بقلم ناصر قنديل

موسكو والإسناد العسكري للبنان

      

ناصر قنديل

– تنطلق موسكو في خطواتها المتتابعة بهدوء، فلا تطرح استحقاقات بعيدة المدى إلا على طريقة عرض المبادئ دون تحديد الأهداف على الطريق ولا وسائل التحقيق ولا التحالفات، والمبادئ هي الحرب على الإرهاب تحت مظلة أممية، واحترام سيادة الدول، والسعي إلى حلّ الخلافات بين الدول والقوى حول المصالح والأحجام والأدوار والهواجس عن طريق الحوار، طالما أنّ أطرافه ذات مصالح مشتركة في الحرب على الإرهاب، وفي قلب هذه المبادئ يجب عدم تحويل النظام الدولي والقانون الدولي إلى أدوات مصلحية لسياسات دولة عظمى مهيمنة، ولا إدارة المعادلات الدولية بمنطق موازين القوى، ولا استغلال الحرب على الإرهاب لانتهاك سيادة الدول وفرض السياسات عليها أو التدخل في شؤون الحكم فيها.

– وفقاً لهذه المبادئ وجدت موسكو أنها تقف وسورية وإيران ودول أخرى على ضفة واحدة، ووجدت أنّ احترام وتطبيق هذه المبادئ يستدعيان مواجهة التفرّد الأميركي والتصدّي لمساعي واشنطن عبر تحالفات فئوية ضيّقة لشنّ حروب وتصنيع وتصعيد أزمات تهدف إلى تقاسم المغانم مع حلفائها، وتؤدّي إلى إطالة أمد الحرب على الإرهاب لتبرير مواصلة الجهود تحت شعارها لفرض السياسات والمصالح الخاصة، ولو أدّى ذلك إلى المزيد من تجذّر الإرهاب وتحوّله إلى خطر داهم على واشنطن وحلفائها.

– تحرّكت موسكو عسكرياً وحققت إنجازات كبرى أتاحت إفهام واشنطن استحالة استباحة سورية، وقدّمت لها واقعياً فرص الفوز بالنصر على الإرهاب، فكانت حرب تدمر نموذجاً أذهل الغرب والعالم، وامتلكت الوصفة التي تخرج واشنطن من مأزق الفشل، كما فعلت يوم منحتها التفاهم على الحلّ السياسي للسلاح الكيميائي السوري تعويضاً لفشلها بخوض الحرب على سورية، فقدّم الرئيس السوري استعداده لانتخابات رئاسية مبكرة تقطع النقاش حول منصب الرئاسة وموقعه في مستقبل سورية، بإعادة الأمر إلى أصحابه الأصليين وهم السوريون، فصار المسرح جاهزاً للنقلة الجديدة وهي تشكيل جبهة عالمية للحرب على الإرهاب تكون الدولة السورية شريكاً رئيسياً فيها، بعد تشكيل حكومة سورية موحّدة، وهنا على واشنطن ترتيب بيتها الداخلي مع حلفائها وهذا ما يتعهّده الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقائه مع الرئيس التركي وزيارته المتوقعة إلى دول الخليج.

– بالتوازي تدرك موسكو أنّ لبنان ساحة إسناد ومواجهة بالنسبة للحرب على الإرهاب وتدرك التداخل الجغرافي في ساحة الحرب في شمال لبنان الشرقي مع الجيش السوري والمقاومة، وبسبب هذا التداخل تدرك موسكو استحالة مخاطرة الأميركيين بعرض تقديم الإسناد الجوي الضروري لحسم الحرب هناك، بينما لا يمكن لروسيا أن تقوم بذلك الإسناد دون التفاهم مع واشنطن وتعاون حلفائها المحسوبين لبنانياً على السعودية وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري، والمطلوب قرار حكومي لبناني يمكن الجيش اللبناني من التنسيق مع روسيا عسكرياً، لوضع أطر العمل المشترك ميدانياً، وموسكو جاهزة لذلك فهل يجهز اللبنانيون؟

– زيارة الرئيس سعد الحريري إلى موسكو كانت بدعوة لمناقشة هذه الرؤية بموافقة ومباركة أميركيتين، واعتبار الموافقة علامة سعودية إيجابية للانخراط في معادلات التسويات المقبلة، فحصلت موسكو على ما أرادت، لتحقق حلقة جديدة من حلقات الإنجازات التي سيكون مسرحها شمال شرق لبنان، بتعاون الجيش اللبناني والمقاومة والجيش السوري بغطاء غرفة تنسيق روسية تتولى إدارة العمليات الجوية، لشهور مقبلة تفتح معها وبعدها صفحات السياسة اللبنانية، رئاسة وسواها على إيقاع التسويات الإقليمية وتقدّم مساراتها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى