار للدفع للبائعين المحليين. من جهة أخرى اختفت 1.100.000$ ببساطة في جيب شخص ما. الأميركي الذي عرف قصة الجمع العكسي، بالمناسبة، عمل لسلاح الجو الملكي السعودي بموجب عقد مع بي دي إم، عندما كانت إحدى الشركات التابعة لمجموعة كارليل متلون .

وقدر الأمير بندر في مقابلة مع PBS أن السعوديين صرفوا منذ أوائل السبعينيات حوالي 400 مليار دولار لإنشاء الدولة الحديثة، و50 مليار دولار ضاعت بسبب الفساد. (وقال بندر “نحن لم نخترع الفساد”) وربما 125 مليار$ عادت إلى العائلة المالكة السعودية عن طريق الرشاوى.

في صيف العام 1992، وافق جورج بوش الأب على بيع اثنين وسبعين طائرة F- 15 إلى المملكة العربية السعودية، بتكلفة إجمالية وصلت إلى 9 مليارات دولار، بما فيها الأسلحة والدعم على الأرض. والتحسينات التي وضعها ماكدونيل دوغلاس (وهي الآن جزء من شركة بوينغ)، يمكن أن تحمل أكثر من اثني عشر طنا من أسلحة الجو-جو والجو-أرض، بما في ذلك صورايخ سايد                      وصواريخ سبارو وأكثر من 160 قنبلة بتشغيل واحد.

طائرات F- 15 لعبت دورا بارزا في حرب الخليج الأولى، وفي وقت مبكر من العام 1994 وقبل أن يبدأ التسليم، وافقت إدارة كلينتون على بيع ما يصل إلى خمسة وعشرين طائرة F- 15 للإسرائيليين.

بالنسبة إلى ماكدونيل دوغلاس يبقى لدى الإسرائيليين أكثر من سبب يدعو للقلق من مبيعات الدول الهائلة للأسلحة المتطورة وبالأخص من الحكومة التي ترقد فوق برميل بارود أي التطرف الإسلامي الوهابي. وكما أثبت التاريخ مرارا وتكرارا، فمبيعات الأسلحة للدول غير المستقرة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. (مثل مساعدة وكالة المخابرات المركزية لحركة طالبان عندما كانوا يقاتلون من أجل الحرية الأفغانية).

طائرات وعمولات ملكية

على الرغم من أنها كانت صفقة طائرات مدنية للسعودية إلا أنها كانت أكثر ضررا على استقرار المملكة. ففي الأول من أكتوبر 1995، تم في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض التوقيع على مجموعة كبيرة من المذكرات العسكرية والدبلوماسية، بين الرئيس كلينتون ورئيس شركة بوينغ ماكدونيل دوغلاس، والأمير سلطان، النائب الثاني لرئيس الوزراء السعودي ووزير الدفاع والطيران (وكذلك والد الأمير بندر)، وقامت الخطوط الجوية السعودية، بشراء واحد وستين طائرة بوينغ مصنعة من قبل شركة ماكدونيل دوغلاس. وأدرج في العملية شراء ثلاثة وعشرين طائرة ركاب 777 -200S ، وخمسة 747-400، وأربع طائرات MD- 11F للبضائع، وتسعة وعشرين MD- 90، بمحركات من جنرال الكتريك ومحركات ايرو الدولية، وهي مشروع مشترك بين شركة برات آند وويتني ورولز رويس. والسعر الإجمالي بلغ 7 مليارات دولار، وتم الاتفاق على شراء أكبر طائرة تجارية من قبل شركة طيران في الشرق الأوسط. وللاحتفال بالصفقة، استضاف وزير الدفاع وليام بيري الأمير السلطان على مأدبة عشاء في بلير هاوس، مقر إقامة الضيف الرسمي، على مسافة قصيرة من ولاية بنسلفانيا.

بالنسبة لبيل كلينتون، شكل العقد مع السعودية مفاجأة سياسية كبرى فالطائرة ستكون في منشأة بوينغ الرئيسية في ولاية واشنطن وعند ماكدونيل دوغلاس في ولاية كاليفورنيا. ومحركات جنرال الكتريك ستأتي من ولاية أوهايو، ومحركات برات آند ويتني من ولاية كونيتيكت. كما حصلت ولاية كانساس، وولاية اركنسو، ويوتا على حصتها من الكعكة.

البيت الأبيض يحسب أن النظام السعودي بمشترياته يؤمن العمل لمئات الآلاف من الأميركيين- كما أن الاقتصاد الأميركي كان سيبدأ باستعادة قوته بعد الانهيار الاقتصادي في السنوات الأخيرة من ولاية إدارة بوش الأب.

كان كلينتون دائما يضغط في هذا السياق، في شباط العام 1993، أي بعد أقل من شهر من تسلمه منصبه، قال انه بعث وزير الخارجية وارن كريستوفر الى السعودية للضغط على الملك فهد لشراء بوينغ. وزير التجارة رون براون تلاه في شهر مايو، وظل ساعتين يضغط على الملك. في 28 أكتوبر، 1994، اجتمع كلينتون مع الملك فهد في مدينة الملك خالد العسكرية، بالقرب من الحدود السعودية مع الكويت والعراق، لدفع السعوديين نحو وضع اللمسات الأخيرة على عملية الشراء.

كلينتون لم يكن الرئيس الوحيد للدولة الذي يرغب في تنفيذ العقد السعودي، في وقت مبكر من العام كان السوق العالمي للطائرات التجارية في انخفاض، وكذلك قطاعات الصناعة بأكملها على المحك، وحتى لا يتفوق عليه كريستوفر براون، وكلينتون، توجه الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، إلى المملكة العربية السعودية للقاء الملك فهد والأسرة المالكة ومناقشتهم في موضوع “ايرباص”. جون ميجور، رئيس الوزراء البريطاني كان سيطير على متن مكوك الرياض لدعم شركات ايرباص، ومن وراء الكواليس، وكالة المخابرات المركزية كانت تضغط ايضا.

وكان يتم وضع الأسس بعيدا عن المكاتب الحكومية. كل صفقة مع السعوديين تنطوي على عمليات السرقة والرشاوى، والكسب غير المشروع. سمها كما تريد، ولكن هذه هي تكلفة الأعمال التجارية مع أفضل صديق لنا في العالم العربي. عموما، على الرغم من بقاء التفاصيل غامضة، كانت المعاملات معقدة، بفضل الدعاوى القضائية التي وجدت طريقها الى المحكمة العليا في واشنطن، لدينا صورة واضحة جدا عن المكونات المطلوبة لابرام عقد مع السعوديين.

حالة طاهر باوزير ضد شركة بوينغ والشيخ خالد بن محفوظ، أودعت في 16 يونيو 1998، ولكن جذورها تعود إلى بداية العقد، بمجرد أن بدا واضحا أن الخطوط الجوية السعودية تتطلع لتحديث اسطول طائراتها وتتحول إلى البوينغ. ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وقام العملاء بإعادة النظر في احتياجاتهم.

مشتريات شركات الطيران السعودية، العسكرية أو التجارية، يجب أن يوافق عليها المديرون التنفيذيون للعائلة المالكة، والرؤساء في بوينغ يعرفون من التجربة السابقة أنه دائما هناك حاجة لفتح قناة مع الملك وحاشيته، بما في ذلك الأمير سلطان.

ولقيادة العاملين في صناعة الطيران تم تعيين خالد بن محفوظ، وهو كان في ذلك الوقت نائب المدير العام وضابط التشغيل للبنك الأهلي التجاري، واحدة من أكبر المؤسسات المالية في المملكة العربية السعودية. (كانت عائلة محفوظ المساهم الأكبر في البنك الأهلي التجاري.) والمهم ان خالد بن محفوظ كانت لديه سمعة جيدة في المملكة العربية السعودية.

التقى محفوظ مع المديرين التنفيذيين لبوينغ لعقد الصفقة السعودية في العام 1991، لتبديد الخوف الأميركي من الحيازات المالية العالمية، ووافق محفوظ على تشكيل شراكة مع شخص يمكن أن يشرف على العلاقة الاستشارية المطلوبة، وهذا الشخص كان طاهر باوزير، وهو يمني مقيم في المملكة العربية السعودية.

في مارس 1992 وافقت بوينغ على سلسلة اتفاقات، على ان تحسب نسبة العمولة على سعر تسليم الطائرات – على الأقل 5 في المئة من إجمالي قيمة المبيعات، بحسب ما تشير وثائق المحكمة، وعلى الأرجح نسبة 10 – إلى 12 % مؤشر لمثل هذه الصفقات مع السعوديين.

بعد فترة غير طويلة على توقيع هذا الاتفاق، بدأ خالد بن محفوظ مواجهة المتاعب، لصلته بالجمعيات الخيرية الملكية التي تقدم المال الذي ينتقل في نهاية المطاف إلى بن لادن والقاعدة، وغيرها من المنظمات الإرهابية. وكانت لمحفوظ حصة رئيسية في بنك الاعتماد والتجارة الدولي. في تموز العام 1991 اتهمت هيئة المحلفين الكبرى في نيويورك البنك، وأربعة من فروعه، واثنين من الضباط بتهمة الاحتيال، وفي وقت لاحق من السنة صدر أمر باعتقال محفوظ. تقريبا في الوقت نفسه، قدمت الولايات المتحدة شكوى لمجلس الاحتياطي الاتحادي ضد محفوظ الذي اتهم بانتهاك القوانين المصرفية الاتحادية. وفي 8 تموز 1992، أصدر القاضي أمرا يحظر على الشيخ سحب، ونقل، وإزالة، أو التخلص من الأصول أو الممتلكات الأخرى التي يمتلكها أو يسيطر عليها

مستشار الصفقة السعودية كان تحت لائحة الاتهام، غير قادر على زيارة الولايات المتحدة خوفا من الاعتقال أو احتمال نقل أمواله خارج البلاد، ومتورط في فضيحة مالية عالمية، بوينغ جددت الاتفاق في مايو 1993 واستمرت في تجديده سنويا لأربع سنوات أخرى.

في ديسمبر 1993 دفع محفوظ حوالي 225 مليون دولار لتسوية المطالبات الأميركية ضده و245 مليون دولار لتسوية مجموعة مماثلة من المشاكل في أوروبا. وفي الحالتين، لم يكن مطلوبا منه أن يعترف بأي من المخالفات. وبحلول ذلك الوقت كانت لديه قضايا اخرى وهذا ما يدعو للقلق. ووفقا لدعوى باوزير -وهو عضو بارز في المملكة في السعودية- كانت العائلة قد بدأت تضغط على بن محفوظ في ربيع العام 1993 للانسحاب من الصفقة بحيث يقوم عضو آخر من العائلة المالكة مقامه – واللجنة ستمرر الصفقة. باوزير يؤكد في دعواه أنه هو وليس محفوظ، من وضع الاستراتيجية التي عقدت، وهو من قام بكل الاعمال، وأبقى الصفقة برمتها على قيد الحياة.

وكان من السهل الاعتقاد بذلك، فخالد بن محفوظ كان مشغولا بما فيه الكفاية بمقتنياته الكثيرة الخاصة، وبالأخص بنك الاعتماد والتجارة، وكان من المعروف أن العائلة المالكة في السعودية تنقض على الأعمال التجارية التي تحصل من خلالها على فضلات غنية .

رفضت محكمة واشنطن البت في حيثيات قضية باوزير، مشيرة ببساطة الى أن واشنطن لم يكن لديها اختصاص للبت في المسألة. بوينغ أرسلت لمحفوظ 15 مليون دولار، ونصيبه من السعوديين كان مع ختام الصفقة. والمؤكد تقريبا هو الرقم 700 مليون دولار، ولكن الشائعات تقول انه في أميركا والمملكة العربية السعودية ثبتت مبلغ الـ 1 بليون دولار للصفقة.

بوينغ، في أي حال من الاحوال، كانت راضية عن الخدمات المقدمة. وعندما سافر خالد بن محفوظ إلى سياتل في 24 مايو 1994 – بعد أن تمكن من دخول الولايات المتحدة بشكل قانوني مرة أخرى –نزل في بوينغ فيلد، حيث استقبله الرئيس التنفيذي فرانك شرونتز، واخرون ممن شاركوا في جولة في مصنع شركة 777. توم فولي رئيس مجلس النواب، أشاد بالصفقة السعودية وقال بأنه “يوم عظيم لهذا البلد”. وفي الواقع، كانت هناك فقط مشكلة صغيرة مع الترتيب الوردي الكامل: السعوديون لا يمكن تحملهم.

في 13 نوفمبر 1995، ثمانية عشر يوما بعد اتفاق بوينغ- السعودية الذي وقعه البيت الأبيض، انفجرت سيارة مفخخة خارج منشأة تدريب للولايات المتحدة في الرياض، قتل خلالها سبعة اشخاص، بما في ذلك خمسة أميركيين، وجرح اثنان وأربعون.

وقع الانفجار بمبنى فيه ما يقرب من أربعمائة أميركي يدربون الحرس الوطني السعودي على استخدام الأسلحة التي تم شراؤها من الشركات المصنعة في الولايات المتحدة. وقامت مجموعة أطلقت على نفسها اسم الحركة الإسلامية للتغيير بتبني الهجوم. في وقت لاحق، اعتقل العشرات من المشتبه بهم السعوديين. وفي 31 مايو عام 1996، أعدم أربعة منهم، على الرغم من أنه ما زال هناك بعض الشك حول تورطهم. واتهمت المملكة العربية السعودية بالاستفادة من التفجير للتخلص من المعارضين السياسيين.

وهناك احتمالات ضئيلة بأن انفجار السيارة له علاقة باتفاق بوينغ، ولكن كان توقيت الحادثتين ملفتا إلى حد كبير، فبن لادن كانت لديه دوافع وراء هذه الأمور. فقد اتهم العائلة المالكة بأنها ضحت بالإسلام – وبحرمة المملكة العربية السعودية، موطن اثنين من المدن المقدسة في الإسلام- من أجل المال والرشاوى والصفقات القذرة. بن لادن لم يكن وراء التفجير ولكنه أثنى عليه.

المملكة العربية السعودية هي من أكثر الدول رفاهية والأكثر تقدما، وهي ضد الماركسية. السعوديون يحصلون على الرعاية الصحية المجانية والمنازل من دون فائدة والقروض التجارية، والتعليم الجامعي المجاني داخل المملكة، والدعم لأولئك الذين يدرسون في الخارج. وعلى الرغم من أن المواطنين يعيشون في بلد من بلدان العالم الثالث، إلا أن السعوديين يسافرون في الدرجة الأولى.

حوالي ربع السكان في المملكة العربية السعودية، تتراوح أعمارهم بين 15-64، والرعايا الأجانب، يسمح لهم بدخول المملكة للعمل في حقول النفط، وليعملوا في المنازل، ولكن أيضا لبرمجة الكمبيوتر وإدارة المصافي. 90 % من العمال الأجانب يقومون بالأعمال التي لا يقوم بها السعوديون – وظائف القطاع الخاص هي لهم فقط، والذكور السعوديون لديهم معدل أمية عالي جدا، فلثلاثة أجيال كان رجال القبائل الرحل يسكنون البلاد.

حوالي 85 % من السعوديين فوق سن الخامسة عشر يستطيعون القراءة والكتابة، في مقابل أقل من 70 % من النساء السعوديات من نفس الفئة العمرية. ولكن منذ عهد نظام التعليم السعودي إلى الوهابيين الأصوليين، كانوا عموما غير مستعدين للمنافسة في عصر التكنولوجيا أو الاقتصاد العالمي.

المشكلة الأولى: المتعلمون السعوديون الصغار يتعلمون من اجل المشاركة في العالم الحديث، في عالم يزداد انفتاحا، فالسعوديون ينظرون إلى العالم من خلال عدسة ضيقة جدا.

معظم السعوديين يتابعون ما يحدث في العالم من خلال الصحف المحلية وتلفزيون الجزيرة، الذي من خلاله اختار أسامة بن لادن توزيع بياناته.

المشكلة الثانية هي مشتركة بين الدول النامية: التركيبة السكانية. هناك طريقة أخرى ليملأ بها الشباب السعودي وقته، فالمملكة العربية السعودية لديها أعلى معدلات ولادة في العالم خارج أفريقيا- ما يقرب من 37.25 ولادة لكل ألف مواطن في العام 2002، بالضبط تقريبا ضعف معدل المواليد لدى إسرائيل-. 97 % من السعوديين بعمر الـأربعة وستين أو أقل، و نصف السكان دون سن الثامنة عشرة. وتترك جانبا الآثار المترتبة على الأمن الإقليمي بسبب تلك الأرقام. وجود الكثير من السعوديين في سن العمل، وعلى استعداد للدخول في القوى العاملة، مما يفرض ضغوطا هائلة على الاقتصاد الذي لم يعد قادرا على استيعاب أولئك الذين يريدون العمل. والطبقات الوسطى هي التي تؤمن استقرار المجتمع.

المشكلة الثالثة: دولة الرفاهية الأكثر تقدما في العالم اعتمدت على أسعار النفط في منتصف وأواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ، وفي العام 1981، عندما فرض على المملكة بأكملها واقع الإعانة، كانت تبيع النفط بما يقرب من 40 دولارا للبرميل، ونصيب الفرد من الدخل 26000 $. وبعد عقد من الزمان، قبل غزو العراق للكويت، كانت الولايات المتحدة قادرة على شراء النفط بنحو 15 دولارا للبرميل الصافي. حرب الخليج رفعت أسعار النفط إلى ما يصل لحوالي 33 دولارا للبرميل، ولكن بحلول العام 1994، عندما كان بيل كلينتون متكئا على الرياض للقيام بالأعمال التجارية مع شركة بوينغ، كان سعر مبيع النفط يصل لـ12،50 $ للبرميل. واعتبارا من العام 2001، نصيب الفرد السعودي من الدخل غرق إلى أقل من 10.000$ وبدأت الكارثة الكلاسيكية لتحقيق الوئام الاجتماعي.

لأن المملكة تعتمد على النفط بنحو 85 % من إجمالي الإيرادات في المملكة العربية السعودية، كل تراجع للدولار قد يؤدي إلى تراجع سعر برميل النفط ويترجم بنحو 3 مليارات دولار خسائر على الخزينة السعودية.

وفي وقت مبكر من العام 1980 فاخرت المملكة بالاحتياطي النقدي الذي بلغ 120 مليار دولار. وبحلول العام 1994 تقلص الاحتياطي إلى نحو 15 مليار دولار. ( وتقدر احتياطيات النقد اعتبارا من بداية العام 2003 بحوالي 21 مليار دولار).

العام الماضي، كانت السعودية قد حصلت على 4.5 مليار دولار من الائتمان من جيه بي مورغان للمساعدة في تغطية حصتها من تكاليف عملية عاصفة الصحراء. كما كان كلينتون يعمل للحصول على التزام المملكة بالصفقة مع بوينغ، فالسعوديون يسددون دفعات لشركة بوينغ ماكدونيل دوغلاس وغيرها للطائرات العسكرية والمعدات.

لضخ المزيد من النفط بهدف تخفيف العبء على الولايات المتحدة -للتصدير والاستيراد- وافق البنك على ضمان قروض منخفضة الفائدة تجاوزت 6 مليار دولار.

الانفجار السكاني في آل سعود لم يمنع أمراء المملكة من تعدد الزوجات والحصول على أربعين إلى سبعين طفلا خلال حياتهم، في حين تم تقليص الموارد لدعم هذا النمو السكاني.

امراء وانشطة إجرامية

غياب المهارات الخاصة بسبب بقاء الأجداد في الصحراء، ابتلي جيل الأمراء الأصغر سنا وأفراد العائلة المالكة بالأنشطة الإجرامية، وقد صورت العائلة المالكة على أنها مهووسة بالقمار والكحول والدعارة، وغيرها من العيوب التي تحمل على الرذائل.

وفي الوقت نفسه، لعبة الأرقام بدت مثل البازار الإسلامي الضخم الذي يبرز في إطار القصر الملكي. بالفعل، تألف آل سعود من ثلاثين ألف عضو، وهذا العدد سيتضاعف في العشرين أو الثلاثين سنة القادمة، وربما أكثر من ذلك بكثير، ما من شأنه أن يدفع سعر برميل النفط إلى الأمام لدعم امتيازات أفراد العائلة المالكة السعودية.

وقد تواجه البلاد بعض الخيارات مثل تقليص الإيرادات والالتزامات الثقيلة، وموارد البلاتين للحصول على قرض يرفع سعر النفط. لا نشكك في حالة إفلاس وشيكة لحالات مثل السعودية- ولكن البنك الدولي يطالب على الأقل بقدر من الشفافية في تعاملاته. سيكون على المملكة العربية السعودية فتح دفاترها الذي من شأنه أن يكشف عن العديد من القضايا التي يعتبر كشفها للجمهور، مغامرة خطرة فمن المخاطرة كشف كيفية تحويل المليارات من الدولارات من الإيرادات الوطنية إلى حسابات امراء آل سعود.

على سبيل المثال، شرح كيفية انفاق 7.2 بليون $ لطائرات بوينغ التجارية وإكسسواراتها؟ وعلى الرغم من الإبداع في المحاسبة، سيدرك شخص ما أن 10 % من سعر الشراء الذي كان السعوديون سيدفعونه لبوينغ اختفى بين اللجان، من الخزانة الملكية لخالد بن محفوظ وغيرهم، ثم إلى العائلة المالكة. بن محفوظ اضطر لوضع بعض الجمعيات الخيرية في رعاية ال سعود.

رسميا، النفقات العسكرية تستهلك 13 % من إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية. وتنفق خارج الميزانية العسكرية، بمبالغ اكبر بكثير. إسرائيل، وهي دولة في حالة حرب دائمة، فهي محاطة بالأعداء من كل جانب، نفقاتها العسكرية تصل إلى 9 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا فتحت الكتب سنتساءل لماذا أنفق السعوديون أكثر من الإسرائيليين على الأسلحة، وبالأخص أن الولايات المتحدة تحمي السعوديين من أعداءهم في الخارج.

على الرغم من انحراف الأسرة الحاكمة عن المبادئ الدينية الوهابية ، إلا أنها لا تزال دولة الرفاه، وبالتالي فهي تنفق الأموال على المدارس والمساجد والمستشفيات التي من شأنها توفير الرعاية المجانية الممتازة للسعوديين.

إذا تم تقليص نسبة التسلح هناك خطر من غضب الحماة الأميركيين، والبريطانيين، فهم موردو الأسلحة، وهناك شبكة معقدة من المصالح الغربية الخاصة والعامة التي تعمل على بناء وصيانة هذه الترسانة. يمكن أيضا الحديث عن العشائر القوية الحاكمة، التي تعتمد على عمولات مبيعات الأسلحة ومبيعات القلاع والطائرات واليخوت والمستودعات وهلم جرا.

الاستمرار في استنزاف الخزينة وتشغيل الدين الوطني عن طريق شراء السلاح، لاسترضاء الجهاديين في كل الطرق.

ثورة الحرم وشراء ولاء المتطرفين

في العام 1979، قتل 127 وجرح 117 من القوات السعودية بمعارك ضارية مع المتمردين في السعودية لمدة أسبوعين بعد استيلاء الوهابيين المتعصبين على المسجد الحرام في مكة المكرمة. وحمل المتمردون نفس الرسالة التي يروج لها رجال الدين الوهابيين في المساجد: آل سعود يدنسون الإسلام. (قال دبلوماسي سعودي في أعقاب 11/9، “ما يصدمني هو سبب ضرب الولايات المتحدة وليس المملكة”) وكان الملك خالد على العرش عندما تم الاستيلاء على المسجد الحرام.

لعدم تكرار تجربته، أعطى الملك فهد 25 بليون دولار لتوسيع وتحديث العتبات المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأعطى المزيد من المليارات إلى الجامعات الإسلامية الجديدة.

استفادت عائلة بكر بن لادن من المشاريع الضخمة والأشغال العامة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث أشرف على بنائها وترميمها بمليارات الدولارات وبعض تلك المدفوعات وجدت طريقها إلى ابن عمه أسامة، وتنظيم القاعدة، وغيرها من الجماعات الأصولية العنيفة. هذه هي الطريقة التي كانت تسير بها الأمور في المملكة العربية السعودية: والسؤال الوحيد هو متى تأتي النهاية.

الغرب والولايات المتحدة لم يتركا خيارات كثيرة لـ آل سعود في حين أن معظم أفراد العائلة المالكة السعودية ينظرون في الاتجاه الآخر، ويأملون في أن لا يأتي المستقبل أبدا، واشنطن تقول إن الرياض لن تحرق، وتشاهد بسلبية كيف يقوم الأثرياء السعوديون بتوجيه مئات الملايين من الدولارات للجماعات المتطرفة لشراء امنها.

واشنطن ترحب بأفراد العائلة المالكة مثل الأمير سلمان ونحن نعلم أنه هو من يتحكم بعطاءات هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية التي لعبت دورا قياديا في تمويل الإرهابيين الذين حاولوا تفجير العالم ونجحوا في تفجير مركز التجارة العالمي قبل سنوات.

كبريات الشركات الأميركية مثل بوينغ ماكدونيل دوغلاس ترحب بالسعوديين لان الصفقات التي ستبرم مرة أخرى مع المملكة العربية السعودية سوف تحد من تآكل الميزانية وبالتالي زيادة تقسيم الطبقة الحاكمة والطبقة الدنيا. مدراء وكالة الاستخبارات المركزية السابقون الذين عملوا مع الشركات السعودية معظمهم يعرفون أنه يمكن أن تستمر هذه المهزلة لفترة طويلة.

جون أونيل، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب رفض تملق السعوديين؟ لقد قرأت قصص: كيف منعت وزارة الخارجية أونيل من دخول اليمن، على الرغم من انه كان متجها للتحقيق في الهجوم الإرهابي على المدمرة الأميركية كول. أونيل تجاهل السعوديين، ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن تبدأ السكاكين تسدد إليه. فقامت إدارة مكتب التحقيقات الفدرالي بتسريب ملف موظفها إلى الصحافة. وعندما التقيت أونيل، عرفت على الفور أنه كان الشخص الذي كان على استعداد لتفجير الوضع في واشنطن.

الولايات المتحدة تغلق عينيها عن المتطرفين المسلمين، والشيء الوحيد الذي كان مجلس الأمن القومي يضع عينيه عليه هو نفط بحر قزوين. الصفقات مع السعوديين شكلت شراكات لاستغلال موارد الطاقة في آسيا الوسطى.

ما تريده شركات النفط الكبرى أكثر من أي شيء آخر هو الاستقرار. والمملكة العربية السعودية هي أكثر دولة غير عقلانية – وهي المكان الذي يولد الإرهاب العالمي فالمملكة بقيادة الأسرة المالكة لا يمكنها الخروج من الجشع هل هذه هي نقطة الارتكاز لتحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي؟

حروب الأمراء على نهب الخزينة وانتشار التطرف الوهابي في جيش المملكة، كنت أتمنى أن أكون في السعودية نهار 29 نوفمبر 1995، ففي هذا اليوم أصيب الملك فهد بجلطة دماغية شبه قاتلة، ولكن كان لا يزال على قيد الحياة”سريريا”، وبذلك فإن ولي العهد الأمير عبد الله لا يمكنه تسلم العرش.

من دون الملك، جنحت المملكة العربية السعودية نحو حالة من الفوضى، وكان البرهان في كل مكان فقد طغى الفساد والسرقة على نطاق لم يسبق له مثيل في تاريخ السعودية، ووقف المتشددون الوهابيون التابعون لأسامة بن لادن بعيدا عن دائرة العنف. كما أوقفت الحكومة في الرياض أي تعاون ذي معنى مع واشنطن حول الإرهاب، وانتهزت واشنطن بدورها الفرصة لابتزاز المملكة بالمزيد من المال.

وفي الوقت الذي أعلن فيه عن إصابة الملك بالسكتة الدماغية، ضجت الرياض بالمروحيات والصفارات، وبدأت القوافل تصل إلى المستشفى حيث يرقد فهد، ومن بين أول الواصلين- الزوجة الرابعة والمفضلة لفهد الجوهرة، والدة عزوزي – قرة عين والده – وكان الجميع قد سمع قصصا عن عزوزي وركوبه الهارلي ديفيدسون حول قصر والده، ومطاردة الخدم وتحطيم الأثاث. معظم آل سعود كانوا يعتبرون عزوزي جبانا، وبليدا بعض الشيء، ولكن عزوزي كان حسن الحظ ويسحر والده . من بين الواصلين إلى المستشفى كان أشقاء فهد – وزير الدفاع سلطان، وزير الداخلية نايف وأمير منطقة الرياض سلمان. بينما كان عدد الغرباء قليلا جدا.

والدتهم التي كانت من عشيرة السديري، علمتهم منذ سن مبكر بأن عليهم أن يتعاونوا مع بعضهم البعض ضد أبناء “ابن سعود” الآخرين وهم أخذوا الدرس وأغلقوا دائما على أنفسهم.

توجه الأمراء الآخرون إلى المستشفى، من جميع أنحاء المملكة ومن بقية العالم. فالطائرات النفاثة الخاصة اصطفت في المطار، ومن لم يتمكن من الحصول على فرصة البقاء بالقرب من فهد، كان يظهر ولاءه فمعظمهم كانوا يعيشون على سخائه – الرواتب الملكية التي كانت تصل إلى 270000 $ في الشهر، لاثني عشر ألف شخص وأفراد العائلة كانوا يدركون أن ولي العهد الأمير عبد الله إما سيقضي عليهم أو سيقلل من الامتيازات الخاصة بهم – وفي ظل هذه الحالة كان أخوة الملك فهد يطرحون على الأطباء الأميركيين والأوروبيين أسئلة غريبة تتناول حالة الملك فهد، وكم سيستغرق قلبه من الوقت ليتوقف؟ فهم لا يريدونه أن يتعافى، بل أن يبقى “متوفى سريريا“.

الأطباء لا يمكنهم أن يدركوا حالة اليأس الموجودة في المملكة، ولا يفهمون سياسة المملكة. ما تعرفه عائلة آل سعود هو أن ولي العهد الأمير عبد الله ذئب الصحراء كان على استعداد لتمزيق القطيع في أقرب وقت. والطريقة الوحيدة لإبقائه بعيدا كانت الحفاظ على قلب فهد ينبض وموجات دماغه قابلة للقياس، لأطول فترة ممكنة.

عبدالله كان دائما الأمير الشاذ. كانت والدته من قبيلة شمر، المنافس التقليدي لآل سعود. تزوج بن سعود بها لتعزيز الهدنة مع “شمر”. ولكن على الرغم من تغلغل “شمر” داخل المملكة العربية السعودية إلا أن عبد الله لا يزال غير موثوق فيه من قبل أخوة فهد.

وحده عبد الله من العائلة المالكة، اختار طريق الصحراء، وأدار ظهره للكماليات الفخمة في الرياض، وجدة، والطائف. لم يذهب لأوروبا في عطلة. قال انه يفضل، عندما يستطيع، قضاء وقته في احد الخيام وشرب لبن الإبل.

آل سعود يكرهون تذكيرهم بان جذورهم تعود “للبدو”، ويكرهون أن يقوم عبد الله بتقليص الفساد والامتيازات الملكية. عبد الله عندما أصبح ملكا، وضع حدا للسرقة. وقد أصبح خارجا تماما عن السيطرة. الأمراء من الجيل الثالث كانوا يحصلون على 19000$ في الشهر، وهو جزء من احتياجاتهم. فهم يتكلفون مليون دولار$ في السنة لإبقاء يخوتهم على شاطئ الريفييرا الفرنسية. ولكي يغطوا نفقاتهم كانوا يسرقون الملكيات والأصول المملوكة من الدولة، ويبيعون تأشيرات الهجرة والهيروين ولفترة من الوقت بدا وكأن عبد الله قد وصل إلى الطريق الأمثل ليكون الملك. وفي منتصف التسعينيات كانت السعودية تواجه صعوبات مالية كارثية، وأقنع ولي العهد الملك فهد في ذلك الوقت بتعيين عدد من الوزراء الإصلاحيين.

بينما كان كبار الأمراء يستخدمون مناصبهم الحكومية لاقتطاف قطعة ثمينة أو عقار ثمين– كان الأمراء الكبار يتابعون الميزانيات الشخصية الضخمة الخاصة بهم. وكان احد كبار الأمراء يسلخ وزراء عبد الله الإصلاحيين واحدا تلو الآخر.

أول من سقط كان علي الشاعر الذي أخذ مهامه الوزارية وحملة الإصلاح على محمل الجد، محاولا منع صفقة خطط لها الأمير طلال، الذي كان قد رتب للاستيلاء على قطعة ثمينة يملكها رجل أعمال بارز. طلال استنكر عمل الشاعر لأنه حرمه من حقوقه التي “وهبه إياها الله”. وعلى الفور جند حاكم الرياض، سلمان، ووزير الداخلية نايف للوقوف في وجه الضغوطات، فأقيل الشاعر .

وفي العام 1995 حدث الشيء نفسه لوزير الشؤون البلدية والقروية، محمد بن عبد العزيز آل الشيخ، عندما حاول منع أحد أبناء سلطان من السيطرة على إحدى الأراضي.الصفقات العقارية الملتوية كانت قطعة صغيرة في نسيج الفساد السعودي. الصفقات العقارية كانت ستؤدي إلى إفلاس البلاد، وأكثر المتورطين كان الأمير سلطان.

الإنفاق من خارج الميزانية، والإيرادات من مبيعات النفط كانت تذهب مباشرة إلى الحسابات الخاصة، وتتجاوز الخزينة السعودية. وكان يتم استخدام هذه الأموال لدفع ثمن مشتريات الدفاع ومشاريع البناء. مع عدم وجود عمليات تدقيق من قبل الحكومة أو أي نوع من المساءلة والعمولات والرشاوى كانت هائلة.

الصفقة الأكثر شهرة خارج الميزانية كانت معروفة باسم “عملية اليمامة” – اليمامة هي صفقة شراء أسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية اكتسبت شهرتها بسبب ضخامة الرشاوي والعمولات المدفوعة فيها.

في سبتمبر أيلول 1985 وقع وزير الدفاع البريطاني، مايكل هيزلتاين مع السعودية المرحلة الأولى من صفقة اليمامة التي نصت على تزويد السعودية بطائرات تورنيدو وبي أيه إي هوك الحربيتين وتقديم الدعم الفني والصيانة المتعلقة بهما، بالإضافة إلى إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة لهذه الطائرات في السعودية، وقد بلغت قيمة الصفقة حوالي 43 مليار جنيه إسترليني (86 مليار دولار أميركي) كان الفضاء البريطاني سوقا مضمونة للمملكة العربية السعودية لتصريف نفطها، وذهبت معظم اللجان لسلطان وعائلته وحشد غفير من الوسطاء.

وقد حصل فهد على حصته، ولكن عبر زوجته جوهرة وأخوها إبراهيم عبد العزيز الإبراهيم، كي لا يوسخ يديه. لكي لا يخدش تاريخ المملكة. خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات كانت الصفقات تتم عبر الإبراهيم.

عادة، كان يصعب الحصول على تفاصيل صفقات “الإبراهيم”.. ولكن في 12 ديسمبر1997، قدم الإبراهيم دعوى قانونية ضد رولز رويس في لندن، لأن الشركة التي زودت محركات لتورنادو تراجعت عن اتفاق اللجان مع شركته الخاصة.

بالنسبة لعبد الله، القضية لا تتعلق بما حصل للخروج من اليمامة، بل بما أرادوه من المال – الإيرادات التي تحصل عليها تصل إلى ستمائة ألف برميل يوميا -. في سبتمبر 1996 كانت اليمامة تشكل عبئا لا يطاق على المالية السعودية. وفي أوائل العام 1996 لم تعد المملكة العربية السعودية قادرة على تحمل الضغوطات فاضطرت إلى اقتراض 400 مليون دولار لدفع التزاماتها في صفقة اليمامة. وعلى الرغم من أن اليمامة صفقة سيئة للسعوديين إلا أنهم لم يجرؤوا على الانسحاب منها.

في البداية، وقع عبد الله على أمر لشركة أرامكو السعودية لخفض الأموال التي تذهب إلى اليمامة. ولكن ذلك فشل. ومن خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم 5 سبتمبر 1996، حاول عبد الله الحصول على تصويت الوزراء “لتوقيف العمل بالصفقة”.. ولكن “سلطان” وقف ضد القرار لأن ذلك من شأنه أن يضيع الكثير عليه وهذا ما كان يريده عبد الله – وادعى سلطان بان القوات السعودية تعتمد على الأجهزة البريطانية وقال أيضا إنه إذا تم إلغاء اليمامة، فإن المملكة العربية السعودية ستضطر إلى الاعتماد بدرجة كبرى على الولايات المتحدة للتسلح، وهو أمر غير مقبول سياسيا. وفي نهاية اليوم، حصل سلطان على مراده وحافظ على الصفقة.

مشروع آخر كان خارج الميزانية وكان عبد الله يريد مرة أخرى السيطرة عليه هو التوسع في مشروع الحرمين الشريفين. هذه الصفقة كانت تشمل هدم وإعادة بناء المدينة المنورة والمساجد القديمة في مكة المكرمة. كما هو الحال مع اليمامة، كان يخصص لها 25 مليار دولار من البيع المباشر للنفط. وكانت عائلة بن لادن مسؤولة عن البناء واخذ الرشاوى التي تدفع لاحقا لأعضاء العائلة المالكة لتضمن بقاء التمويل.

من منتصف إلى أواخر التسعينيات كان المبلغ الإجمالي للنفط يذهب إلى البرامج الخارجة عن الميزانية وكان نحو مليون برميل يوميا، هو سدس صادرات المملكة العربية السعودية. وبالأسعار المتداولة كانت السعودية تنزف بـ 30 مليون دولار يوميا.

للخروج من تحت سيطرة شركة أرامكو السعودية، كل شخص – لديه ما يكفي من النفوذ- كان يحاول أن ينهب قدر ما يستطيع. وهذا ما حدث مع وزراء الحكومة الرئيسيين وحلفائهم الوهابيين الذين قرروا إصلاح أكثر من موقع تاريخي وهدمها وإعادة بنائها في المملكة. فأمرت الحكومة أرامكو بأن تضع جانبا، 100 مليون $ وكلفت مجموعة بكر بن لادن للعمل على الموضوع. ولكن بدلا من أن يذهب المبلغ بالكامل إلى المشاريع ذهب إلى كبار الأمراء، والجمعيات الخيرية، ورجال الدين الوهابيين.

في أكتوبر 1995 اعتقد فهد أن عبد الله قد يرغب في السيطرة على البلاد، بالتآمر مع وزير الخارجية سعود الفيصل وكان الملك فهد قد لاحظ انه في كل مرة تحصل ورطة، يذهب إلى عبد الله للمساعدة، فاتفقا في وقت لاحق، على أن لا يترك سلطان وفهد البلاد في نفس الوقت. ويبقى شخص لمراقبة “عبد الله“.

لذا نجد أن عبد الله خرج من الدائرة التي كان يحاط بها بعد السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد.. ولم يتمكن احد من إخراجه من خط الخلافة.

مرحلة عزوزي : انتعاش المتشددين وتمويل طالبان

داخل الأسرة، كان يلقى باللوم على عبد الله بسبب السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد، فهناك معلومات عن أن فهد وعبد الله كانا يتجادلان على الهاتف حول من سيحضر اجتماع مجلس التعاون الخليجي في سلطنة عمان.

فهد وعبد الله تجادلا حول ما يقال: عن الانهيار المالي الذي يلوح في الأفق وكان الحديث يدور همسا عن أن عبد الله قصد عمدا إثارة عصبية فهد، فصحته لا يمكن أن تصمد أمام الصراخ بعد عام ونصف على السكتة الدماغية التي تعرض لها فهد، حاول سلطان منع عبد الله من حضور اجتماعات مجلس الوزراء برئاسته.. وفي يوليو 1997 حاول عبد الله التوقيع على المراسيم والقوانين التي كان يجب أن تمرر.

سلطان، سلمان، ونايف وصلا إلى المستشفى في عرض تضامني كبير – لكنهم صدموا مرة واحدة، فالجوهرة وعزوزي أقاما معسكرا خارج غرفة فهد في المستشفى. وبعبارة أخرى، كان هناك حكم الأمر الواقع بوجود “انقلاب“.

كان أشقاء فهد غاضبين، ولكن لم يكن بيدهم شيء للقيام به. فكانوا يرغبون في إلقاء القبض على الجوهرة وابنها، وخيار أن يكون عبد الله الوصي، لا يمكن تصوره.

عزوزي لم يسقط فقط حوالي 900 بليون دولار عمولات بل أيضا هزم أخاه محمد بن فهد “البلدوزر”، الذي مثل إريكسون. محمد بن فهد، الذي فاز بلقبه من خلال تكتيكات الأعمال المفترسة التي كان يقوم بها، ولكن الأمور بدت أسوأ من ذلك حين تمت سرقة “بلدوزر” ب22 مليون دولار ومن ثم سرقة يخته. وقال انه لا يستطيع أن يفعل أي شيء لأن الجوهرة وعزوزي لم يهتما بما فيه الكفاية لإعادة المسروقات.

القصر الأسطوري لعزوزي خارج الرياض تفوق فيه على أي شيء بني في أي وقت مضى من قبل آل سعود. فيمكن دخول القصر من خلال أربع بوابات مقوسة منفصلة وبحلول مارس العام 1997 أصبح الوضع لا يطاق، بالنسبة لأسرة فهد، فتعاون سلطان مع سلمان لمنع واحدة من الصفقات العقارية لصالح عزوزي. أنا لست متأكدا ما كانت النتيجة، ولكن لو نجحوا، لكان ذلك انتصارا باهظ الثمن.

توصل كبار الأمراء إلى توافق بشأن الخلافة، استنادا إلى التجربة والحكمة. وقد لاحظ الأميركيون. بشخص قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال بينفورد بي، الذي جاء إلى الرياض للقاء فهد في 13 يوليو عام 1997، وفوجئ بوجود عزوزي بجنبه.

لكن ما أقلق حقا العائلة السعودية كان تمويل عزوزي للوهابيين المتطرفين، فبدا وكأنه اكتشف إيمانهم، وكان واضحا انه يغازلهم لعلمه انه في يوم من الأيام سيكون بحاجة إلى دعمهم ليصبح ملكا.

في ديسمبر 1993 أذن عزوزي بـ 100.000 دولار لمسجد في مدينة كانساس سيتي. في 15 سبتمبر 1995، قال انه فتح أكاديمية الملك فهد في بون، ويوم 17 سبتمبر عام 1995، دعا رئيس الجمعية الإسلامية في اسبانيا، منصور عبد السلام إلى الرياض . وفي مايو 1996 أمر عزوزي بإطلاق سراح محمد الفاسي من السجن. وكان الفاسي قد تم سجنه لمعارضته حرب الخليج ورفضه لوجود القوات الأميركية في المملكة العربية السعودية.

كان وزير الداخلية نايف اعترف بأن المملكة العربية السعودية لديها مشاكل مع المتشددين الإسلاميين. في نوفمبر 2002 قال: “كل مشاكلنا تأتي من “الإخوان المسلمين”. لأننا قدمنا ​​الكثير من الدعم لهذه المجموعة. وقال إن الأخوان المسلمين دمروا الأخوة في العالم العربي. وتابع نايف: “بسبب تقييد حريتهم في بلدانهم، وجد الأخوان ملجأ لهم في المملكة العربية السعودية حيث وجدوا الإسلام المتطرف“.

في سبتمبر 1996 كلف قائد القوات الجوية بتعيين خمسة من أتباع بن لادن، وكان هناك بالفعل سخط في وزارة الدفاع من وجود الولايات المتحدة في المنطقة. ورأى ضباط من جميع الرتب أن الولايات المتحدة بالغت في خطر “صدام حسين” كذريعة لإبقاء قواتها في المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى في المنطقة.

وكان تعيين هؤلاء المتطرفين الإسلاميين الخمسة سيؤدي إلى تفاقم الوضع، ولكن لا أحد كان على استعداد لعكس قرار القائد، بما في ذلك عبد الله وسلطان .. وبحلول أكتوبر تشرين الأول العام 2002 تم إبلاغ الشرطة السعودية بأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على ضباط الجيش والمخابرات الصغار. جرى اعتقال عدد من ضباط الجيش البحريني كانوا على ما يبدو علاقات مع تنظيم القاعدة في فبراير 2003 لتبرير مخاوف السعوديين.

انتشار النزعات الإسلامية داخل الجيش شجع عزوزي في سبتمبر 1997 على تنسيق مساعدات بقيمة 100 مليون دولار لطالبان. ولم يعط أهمية لقيام حركة طالبان بحماية بن لادن، الرجل الذي كان يتعهد الإطاحة بآل سعود.في ديسمبر 1999 اشتعلت رياح عزوزي مع المتشددين الإسلاميين، واتضح أنه تم تمويل زميل بن لادن “سعد البريك” ، الذي بدوره كان يعطي المال للجماعات الإسلامية في الشيشان لذبح الروس عسكريين ومدنيين على حد سواء.

وبعد تلك الأخبار لم يكن أمام نايف سوى خيار إعلان وقف الإنفاق لعزوزي ووضع “البريك” تحت الإقامة الجبرية. ولكن نايف لم يفعل شيئا على الإطلاق، وعزوزي واصل تفريغ الملايين كما               يريد .

بالنسبة لنايف كان من المستحيل لأي من إخوة فهد الوصول إلى مركز متقدم لدى واشنطن. وخلال العام 1990، واصل وزير الدفاع سلطان تمويل عبد الله الأحمر، رئيس التجمع اليمني للإصلاح، والإخوان المسلمين في اليمن. وتجاهلت واشنطن الأدلة على الرغم من انه كان لديهم يد في تفجير المدمرة الأميركية كول.

تجاهلت واشنطن ايضا التحول العميق الذي تعرض له حاكم الرياض الأمير سلمان في اصوله الأسلامية في منتصف التسعينيات على الرغم من أن سلمان كان مسؤولا في الجمعيات الخيرية التي كانت تمول بن لادن والأخوان المسلمين. كان فهد، نايف، سلطان، وسلمان فوق القانون وبالأخص في واشنطن.

المال والصفقات والصمت الأميركي

مرة أخرى، لم يكن امام واشنطن أي خيار. لم يكن الوضع في الرياض كما حاولت الادارة أن تظهره، وكان هناك انتقاد كبير للعائلة المالكة حول تمويل وتغطية الأشخاص الذين يقتلون الأميركيين. وبالتأكيد لم تكن واشنطن على استعداد لتأديب المملكة، بينما كانت الولايات المتحدة تنال حصة الأسد من الإنفاق على الدفاع في البلاد، والذي يمثل نصف الإنفاق الحكومي السعودي.

لم يتمكن السعوديون من تأمين 7،2 $ مليار للصفقة السعودية مع بوينغ. ومع استحقاق 500 مليون دولار للدفع استطاعوا تأمين 60 مليون دولار فقط. وبحلول العام 1997 استحقت 2.8 مليار دولار على الطائرات، ولم يكن ممكنا أن تخصص من الميزانية. فقد سرق سلطان المال من “اليمامة”، وفي يوليو 1997 قال سلطان إن دفعة بوينغ لابد أن تأتي من الميزانية، ولتغطية المبلغ اجلت الوزارة شراء قطع الغيار وتسليم الطائرات الجديدة، التي تكلف المملكة العربية السعودية مئات الملايين.

في أواخر سبتمبر 1996 كان عبد الله حذرا جدا حول الوضع المالي للملكة العربية السعودية، وقد حاول إرسال رسالة إلى إدارة كلينتون .

لم يتمكن عبد الله من دفع السفارة الأميركية في الرياض إلى الاصغاء، فمهمتها الوحيدة الضغط على السعوديين لدفع فواتيرهم في الوقت المحدد. لم يثق عبدالله بالأمير بندر ليكون القناة المعتمدة مع البيت الأبيض لأنه في نهاية المطاف، كان مخلصا لأبيه، سلطان. وافضل ما كان يمكن ان يفعله عبد الله هو التداول في مشاكل المملكة مع السفير السابق ريتشارد مورفي. كان مورفي معروفا في العالم العربي كما في الولايات المتحدة بأنه خبير في شؤون الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، لم تكن لديه صلة بإسرائيل، على الأقل هذا ما يعرفه عبد الله. وكان مورفي مشكلة الحكومة لما يقرب من سبع سنوات وكان له نفوذ في واشنطن.

في اجتماعهما يوم 23 سبتمبر 1996 أوضح عبد الله لمورفي ان الولايات المتحدة بحاجة للتشاور مع السعودية قبل اتخاذ أي مبادرات جديدة في المنطقة… عبد الله استعاد تجربة حرب الخليج منتقدا إدارة بوش، وقال: إدارة الرئيس بوش ضللت المملكة العربية السعودية حول التكاليف. دفع ثمن القواعد الأميركية في المملكة العربية السعودية كان يكلف مليارات إضافية. (وبعبارة أخرى المملكة العربية السعودية لا يمكنها أن تحمل تكاليف بوينغ أو أي تكاليف أخرى إذا انتقلت إلى المشاكل الإقليمية) وقال عبد الله: إدارة كلينتون عليها التخلص من صدام حسين على الفور – والى الأبد. وفي الوقت نفسه، لا يسمح بأن يعتقد العرب أن الولايات المتحدة تشن حربا ضد الشعب العراقي. أخيرا، يجب على الولايات المتحدة التوصل إلى تسوية مؤقتة مع طهرانولكن في تلك الفترة لم يلق نداء عبدالله آذانا صاغية في واشنطن، فكلينتون كان يعمل على الولاية الثانية.

في الوقت نفسه، واصل الأمير سلطان شراء الأسلحة التي لا يمكن لأحد تحمل عبئها. في ديسمبر 1996 أبرمت المملكة العربية السعودية صفقة أسلحة عديمة الفائدة، فاشترت أربعة وأربعين طائرة هليكوبتر من طراز أوغستا 412 – التي يمكن تمويلها من “نفط اليمامة”، وهو ما يعني أنها ستكون مخفية عن الشارع السعودي.

في وقت لاحق من الشهر، دخل سلطان السوق مرة أخرى بشراء مئة واثنتين من طائرات F- 16 المقاتلة والمتعددة المهام. وفي وقت لاحق من ذلك العام، قام السعوديون بإبرام صفقة ب 3 مليار دولار مع فرنسا ناهيك عن أن المملكة كانت تتكلف على اليمامة وحدها 4.5 مليار دولار كمتأخرات.

الضربة الحقيقية جاءت في 18 ديسمبر العام 1996، عندما استدعي وزير الدفاع ويليام بيري ووزير الخارجية وارن كريستوفر، ونائب الرئيس آل غور بندر إلى البيت الأبيض، ليس للاستفسار عن التقدم المحرز في تحقيق “الخبر” بل لعدم السماح لبندر بالذهاب إلى منزله في بوتوماك إلى أن يوافق على إعطاء البوسنة 2 مليون دولار في الشهر كمساعدات وكلما تواصل البيت الأبيض أكثر مع عبد الله، كلما قلت محبته، فكان يهدد ليس فقط بتقليص عقود الدفاع و الطيران المدني ولكن أيضا باتخاذ خط مستقل عن السياسة الخارجية.

وكان دائما يعزف عن رسالة ريتشارد مورفي: إما الإطاحة بصدام حسين، أو تركه وحده، ورفع العقوبات . كلينتون لم يفعل شيء حول سياسة العراق – وصدام كان في مربع “الاحتواء “، في السعودية كان الأكثر تعاطفا مع صدام الإسلاميون المتشددون الذين أصبحوا شائعين في الجيش السعودي.

وفي يونيو 1997 بعث عبد الله رسالة إلى المبعوثين الخاصين لفتح قناة خلفية لم يكن من المفترض أن تعرفها الولايات المتحدة.

بحلول العام 1996 كان النفط تحت المتوسط ​​بـ 21 دولارا للبرميل، وفي العام التالي ارتفع سعر برميل النفط إلى 23 دولارا، أي قفز بما يقرب من 10 %.

رأى عبد الله أن اتفاقات أوسلو العام 1993 كانت كذبة. وقد بيعت للعرب على أساس أن الفلسطينيين حصلوا على شبه دولة قابلة للتطبيق في الضفة الغربية وقطاع غزة – الولايات المتحدة وقرار الأمم المتحدة 242. ولكن ليس هناك من مستوطنة واحدة تم تفكيكها في ظل أوسلو. ازداد عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية من 250.000 إلى 380.000 ووصل عدد المستوطنين اليهود في غور الأردن إلى 500.000 يستهلكون 75 % من المياه ويتركون الباقي لمليوني فلسطيني للعيش.

هكذا تحمي واشنطن الإرهاب

قبل بضعة أشهر من استقالتي من وكالة المخابرات المركزية، كنت أتساءل إن كان هناك أي شيء ليس للبيع في واشنطن. وعلى الرغم من أنني كنت دائما في الخارج، لكن لاحظت أن بندر وطائرات البوينغ، ومجموعات كارليل وايكسون يشغلان واشنطن. فشهدت على فضيحة تمويل الحملات الانتخابية، ولاحظت كيف كانت الاصوات تشترى بمئات آلاف الدولارات. شهدت على سلطة بندر ​​في واشنطن… ولكن اتساءل لماذا يحصل ذلك؟ هل يجب العودة إلى الشرق الأوسط للحصول على الجواب.

في أوائل أكتوبر تشرين الأول العام 1994، عندما كنت نائبا لرئيس العمليات في العراق، قال لي احد العملاء في عمان أن صدام حسين يتحرك نحو الحدود الكويتية. لم أكن أصدق ذلك. فكم سيكون غبيا لو فعل ذلك؟

وعندما عدت إلى واشنطن، علمت ان الأقمار الصناعية قد التقطت حركة المدرعات العراقية جنوبا باتجاه الحدود الكويتية، ولكن الأقمار الصناعية لن تقول لنا ما إذا كان صدام ينوي عبور الحدود فعلا-. لذلك نحن بحاجة إلى عملاء، والمشكلة الوحيدة هي انه لم يكن لدينا عملاء هناك، لم يكن لدينا شخص بجانب صدام، او اي مصدر في جيشه، ليقول لنا ما إذا كان الجيش سيتوجه إلى الكويت.

الاتصال الأول الذي جاءني من غرفة العمليات في البيت الأبيض كان يفيد بأن البحرية الأميركية والرئيس ينويان ارسال ناقلات عسكرية إلى الخليج، ولكنهما أرادا معرفة ما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية تشجع هذه العملية.

كنت أعرف أنه لم يكن لدينا مصادر، لذلك بادرت إلى الاتصال بمكتب السعودية لمعرفة ما إذا كانوا لاحظوا وجود أي نشاط غير معتاد على الحدود العراقية، فبدو الحدود العراقية-السعودية كانوا يعبرون طوال الوقت.

وقال ضابط في المكتب ” لا يوجد شيء على الإطلاق لا شيء“.

كنت أعرف أنه يقول لي الحقيقة، لان المملكة العربية السعودية هي حليفتنا. وكان لدينا جنودنا في المملكة. فقد عملنا على ابقاء أسطولنا في الخليج وأضاف: “الكويتيون ليس لديهم أدنى فكرة عما يسعى إليه صدام”، “لم يتم استدعاؤهم إلى الحدود لمعرفة ما يجري”، ولكن لم يكن هناك من خيار.

فبعد خمس عشرة دقيقة أبلغ حرس الحدود الكويتية بأنه يرى دبابة عراقية تتحرك مع طاقمها.وبالصدفة، بعد دقيقتين، اتصل جورج تينيت من البيت الأبيض، رئيس الاستخبارات في مجلس الأمن القومي – بالمسؤول عن تبليغ واشنطن بكل الإحداثيات حول الأزمة قائلا: “اللعنة ماذا يجري في العراق ؟ انا غير راض عما يجري”.

وأتساءل: هل الأموال التي تدفع لجهاز الاستخبارات تخصص لشراء المناظير فقط؟. ما الذي لا نعرفه عن شمال الخليج. عراق صدام إجمالا كان منغلقا تماما عن العالم، وكان من الصعب جمع المعلومات الاستخبارية. ولكن ماذا عن أصدقائنا مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، -القلب الذي يضخ الدم في حياتنا الاقتصادية ؟

ومنذ ذلك الوقت بدأت أقرأ التقارير القادمة من الرياض، لم يكن هناك شيء بارز، لم يكن هناك أي كلمة عن الانقسامات في العائلة المالكة أو علاقتها بالوهابيين، ولا عن رجال الدين الوهابيين، الذين يحصلون على ما يريدون من آل سعود .

ومن خلال النظر مرة أخرى لبيانات العام 1986، لم يكن هناك الكثير لتقرأه في الصحف والمجلات الأكاديمية. عندما نصل إلى الخليج، نصبح عميانا، وإذا كان هناك مكان يشتعل بالنيران، فنحن لن نعرف إلا بعد فوات الأوان.

في ذلك العام توجهت إلى بيروت، ولم استغرق وقتا طويلا لمعرفة أنها لم تكن بيروت التي تركتها في العام 1988. كانت المدينة في تلك الفترة تشهد انقسامات كبيرة بسبب الحرب الأهلية، والآن هي تبنى من جديد. فكان رئيس الوزراء رفيق الحريري يعيد بناء وسط المدينة، بعد ان استقدم أفضل المهندسين المعماريين في العالم للمساهمة في عملية البناء. وقيل انه حفر جزءا من بيروت الرومانية القديمة. وكان يجري حفر نفق تحت المدينة العصرية لتسهيل حركة المرور. وكان هناك طريق جديد إلى المطار. وبعد بضع سنوات، ستنافس بيروت باريس ولندن.

لا يزال الشرق الأوسط يعاني من جروح كثيرة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت ليضمد تلك الجروح.

سائق التاكسي الذي أخذني من بيروت الغربية إلى بيروت الشرقية عشية عيد الميلاد من ذلك العام، قال إنه أول مرة يقطع الخط الأخضر..

في هذه المرحلة حاولت المعارضة القطرية أن تلجأ إلى بيروت ودمشق. وقد كنت مهتما بأمير قطري بارز يدعى حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني.- “الأمير الأسود” تخرج من كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا- وأنا أعطيك الاسم الكامل لأنه يبدو أن كل ولي عهد تقريبا في قطر يحمل اسم حمد أو جاسم. أما وزير الخارجية فهو حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني.

كان الأمير الأسود وزيرا للاقتصاد ورئيسا للشرطة، وقد حاول الإطاحة بأمير البلاد في فبراير شباط العام 1996، بدعم من الأمير الأب “خليفة” الذي أطاح به ابنه في العام 1995. ولكن النقطة الاساسية هي أن قطر دولة دسيسة في الخليج. السعودية ومصر، وسوريا دعموا محاولة الانقلاب في فبراير 1996 وكانوا يسعون لتقويض الحكومة القطرية. كانت قطر مصدر سحر لمن يهتم بالسياسة الخليجية، وكانت أيضا الجائزة الكبرى لشركات النفط في العالم. فبالإضافة إلى احتياطياتها النفطية، قطر تملك واحدا من أكبر حقول الغاز في العالم. وكانت لها أيضا علاقة جيدة مع الإسرائيليين.

من خلال عدد من اللقاءات التي أجريتها مع أصدقائي القدامى في بيروت، وجدت شخصا يعرف “الأمير الأسود” الذي كان يعيش في دمشق، في مجمع مراقب من كبار ضباط الجيش والمخابرات. والوصول إليه لم يكن سهلا.

ولكن في نهاية المطاف وصلت إلى زميل “يعمل” لدى الأمير، الذي وافق على لقائي في لبنان. وكان شرطه الوحيد أن يتم اللقاء في فندق في وادي البقاع –شتورة بارك اوتيل- الذي كان يدار من قبل الاستخبارات السورية.

وفي يوم اللقاء توجهت إلى البقاع، الى الفندق المذكور فكان “الأمير الأسود” في الانتظار مرتديا زيه العسكري والكوفية تلف عنقه، وكأنه مقاتل فلسطيني، وليس أميرا خليجيا. كانت الغرفة مظلمة باستثناء موقد حرق الغاز في الزاوية. قدم “الأمير الأسود” الشاي، وقال: “كما تعلمون، كنت مع ياسر عرفات في الأيام الأولى من العمل الفدائي، تدربت في معسكراته، وحاربت إلى جانبه “.

كان الأمير يحاول أن يقول انه لا يشبه أبناء عمومه، فهو مقاتل من الطراز الأول، ولا احد يستطيع أن يعبث معه وفي تلك اللحظة أدركت سبب موافقة الأمير على مقابلتي، هو أراد الاستقصاء حول علاقة واشنطن الخارجية ببلاده وبالوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، أو “حمد الجيد”، كما كان معروفا في واشنطن.

حمد كان وزير الخارجية وصديق واشنطن واسرائيل، وراعي المؤتمرات الاقتصادية العربية التي كانت تعقد في قطر وتدعى إليها إسرائيل التي فتحت مركزا اقتصاديا لها في الدوحة.قطر وعدت بإجراء انتخابات ديمقراطية، وسمحت للمرأة بالتحرك، وعقدت صفقة مع انرون بمليارات الدولارات.

والوزير حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، كان وزيرا مقبولا اجتماعيا كما بندر – وهو يمتلك مزرعة على طريق فوكسهال، أغلى حي في العاصمة وقال لي “الأمير الأسود”: “ابن عمي اشترى مقعد في مجلس الأمن القومي؟” فاجبت: “لا أحد يشتري ويبيع واشنطن”. فأضاف “انه وزير ملعون، وغني، متأكد من أنه يمكن ان يملك المكان، لكنه لا يستطيع شراءه” …. لديك الكثير لتتعلمه، يا صديقي”. وانتهى اللقاء ولكنه لم يكن الاخير.

فلاحقا التقيت بالامير في اكثر من مكان، وفي كل لقاء كان يعرب عن ثقته بي، وكنا نتحدث عن دولة قطر، وكان واضحا أن الأمير يريد توجيه طعنة في القلب لابن عمه وخصمه، ووزير خارجيته وفي احد المرات دعاني “الأمير الأسود” إلى منزله في دمشق، وكان قد بنى لنفسه منزلا من طابقين في مجمع عسكري شمال غرب دمشق. وكانت للتجمع حديقة بحجم ملعب كرة قدم.

في احدى الجلسات قال لي الأمير” هل تعرف شيئا عن ابن عمي حمد بن جاسم بن جابر” فقلت اني التقيته في مكتب ليون فيورس مستشار الأمن القومي. وذكرت كيف طلب مني مغادرة المكتب لدى وصول وزير الخارجية فقال: “أنا لا أعرف إذا كنت صادقا معي أم لا، لكن حكومتك تلعب لعبة خطيرة للغاية”. سألته ما الذي كان يقصده “دعونا نبدأ مع بن لادن” وزير الخارجية هو واحد من مؤيديه الرئيسيين وهو يكره السعوديين عرفت ذلك عندما كنت في وكالة الاستخبارات المركزية، وأنا سمعت سلطان وكبار الأمراء وهم يصفون وزير الخارجية القطري “بالكلب“.

كنت أعرف أن وزير الداخلية، عبد الله بن خالد، التقى أسامة بن لادن في 10 أغسطس 1996، ولكن هذا لا يعني أي شيء. فهناك الكثير من العرب كانوا يحجون إلى الخرطوم لرؤية بن لادن. المخابرات العراقية ايضا التقت بن لادن في عدة مناسبات.

هل تعرف من هو خالد الشيخ حمد؟ “م” يتم إسقاطها من كلمة “محمد” باللغة العربية التي يتحدثها القطريون. كان “الأمير الأسود” يشير إلى خالد شيخ محمد. فقلت لا، لأنني كنت أسعى لمعرفة القصة من البداية إلى النهاية، وأضاف “انه قائد العمليات الإرهابية التي ينفذها بن لادن، وكان هدفه تفجير الطائرات.

أضاف المير الأسود : في العام 1995 كنت قائدا للشرطة عندما جاء إلى قطر آتيا من الفيلبين بعد اعتقال اثنين من أعوانه، فاقتدناه فورا إلى وزير الداخلية عبد الله بن خالد، الوهابي المتعصب، وطلب مني أمير البلاد أن أساعد عبد اللهأصبح من الواضح بالنسبة لي أن “الأمير الأسود” يريد مني أن أفعل شيئا بهذه المعلومات. فمعظم العرب يقومون بذلك وكنت أرغب في سماع بقية القصة.

فسألت: “أين هو خالد شيخ الآن؟” أجاب : “عندما غادر خالد شيخ محمد قطر العام 1996، لم أكن متأكدا من ظروف الانتقال وقال اعتقد انه في “براغ”، فأنا أعلم أن محمد شوقي اسطنبولي ذهب إلى هناك”. وكان محمد شقيق خالد شوقي اسطنبولي، الذي فرغ رصاص رشاشه في صدر أنور السادات في العام 1981. وكان محمد نفسه مطلوبا في مصر بتهمة القتل.

وعندما انتهى، سألته، “هل هناك دليل على كل هذا؟ “فقال: “بل لدي أكثر من ذلك بكثير. فأنا كنت وزيرا للاقتصاد، وكلما جاء الوقت لوضع المال في الانتخابات الأميركية، كنت أنا من يفعل ذلك” .

أنا لا اهتم بقيام الحكومات الأجنبية بوضع المال في الانتخابات الأميركية، ولكنني اهتم لخالد شيخ محمد، وكنت أعرف بالفعل المؤامرات التي تحدث- كنت اعلم بخطة خالد شيخ محمد لتفجير الخطوط الجوية الأميركية.

ولكن كيف يمكن لي إيصال المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية ؟ فقد كنت خارج الوكالة والشيء الوحيد الذي يمكن فعله هو إرسال المعلومات والوثائق بالبريد الإلكتروني لصديق لا يزال في وكالة المخابرات المركزية والطلب إليه القيام بتمرير المعلومات لمركز مكافحة الإرهاب، وإدراج جميع البيانات، بما في ذلك اسم “الأمير الأسود“.

كنت آمل أن تقوم واشنطن بارسال شخص للتحدث معه ولكن رد صديقي بعد يومين: “لا مصلحة لنا” لم أكن لاستسلم، لذلك طلبت مساعدة مراسل صحيفة نيويورك تايمز جيم رايزن، فإذا نشرت المعلومات وخاصة الوثائق في صحيفة نيويورك تايمز ربما تجذب انتباه شخص ما من حلفائنا في الخليج، حول واحد من أكثر الإرهابيين فتكا في العالم.

في هذا الوقت كنت قد انتقلت إلى نيويورك، وكان “الأمير الأسود” لا يزال مستعدا لإخراج كل ما لديه، وعندما تقرر ذهاب رايزن إليه اختطف “الأمير الأسود” في بيروت ونقل جوا إلى الدوحة.

وحتى كتابة هذه السطور، هو في سجن بلا نوافذ، وتقول عائلته انه يجري حقنه بالمخدرات. وبمجرد اختفائه هناك حقائق ثابتة أصبح من المستحيل تقريبا الحصول عليها.

بعد أن اختفى “الأمير الأسود” التقيت في نيويورك بواحد من رفاقه، ولد في سري لانكا، وكان مجنس أميركيا. وكان يعمل للبعثة القطرية في الأمم المتحدة، قال انه كان قلقا من التحدث معي، وأنه لا يريد المزيد من المتاعب“.

وبعد أن أقنعته أنني كنت صديقا “للأمير الأسود”، قال لي قصته: “في العام 1995، عندما أطاح أمير البلاد الحالي بوالده، قمت بخطأ تكتيكي لانحيازي إلى جانب الأب والأمير الأسود، جعلني عدوا لوزير الخارجية وأمير البلاد. وفي احد الأيام التقيت وزير الخارجية في نيويورك فقال لي انه يجب أن اختار بين الجانبين، والإبلاغ عن الأمير الأسود”. فقلت “لماذا؟” “أنا لم كسر القانون”. أجاب الوزير “لا يهم، سترى قريبا“.

كان من الواضح بالنسبة لي أن وزير الخارجية له الكثير من النفوذ في واشنطن، الأموال التي أنفقت سمحت لقطر أن يكون لها تأثير على مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي أرسل فريقا إلى الدوحة في شهر فبراير 1996 لاعتقال خالد شيخ محمد. أيضا لتسخير الـ FBI لترهيب المعارضة في قطر وللأسف، لم تكن تلك هي نهاية القصة، ففي العام 1998، عندما كنت أعيش في فرنسا، تلقيت مكالمة من صحيفة وول ستريت جورنال من شاب يدعى داني بيرل. والتقينا في جنيف لنتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر. كان يستمع ، ويأخذ الملاحظات، وبعد فترة قال انه طرح قصة خالد شيخ محمد، ولكن نحن الاثنين لا نملك المزيد من المعلومات لننشرها.

بعد يومين من 11 سبتمبر وصلتني هذه الرسالة على البريد الإلكتروني من بيرل: مرحبا ، كيف الأمور؟ لم يصدر كتابك؟ آمل أنك لم تكن بالقرب من البنتاغون الثلاثاء؟.بعض المشتبه بهم كان من المفترض أنهم يحملون جوازات سفر تابعة للإمارات العربية المتحدة، وأتذكر انك كنت قد تحدثت عن الفجيرة وادعوك للتحدث عن خالد شيخ محمد وقطر.

ليس لدي أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان بيرل ذهب إلى كراتشي وسأل عن خالد شيخ محمد. ولكن صحيفة وول ستريت جورنال تقول لا، انه يعمل على قضية مختلفة.

قتل بيرل وأصابع الاتهام كانت موجهة لخالد شيخ محمد، فقد علمت من صديق في لندن أنه بعد بضعة ايام من 11 سبتمبر تحدث بيرل مع وزير خارجية قطر للتساؤل عما إذا كان خالد شيخ محمد وراء الهجمات. لم أكن بحاجة إلى معرفة رد القطريين، فبالتأكيد نفوا بشدة معرفة أي شيء عن 11 سبتمبر وخالد شيخ محمد.

وأتساءل عما إذا كان القطريون دعوا خالد شيخ محمد وقالوا له أن بيرل على الطريق لكننا لن نجد إجابات للكثير من الأسئلة، فحكومتنا يجب أن تطالب بالحقيقة وتبحث عنها في أماكن مثل قطر والمملكة العربية السعودية. وصدقوني، الأسئلة أكثر من الأجوبة بعد 11 سبتمبر.

قال قطري آخر لي أنه في أواخر 1990، أيمن الظواهري، نائب بن لادن في مصر، وعشرات الزملاء موجودون في قطر – وبعلم الحكومة. كما في المملكة العربية السعودية، وما زلنا لا نملك جوابا عن: لماذا ظهر عمر بيومي في سان دييغو مع مئات الآلاف من الدولارات، وساعد اثنين من الخاطفين السعوديين. فهو بمتناول مكتب التحقيقات الفدرالية، ويعيش بهدوء في مكان ما في المملكة العربية السعودية.

كثيرا ما كنت أتساءل إذا كان المال الذي تلقاه كولن باول عن خطابه في جامعة تافتس جاء من الحساب الذي تستخدمه وزارة الدفاع السعودية للدفع لعمر بيومي لكي نطالب المملكة العربية السعودية بالحقيقة يجب ان نقولها لأنفسنا قبل ذلك ، والا سيكون هناك المزيد من 11 سبتمبر، والمزيد من المآسي مثل قتل داني بيرل.

إجابات واشنطن للمملكة العربية السعودية – هي نفسها لبقية دول الشرق الأوسط: الديمقراطية سوف تعالج كل شيء. يجب التحدث إلى العائلة المالكة للتنازل عن جزء على الأقل من سلطتها، وتعيين الأمراء ذوي العقلية الإصلاحية، وتأسيس برلمان نموذجي، إيجاد اثنين من الأحزاب السياسية، إرسال جيمي كارتر لمراقبة الانتخابات الأولية، ومن خلال إيجاد بعض التعديلات الرياض ستكون أنقرة، أو ربما ستوكهولم الآلية الحكومية قد لا تعمل بشكل جيد، ولكن الناس سيدعمونها، لأنها ستجتث الفساد، وتقبض على الإرهابيين، وتعترف بحق الشعب في حكم نفسه.

وفي مقال لمجلة ناشونال جورنال في 6 أكتوبر 2001 لخص جهاز موثوق في واشنطن المشكلة، وقال نيد ووكر، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ومصر والرجل الثاني في سفارة الرياض في العام 1980: “لن تحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية دون الديمقراطية، الاستقرار على المدى الطويل يشجع الديمقراطية، ويساعد على بناء المجتمعات المدنية“.

وقال شاس فريمان، السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية: “سيتم توجيه تنظيم القاعدة أولا وأخيرا للإطاحة بالنظام السعودي. وقد خاضت السعودية المعارك الخاصة لمكافحة الإرهاب”. وأضاف أنتوني كوردسمان، وهو خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية . “المملكة العربية السعودية تقود عملية واسعة النطاق للتغيير الاقتصادي الاجتماعي. إنها تغير وهذا ما دفع الأقليات للجوء للعنف“.

يمكنك سماع هذه النغمة في جميع أنحاء واشنطن، حتى خارج وكالة الاستخبارات المركزية، سوف تنتصر الديمقراطية في الصحراء لأنها انتصرت في أميركا وأوروبا. الناس هم الناس، ونحن جميعا نريد الشيء نفسه .

إن ذلك محض هراء، أنصار الديمقراطية يتحدثون عن انتخابات حرة ونزيهة في المملكة العربية السعودية – شخص واحد، صوت واحد، كل تسعة أمتار مربعة .

دعونا نلقي نظرة على آخر مرة كان فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية في دولة عربية: الجزائر في أواخر العام 1991 وأوائل العام 1992. عندما كان الأصوليون على وشك الفوز بأغلبية ساحقة               وفرض الدستور الاسلامي، فتدخل الجيش ودخلت البلاد على الفور بحرب أهلية قتلت مئات الآلاف من الناس.

لماذا نتوقع ان تكون المملكة العربية السعودية مختلفة ؟ وفقا لأحد استطلاعات الرأي التي أجريت في أكتوبر 2001، 95 % من السعوديين المتعلمين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين عاما وواحد وأربعين يدعمون بن لادن.. في أكتوبر 2002 سألت أحد زعماء المعارضة السعودية، محمد المسعري، فقال: “ليس هناك أي شك في أن الحكومة الإسلامية من شأنها ان تخلف آل سعود إذا سمح للسعوديين في تقرير مصيرهم السياسي“.

استطلاع أكتوبر 2001 لم يجب عن سبب دعم السعوديين لبن لادن، على الرغم من أنني أفترض أنه لا يهم حقا. ربما بن لادن لا يجرؤ على فعل ما ترفض الولايات المتحدة الأميركية القيام به: الوقوف في وجه اللصوص الذين يحكمون البلاد. أو ربما كما يقول المحافظون الجدد في واشنطن: “إنهم يكرهون الغرب وقيمه، وأيا كان السبب، فإن الأثر العملي هو انتخابات ديمقراطية في السعودية نيد ووكر، الذي يعلم كل شيء عن الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، ورئيس معهد الشرق الأوسط، مدعوم جزئيا من الأمراء السعوديين الذين يفضلون الزحف على ركبهم إلى مكة المكرمة للحصول على التصويت الشعبي.

رئيس مجلس الإدارة، ريتشارد بيرل، كان بمثابة شريك في شركات متخصصة في مجال التكنولوجيا، والسلع، والخدمات المتعلقة بأمن الوطن و الدفاع. بينما بيرل كان شديد القسوة وقال إن السعوديين يحثون على الحرب ضد العراق، كان شركاؤه مجتمعين مع كبار رجال الأعمال السعوديين في محاولة لجمع 100 مليون دولار للاستثمارات الجديدة.

لجميع الراغبين في تغيير الواقع الأساسي للعالم:

الوضع هو على النحو التالي :

         العالم الصناعي يعتمد على احتياطيات النفط في العالم الإسلامي وسيحتاج إليها لعقود قادمة، سواء قامت الدول العربية بتطوير احتياطياتها أو آسيا الوسطى.

         من بين الدول النفطية الإسلامية، ليس هناك ما هو أكثر أهمية من المملكة العربية السعودية، لأنها ( أ) تجلس على رأس أكبر الاحتياطيات النفطية ( ب ) لأنها بمثابة الهيئة المشرفة على السوق الصناعي البترولي العالمي (ج ) لديها المال، والإرادة السياسية، والحماسة الدينية لمواصلة السيطرة على شبه الجزيرة العربية وآسيا الوسطى.

         من بين الدول المستهلكة للنفط، لا احد يستهلك أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي ليس هناك من دولة أكثر اعتمادا على النفط السعودي.

         إذا استطاعت دبابات المملكة العربية السعودية، السيطرة على أربع أسر خليجية أخرى في المنطقة ممن يملكون مجتمعين 60 % من احتياطيات النفط المؤكد في العالم، الاقتصادات الصناعية لن تتراجع، بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية.

شئنا أم أبينا، الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مركب واحد، مستقبلها هو مستقبلنا. في نهاية المطاف، ما نحتاج إليه في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط هو حكم القانون. أنا لا أتحدث عن شرعة الحقوق، وحرية الصحافة، وحرية العبادة، أو الحق في حمل السلاح. أنا أتحدث عن شيء أكثر أساسية – تحريم نشاطات الجهاديين والإخوان المسلمين وتجريم اللجان والسرقة، والرشوة. فقط من خلال معالجة تلك المشاكل يمكن أن تفكر في حقوق الآخرين أو الديمقراطية الحقيقية ،التي من شانها أن تساعد في فرض سيادة القانون، مثل فرض قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، ووقف الرشوة ، ووضع حد للمسؤولين المتقاعدين من الحكومة الأمريكية.إذا كنت تحمل منطق التقدم إلى الأمام، سيكون من الممكن تعديل قوس الحكومات الشيعية من طهران إلى الكويت إلى البحرين إلى المنطقة الشرقية، جميع البلدان التي بات عدد سكانها الشيعة كبير جدا. قبل 11 سبتمبر، أي حديث عن بناء الأمة على هذا النطاق كان يسحب من أي نقاش جدي في سياسة واشنطن. نحن الآن نواجه حل البيت السعودي، وليس أمامنا أي خيار آخر. الغزو ​​والثورة قد يكونان الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الصناعات الغربية لفترات طويلة، واشنطن دفعتنا للتعامل مع الشيطان. وهمسنا في أذنه وقلنا إننا نحبه.عندما تسير الأمور بشكل خاطئ، تقوم واشنطن بوضع يدها وتقول إنها على ما يرام. وكل هذا الوقت كانت أعيننا على المحافظ المنتفخة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى