مقالات مختارة

كيف يمارس حلفاء واشنطن سلكوهم السيء تجاهها؟: جيريمي شابيرو وريتشاردسوكولسكي

 

تحاول واشنطن في الفترة الاخيرة استرضاء حلفائها متجاوزة ما حصل في السابق لتحاول تامين مصالحها في المقام الأول فرغ الرئيس الاميركي باراك أوباما ما لديه مؤخرا في مقابلة مع جيفري غولدبرغ، ووصف هؤلاء بانهم ” الركاب بالمجان” الذين يعتمدون على الولايات المتحدة لتعزيز امنهم وفي الوقت عينه يرفضون تسديد شيء من الكلفة في المقابل، معلقا بشكل خاص على تدهور العلاقات مع هؤلاء المتذمرين مثل المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا .

الحقيقة هي أن حلفاءنا يتصرفون بالطريقة التي يتصرفون بها لأننا نسمح لهم بذلك. فنحن نقدم مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية من أجل حماية وتعزيز المصالح الأمريكية، ولكننا فشلنا في استخدام هذا النفوذ لحث المستفيدين من هذه المساعدات على التصرف بطريقة تدعم مصالح الولايات المتحدة.

جزء من هذه التصرفات مستمر منذ الحرب الباردة، ولكن ما يهم هو من كان الى “جانبنا”، ومن كان “بجانب” الاتحاد السوفيتي. وبعبارة أخرى، كانت علاقة التحالف نفسها هي ما تهم أكثر من أي شيء آخر. ما فعله أصدقاؤنا في بلدانهم ومناطقهم لا يهم حقا، طالما أنهم بقوا أصدقائنا.

ولكن هذا ليس العالم الذي نعيش فيه اليوم، عالم اليوم معقد، تطغى عليه سياسات تتميز بتضارب المصالح والمواقف في القضايا المختلفة، وينبغي على الولايات المتحدة أن تركز أقل على جعل حلفائها سعيدين وأكثر على جعلهم يتصرفون فعلا مثل الحلفاء.

حلفاء يتصرفون بشكل سيئ

الرئيس أوباما يكاد يكون أول رئيس يشكو من حلفائه، في الواقع هناك تاريخ طويل عن حلفاء الولايات المتحدة والدول العميلة التي قبلت مليارات الدولارات ضمن فرص اقتصادية غير محدودة فقط لانتهاج سياسات ضد مصالح الولايات المتحدة أو انتقاد الموثوقية الأميركية. في العام 1996، كان اللقاء الاول الذي جمع الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي ببنيامين نتنياهو. وبعد الاجتماع قال كلينتون غاضبا: ” من يظن نفسه؟ من هي القوة العظمى هنا؟.

باكستان ربما كانت المثال الأكثر شناعة عن الحلفاء الذين يتصرفون بشكل سيئ. فرغم المليارات التي استثمرتها الولايات المتحدة في علاقتها مع باكستان منذ العام 1954، الا ان الحكومة (أو بتعبير أدق، قيادة الجيش) حولت المساعدات العسكرية الاميركية نحو صناعة الاسلحة النووية. كما آوت الجماعات الاسلامية المتشددة التي تقتل الجنود الأميركيين في أفغانستان، كطالبان والقاعدة (وربما أسامة بن لادن)، وقدمت العون لشبكة عبد القدير خان، الذي أصبح “وول مارت” لأسلحة الدمار الشامل لدول مثل كوريا الشمالية وليبيا وإيران التي كانت تسوق للمعدات والخبرات حول كيفية صنع أسلحة نووية.

مصر مثال آخر: قدمت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لمصر كمساعدات عسكرية منذ العام 1979، بغرض الحفاظ على معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية، والتي لا تمتلك مصر اي مصلحة أو نية لكسرها، أبعد من ذلك فإنه من خلال الحفاظ على الروابط مع النخبة العسكرية المصرية سوف تكون الولايات المتحدة قادرة على جذبالضابط المصريين ليصبحوا قوة موالية للغرب لتحقيق الديمقراطية.

للأسف بعد 35 عاما على تجربة الضباط الاحرار اطاح ضباط مصريون بالحكومة المصرية المنتخبة ديمقراطيا وذلك في يوليو 2013 ومنذ ذلك الحين بدأت عمليات القمع الوحشية للمعارضة. الجنرال السابق الذي درب الجيش هو الآن ديكتاتور مصر، لكنه يظهر القليل من الميل نحو الديمقراطية أو المصالح الغربية.

المملكة العربية السعودية هي مثال آخر، النظام السعودي يعتمد كليا على الجيش والخدمات اللوجستية، والتدريبية، والدعم الاستخباراتي الاميركي. المملكة ليس لديها بديل عن الولايات المتحدة وقادتها يعرفون ذلك. ولكن السعودية كثيرا ما تعمل ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة: محاولاتها لوقف الصفقة النووية الإيرانية، وتمويلها الإسلاميين المتطرفين في مختلف أنحاء المنطقة، وتقويضها للجهود الاميركية الرامية إلى التفاوض لإنهاء الحرب في سوريا.

فلماذا تستمر الإدارات المتعاقبة بتوفير المعونات الضخمة لعملاء أميركا بينما واشنطن في المقابل تحصل على القليل وأحيانا على الاسوأ ؟.

جماعات الضغط المحلية وتأثير المكونات القوية مثل صناعة الدفاع الأمريكية لا شك انها تلعب دورا في كبح حلفاء وعملاء واشنطن عن تبني سلوك معاد لمصالح الولايات المتحدة، وهذا هو الحال مع دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر التي تشتري الاسلحة الاميركية المتطورة بمليارات الدولارات.

ولكن المصالح لا تفسر سلوك بعض الحلفاء غير المستفيدين اقتصاديا او عسكريا من الولايات المتحدة امثال تركيا، التي تمارس اسوا السلوكيات تجاه واشنطن.

إرث الحرب الباردة: إما “معنا” أو “ضدنا

الجواب الأفضل هو أن الحرب الباردة التي أصبحت متأصلة في السياسية الخارجية الاميركية هي أولوية لا يمكن الاستغناء عنها في “إدارة التحالف.”

خلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تخضع العالم لتقسيم ملائم بين من “معنا” أو “ضدنا” في السباق العالمي للأيديولوجية العسكرية، والتنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. كانت قواعد اللعبة التي تمارسها الدبلوماسية الاميركية للتعامل مع الدول تنقسم الى فئتين: مكافأة وشراء الحلفاء والعملاء في مقابل تضامنهم ودعمهم في مكافحة الشيوعية. واحتواء ومعاقبة وعزل، والضغط على الأعداء لدعمهم الاتحاد السوفياتي.

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع حلفائنا، ما يهم حقا هو أن يقفوا معنا في مواجهة الصراعات وكل شيء آخر يغفر بسهولة. وعموما ساعدت هذه الفلسفة الولايات المتحدة في الحفاظ على جبهة فعالة ضد السوفييت، حتى عندما ارتكب حلفاء الولايات المتحدة كل أنواع الخطايا. .

اليوم، معظم دول العالم ليست معادية للولايات المتحدة. تعمل الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية للحفاظ على الاستقرار في سوق النفط، ولكنها تنتقددورها “كراعي رئيسي أيديولوجي للثقافة الاسلامية”، مصر تدعم جهود الولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن تحاكم موظفي المنظمات غير الحكومية الممولة من الولايات المتحدة، بما في ذلك نجل وزير الخارجية الاميركية، في محاولة لتعزيز الديمقراطية في مصر. قطر تستضيف قاعدة جوية أمريكية لها دور بالغ الأهمية في مكافحة داعش، ولكن تقوض نشاط سياسة الولايات المتحدة في ليبيا وسوريا، وتساهم في نشر الفوضى في تلك البلدان ما يسمح بانتشار داعش.

هذه العلاقات تفسر مسالة التعاون والصراع فهناك مصالح مشتركة واخرى شخصية بين الولايات المتحدة وشركائها الآخرين. الحرب الباردة توفر الانضباط وتعيد تصويب الانحرافات والتحالفات، وتأتي هذه الاشتباكات لتحديد العلاقة، العديد من العلاقات الخارجية تقع ضمن هذه الفئة، ولكن واشنطن لا تزال تتصرف كما لو أن التحالف نفسه هو العامل الأكثر أهمية.

كيف يفسر ذلك السلوك السيئ الذي ينتهجه حلفائنا

الرافعة المالية العكسية: يعتمد الكثير من حلفاء الولايات المتحدة اعتمادا كبيرا على الولايات المتحدة وعلى الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الذي تقدمه لهم. ومع ذلك فواشنطن تنحني الى الوراء للحفاظ على العلاقات على نحو سلس عبر تدفق بالمساعدات.

قطر، على سبيل المثال، هي بلد صغير لديها موارد طبيعية وهي محاطة بجيران يبغضون حكومتها. أنها تعتمد بشكل كامل على الولايات المتحدة لحمايتها. بعض المسؤولين الاميركيين يخشون التنديد بأفعال قطر في سوريا وليبيا خشية أن تفقد الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية هناك.

لذلك، بدلا من الاستفادة من اعتماد قطر على الولايات المتحدة من أجل بقائها ويجب حث قطر على وقف العمل ضد مصالح الولايات المتحدة في سوريا وليبيا.

الخطر الأخلاقي: في الشأنالدبلوماسي تحمي الولايات المتحدة الدول العميلة من عواقب سلوكها وتضمن اخراجها من اي ورطة، وتتكبد معظم التكاليف والآثار السلبية بدلا من تحميلها المفترض لحلفاء يجب ان يدفعوا أفعالهم.

النتيجة الكلاسيكية “الخطر الأخلاقي”. على سبيل المثال، عندما تدخلت المملكة العربية السعودية عسكريا في اليمن ضد نصيحة الولايات المتحدة، كان الرد الأمريكي على الرغم من ذلك التدخل، ضمان عدم تحميل السعودية عواقب الفشل، بطبيعة الحال، فإن الدرس الذي تعلمه السعوديون هو أن الولايات المتحدة سوف تدعمهم مرة أخرى بغض النظر عما يفعلونه.

وفي اليمن، أثر الدعم غير المشروط سلبا على مصالح الولايات المتحدة: تزايد العنف والفوضى الناجمة عن التدخل العسكري السعودي مكن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي تعتبر تهديدا خطيرا للولايات المتحدة. وحولت الأصول السعودية عن الحملة الموجهة ضدداعش، وتصاعدت حدة الصراع بين السعوديين وإيران، ما زعزع الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.

الاطمئنان الذي لا نهاية له: الرئيس أوباما اشتكى في مقابلة ذا اتلانتك من أن المنافسة بين المملكة العربية السعودية وايران تساعد على “تغذية الحروب بالوكالة والفوضى” في الشرق الأوسط، إلا أنه قام برحلة شخصية إلى المملكة العربية السعودية في الأسبوع الماضي فقط لطمأنة السعوديين بان الولايات المتحدة ملتزمة بأمن المملكة العربية السعودية.

ولكن لماذا يجب أن تهتم الولايات المتحدة اذا شعرت المملكة العربية السعودية وكأننا نتخلى عنها؟

بدلا من محاولة طمأنة السعوديين بجب على الولايات المتحدة ان تستفيد من المخاوف السعودية، جنبا إلى جنب مع مليارات الدولارات من الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة إلى السعودية لإجبارها على وقف أعمالها في المنطقة.

كما لاحظ أحد المسؤولين في الإدارة الأمريكية، “لدينا حلفاء لا يسببون لنا الا الصداع، باستثناء أستراليا. يمكنك دائما الاعتماد على أستراليا”. هذا أمر عظيم ولكن يوحي النمط العام ان الوقت قد حان للبدء في النظر أقرب إلى مصدر هذه المشاكل.

معهد بروكينغز

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان

http://www.brookings.edu/blogs/order-from-chaos/posts/2016/05/04-us-allies-bad-behavior-shapiro-sokolsky?rssid=Order+from+Chaos

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى