مقالات مختارة

الاغتيالات وسيلة حرب دائمة ومفتوحة في الاستراتيجية “الاسرائيلية” والاميركية د.منذر سليمان

 

    تجدد عمليات اغتيال علماء الطاقة النووية السوريين، مطلع الاسبوع، هو محور الموضوع قيد التداول، وتسليط الاضواء من جديد على “سياسة اسرائيل (في) استخدام الاغتيالات لشن حرب بوسائل اخرى،” وعنصرا رافدا لسياستها الخارجية؛ فضلا عما تؤشر عليه من استهداف الكفاءات الفكرية والعلمية كأحد محطات الحرب غير المتماثلة، وما تتركه من تداعيات تغذي الحرب النفسية ضد الشعوب العربية والايرانية تمارسها عبر اجهزتها العسكرية والاعلامية على السواء، تلقى اصداءها في الاعلام العربي التابع .

            تعرضت حافلة مدنية، يوم الاثنين 10/10/2014، تقل بضعة اشخاص في حي البرزة بدمشق الى اطلاق نار مكثف ادى لمصرع خمسة افراد، يعتقد انهم من علماء الطاقة النووية في سورية، سيما وان احدا لم يتبنى عملية الهجوم في منطقة تسيطر عليها الدولة السورية، مما يعزز الاعتقاد بمسؤولية “اسرائيل،” خاصة لما لها من تاريخ ممتد في اغتيال العلماء والكفاءات ليس في سورية وايران فحسب، بل كافة العلماء العرب من ذوي اختصاصات علمية رفيعة: العراق ومصر، ولم يسلم منها خبراء المان شاركوا مصر والعراق جهود التصنيع الوطني. كما انها ليست المرة الاولى التي تستهدف فيه سورية وكفاءاتها العلمية، بل سبقت بدء “الازمة السورية” وشهدت تصعيدا مركزا منذئذ.

            جملة اسئلة يتم التطرق اليها في بعد اغتيال الكفاءات العربية والايرانية ايضا، لا سيما في سبر اغوار او تورط الولايات المتحدة في هذا الشأن، خاصة لاستهداف عدد من الكفاءات العربية جرى تغييبها داخل الاراضي الاميركية، واشهرها العالمة المصرية سميرة موسى التي قضت في “حادث مروري” مشبوه في ولاية كاليفورنيا في آب/اغسطس 1952. وستتم العودة لهذا البعد لاحقا في التقرير.

الاغتيالات سياسة ثابتة “لاسرائيل

            درجت القيادات الصهيونية المتعاقبة على ارتكاب جرائم الاغتيالات، منذ ما قبل اغتصاب فلسطين وطرد اهلها، وتسخيرها في خدمة سياساتها الخارجية. من ضحاياها آنذاك عرب فلسطين بالدرجة الاولى، وكذلك بعض مندوبي الاستعمار البريطاني، خلال عقد الاربعينيات من القرن الماضي، بغية ترسيخ الكيان في الارض العربية. بعض عمليات الاغتيال التي قام بها جهاز الموساد نالت “اعجاب” الوسط الاعلامي الغربي واضفت عليه صفة اسطورية التي فندتها سلسلة من الاخفاقات والفشل المذهل، وبروز المقاومة العربية المسلحة.

            حالات نادرة هي التي استفاق فيها ضمير البعض من اليهود القادمين الى فلسطين من خارجها. في عام 1955 وجه استاذ الكيمياء العضوية وطب الاعصاب في الجامعة العبرية بالقدس، يشعياهو ليبوفيتز، مذكرة الى “رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون،” يلفت نظره الى “مقتل فلسطينيين ابرياء خلال العمليات الاسرائيلية.” وجاءه الرد بصلافه “لا اوافقك الرأي.”

            الكيان الصهيوني هو الوحيد من منظومة الدول الحديثة الذي اضفى الطابع المؤسساتي على الاغتيالات، في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي، دشنته “رئيسة الوزراء غولدا مائير،” باستحداث جهاز خاص بعمليات الاغتيال، “المجموعة اكس،” وتم رفدها لاحقا بـ “وحدة قيسارية” من جهاز الموساد لتنفيذ الاغتيالات.

            الاهداف الصهيونية لم تقتصر على القادة والكفاءات العربية في فلسطين فحسب، بل امتدت لتصل الى العواصم العربية الرئيسة، تشهد عليها عمليات اغتيال الكفاءات المصرية والعلماء العراقيين ذوي اختصاصات متعددة لا سيما بعد الغزو الاميركي، وفي العواصم الاوروبية. ومدت اخطبوطها الى اغتيال العلماء الايرانيين في مجال الطاقة النووية. الفريق المختص بتصفية العلماء الايرانيين في جهاز الموساد يدعى “كيدرون،” او وادي الجوز بالقدس المحتلة، يقع مقره في صحراء النقب بالقرب من مفاعل ديمونا النووي.

            نجاح عمليات الاغتيال، بالمجمل، لا يعفي تعاون عملاء في البلد المستهدف مع الاجهزة المعادية: منظمة “مجاهدي خلق” في ايران، والمعارضة السورية التي توفر الغطاء السياسي للمنفذ “الاسرائيلي.” في الحالة الايرانية تم القاء القبض على احد العملاء المحليين ويدعى مجيد جمالي فاشي، الذي اقر خلال التحقيق معه بالعمل لصالح الموساد لاغتيال الاستاذ الجامعي في جامعة طهران، مسعود علي محمدي، في كانون الثاني 2011، لقاء مبلغ 120,000 دولار تسلمها من مشغليه في جهاز الموساد.

            اعلنت الحكومة الايرانية عن اغتيال ما مجموعه خمسة من افضل الكفاءات العلمية لديها، منذ عام 2007، على خلفية نشاطاتهم العلمية والريبة من اشتراكهم في برنامج ايران النووي.

            يذكر ان تلك الاغتيالات لقيت ارتياحا واسعا لدى المؤسسات الاميركية، الرسمية والعامة على السواء، مما يؤشر على “ضلوع” وكالة الاستخبارات المركزية، بشكل او بآخر، في تصفية العلماء. وبلغت الصراحة العلنية درجة الصفاقة في تصريح السيناتور السابق عن ولاية بنسيلفانيا، ريك سانتورم، بوصفه الاغتيالات “رائعة” وترسل رسالة الى العاملين في البرنامج النووي الايراني بأن سلامتهم الشخصية مهددة.

            واضاف سانتورم “اعتقد انه يتعين علينا ارسال رسالة بالغة الوضوح للعلماء في روسيا، او كوريا الشمالية، ام في ايران بان استمرارهم العمل في البرنامج النووي لانتاج قنبلة (نووية) لايران، سيسفر عن سلامة شخصية غير آمنة.” رئيس مجلس النواب الاميركي آنذاك، نيوت غينغريتش، شاطر سانتورم في قراءاته واستنتاجاته وتصريحاته.

            افاد تحقيق نشرته صحيفة “نيويورك تايمز،” 10 تشرين الثاني 2014، ان وكالة الاستخبارات المركزية كانت على علم مسبق بعملية تفجير حافلة كانت تقل 11 عنصرا من الحرس الثوري عام 2007 اسفرت عن مصرعهم جميعا. استند التحقيق الى ملاحظة عابرة سبقت ذلك التاريخ عثر عليها في احد ملفات الوكالة تحذر من “حدث كبير على وشك الوقوع في ايران،” على ايدي مجموعة “جند الله،” وقادت الى صاحبها ضابط سابق في الاستخبارات.

       واضاف التحقيق  ان مصدر الملف المذكور كان “ضابط استخبارات في هيئة مراقبة الموانيء لمدينة نيويورك ونيوجيرسي .. يدعى توماس ماكهيل، العضو في قسم مكافحة الارهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي،” تعرف على مخبر “بالوشي” “يتلقى راتبا شهريا من مكتب التحقيقات منذ عام 1996 ويقطن في منطقة نيويورك.”

       واوضحت الصحيفة ان “ماكهيل .. اُرسل لافغانستان وباكستان بغية تنظيم مخبرين داخل قيادة جند الله والذين تم اخضاعهم تحت اشراف مشترك لمكتب التحقيقات ووكالة الاستخبارات المركزية .. ولاحقا استبدل مكتب التحقيقات بوزارة الدفاع الاميركية.” اللافت ان مجموعة “جند الله” تم ادراجها على قائمة المنظمات الارهابية من قبل الولايات المتحدة، بيد ان “التنسيق مع المخبرين بداخلها لم ينقطع .. واستمرت العلاقة قائمة حتى في ظل نفي متكرر من قبل الرسميين الاميركيين لأي علاقة” مع المجموعة الارهابية.

       واردفت الصحيفة ان بضعة مسؤولين اميركيين سابقين وحاليين “اكدوا العلاقة القائمة بين الاجهزة الاميركية ومجموعة جند الله،” وفق توصيف تطور الاحداث اعلاه. اما المخبر البالوشي فقد كُلِّف بايصال ماكهيل الى شبكة اصدقائه وعائلته في اقليم بالوشيستان، الذي “يضم عائلة ريغي احدى كبريات عشائر البالوش” في الشطر الايراني من الاقليم؛ وتم تأسيس “جند الله عام 2003 للقتال ضد الحكومة الايرانية.”

       ورغم نفي الاجهزة الامنية لأي علاقة مع ماكهيل، الا انه حصل على وسام تقدير من قسم العمليات الايرانية في وكالة الاستخبارات المركزية عام 2009.

وتجدر الاشارة الى ان تحقيقا خاصا نشر في يومية “فورين بوليسي،” 13 كانون الثاني/يناير 2012، أكد اقدام الموساد على انتحال صفة منتدبين من وكالة الاستخبارات المركزية وحملوا جوازات سفر اميركية بغية تشغيل مجموعات من “جند الله” من الباكستانيين في لندن ضمن حملة الاغتيالات والتفجيرات التي ادارتها واشرفت عليها في ايران، اضافة لتقرير بثته شبكة (سي بي اس) الاميركية، في 2 آذار/مارس 2014، يفيد ان مسؤولين اميركيين وعبر قنوات سرية اعربوا “للاسرائيليين” عن رغبتهم بان تتوقف “اسرائيل” عن استهداف العلماء الايرانيين لافساح المجال للجهود الدبلوماسية أخذ مجراها لوقف البرنامج النووي الايراني؛ اعتبر الأمر تسريبا من داخل ادارة اوباما.

قرأت بعض الاوساط هذه الخطوة كتعبير عن رغبة الرئيس اوباما تحقيق انجاز بالتوصل لاتفاق نووي مع ايران، وربما حفّزه ذلك على استخدام نفوذه بممارسة ضغط على “اسرائيل” لوقف مسلسل الاغتيالات كوسيلة لطمأنة الجانب الايراني وحثه على تقديم بعض التنازلات. كلفة الاغتيالات بالنسبة “لاسرائيل” باتت مرتفعة خاصة مع تطور وسائل القتال والمقاومة والتصدي الشعبي لها، وربما يفرض عليها ادخال بعض التعديلات للجم اندفاعة مسؤوليها في عمليات الاغتيالات.

            يذكر ايضا ان “اسرائيل” عرّضت بعض حلفائها الاوروبيين للتورط في الاغتيالات نظرا لاستخدامها جوازات سفر من تلك البلدان لتيسير تحركات عملائها، فضلا عن كندا واستراليا. وعقب انكشاف أمر فريق اغتيالها المكون من 29 عنصرا في اغتيال الشهيد محمود المبحوح في فندق بدبي، 20/1/2010، واستخدامه جوازات سفر متعددة: بريطانية والمانية وايرلندية وفرنسية، طلبت منها عواصم تلك الدول التوقف عن عمليات الاغتيال والكف عن استخدام جوازات سفر بلدانها المزورة.

            مساء يوم 23/3/1990، استفاق العالم على خبر اغتيال عالم كندي اميركي المولد ، جيرالد بول، امام بوابة منزله ببروكسيل، اتضح لاحقا انه من ألمع علماء الفيزياء الفلكية، واحد أهم الخبراء في تقنية المدافع طويلة المدى، قيل انه كان يعمل لحساب العراق في انتاج “المدفع العملاق.” كونه اميركي المولد يستدعي تدخل الاجهزة الأمنية الاميركية في التحقيق بمقتله، الا ان ذلك تم تجاهله من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي. الاغتيال نفذته “وحدة كيدرون،” وفق تحقيقات يومية “تليغراف” البريطانية، 17 شباط 2010.

            جدير بالذكر ان القانون الدولي ينص على حظر الاغتيالات في ازمنة الحرب والسلام، فضلا عن مساسها بسيادة الدول وحقوق مواطنيها. تتحايل “اسرائيل” على النص القانوني بالزعم ان فلسطين ليست دولة ولا ينطبق عليها توخي الالتزام بالقانون الدولي فيما يخص الاغتيالات داخل فلسطين او ضد الفلسطينيين؛ بل اضافت بمفردها على النص ان لها الحق بملاحقة “كافة الاعداء الذين يقاتلون ضد اسرائيل، وكل ما ينطوي على ذلك.”

            ذاك الفهم والتفسير يتناقض مع لوائح كافة الدول، بما فيها الولايات المتحدة، التي تغض الطرف عن عمليات الاغتيال “الاسرائيلية،” بينما تطلق تصريحات في العلن على نمط “يتعين على اسرائيل الادراك ان الاغتيال المستهدف ضد الفلسطينيين لا يضع نهاية للعنف، بل يؤجج وضع متفجر اصلا مما يعقد جهود استعادة الهدوء.”

تاريخ الاغتيالات الاميركية

            يعزو بعض المؤرخين تاريخ بدء عمليات الاغتيالات في اميركا الى زمن الحرب الأهلية باغتيال الرئيس ابراهام لينكولن، 14 نيسان 1865، ربما محقا في تأريخ البعد السياسي للاغتيال. بيد ان اغتيال اميركا للكفاءات العلمية في مناطق متعددة من العالم، بما فيها داخل الاراضي الاميركية، تكمن في بطون كتب التاريخ في اغلب الاحيان.

            حدد مجمع العلماء النوويين في اميركا تاريخ اغتيال العلماء والعاملين في النشاطات النووية عبر العالم الى ما قبل حقبة ظهور الاسلحة النووية على المسرح الدولي (نشرة المجمع 1/12/2012). وجاء في نشرته عقب اغتيال 4 من علماء الطاقة النووية في ايران ان “.. دوافع وهوية الاشخاص والذين يقفون خلف عمليات الاغتيال مبهمة، بيد ان حقيقة حصولها أمر لا يمكن انكاره.”

            واوضح المجمع ان “استهداف علماء الطاقة النووية يسبق بروز الاسلحة النووية .. ويعود الى علماء المانيا النازية لانتاج قنبلة نووية” الذين سعت الولايات المتحدة لاستقطابهم او تصفيتهم ان لم تنجح الاولى، مؤكدا استهداف الاجهزة الاميركية “لعالم الفيزياء الالماني الفذ فيرنر هايزنبيرغ.” ورد على لسان خبير فيزيائي وزميل لهاينزبيرغ، فيكتور وايزكوف، قوله “اعتقد ان افضل السبل في هذا الحال ترتيب عملية اختطاف لهايزنبيرغ اثناء زيارته لسويسرا.” ومن ثم تطورت العملية الى اغتيال فاضح بعد عام ونصف على كتاب وايزكوف المذكور.

            الابرز في الوعي العام هو الاغتيالات السياسية التي قامت بها الولايات المتحدة عبر العالم، مما حدى بمدير وكالة الأمن القومي ابان عهد الرئيس ريغان، ويليام اودوم، الى القول “نظرا لأن لدى الولايات المتحدة عينها سجل طويل في دعم الارهابيين واستخدام اساليب ارهابية، فشعارات اليوم المنادية بالحرب على الارهاب تضع الولايات المتحدة في موقف المنافق في نظر العالم كافة.” ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” الولايات المتحدة بأنها “دأبت ولزمن طويل على تصدير الارهاب ..” (26/8/2010).

            المسؤول السابق في وزارة الخارجية والمختص بالتاريخ العسكري، ويليام بلوم، يرجح ان الولايات المتحدة مسؤولة عن نحو “50 محاولة اغتيال لزعماء احزاب سياسية” عبر العالم منذ الحرب العالمية الثانية، منها ما نجح كاغتيال المناضل باتريس لومومبا في الكونغو، وفشل اجهزة الاستخبارات الاميركية في 8 محاولات لاغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو. واضاف في مؤلفه الاخير “وأد الأمل،” ان وزارة الخارجية “اقرت في شهر كانون الاول (2013) بتفويض من الرئيس الاسبق دوايت ايزنهاور لعملية اغتيال لومومبا، ووفر مدير وكالة الاستخبارات المركزية آلان دالاس مبلغ 100,000 دولار لانجاز مهمة الاغتيال.”

            واثر تداول مسؤولية الولايات المتحدة عن عدد من عمليات الاغتيال في وسائل الاعلام، شكل الكونغرس “لجنة تشيرتش” (السيناتور فرانك تشيرتش)، 1975، لعقد جلسات عامة والسماع لشهادات المسؤولين والخبراء، “لدراسة عمليات الحكومة الرسمية الخاصة بالنشاطات التجسسية.” افضت الى اصدارها توصية تطالب الحكومة الاميركية وقف استخدامها للاغتيالات كوسيلة وجزء من السياسة الاميركية. وما لبثت تلك السياسة ان استعادت حرارتها في ظل اجواء الترهيب عقب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وجاء في تقرير لاسبوعية “ذي اتلانتيك،” 18/7/2012، ان الرئيس جورج بوش الابن “وافق على السماح لوكالة الاستخبارات المركزية انشاء وحدة اغتيالات بالغة السرية لتحديد مكان واغتيال نشطاء تنظيم القاعدة.” واضافت ان برنامج الاغتيالات تم حجبه عن لجان واعضاء الكونغرس لنحو 7 سنوات،” 2009، لحين عقد جلسة استماع لمدير وكالة الاستخبارات آنذاك ليون بانيتا الذي “كشف عن قيام وكالته بتوظيف شركة الأمن الخاصة بلاكووتر للمساعدة في تنفيذ المهام.” الأمر الذي شكل “المرة الاولى التي تقوم بها الحكومة الاميركية الاستعانة بشركة خاصة لتنفيذ الاغتيالات السرية.”

            بعبارة اخرى، أمِلَ جورج بوش تشكيل درع لحماية نفسه من المسائلة، في حال الفشل، واودع المسؤولية بيد وكالة الاستخبارات لتقرر هي من سيتم اغتياله. واضاف تقرير “ذي اتلانتيك” ان بعض المتعاقدين مع شركة بلاكووتر، واعضاء سابقين في جهاز القوات الخاصة، اوضحوا “قيام الشركة بتنفيذ عمليات الاغتيال في افغانستان منذ عام 2008.”

            ورث الرئيس اوباما وحدة الاغتيالات المذكورة، وتدخل عام 2010 لدى القضاء الاميركي بعدم المضي في مقاضاة بعض مسؤولي “بلاكووتر” بتهم الاتجار بالاسلحة “خشية تعريض الأمن القومي للخطر.” ومضى اوباما على خطى سلفه وصادق على عقد جديد مع الشركة قيمته 250 مليون دولار “لتأدية خدمات غير محددة لوكالة الاستخبارات المركزية.” كما شهدت تلك الفترة من حقبة اوباما الاستعانة بشكل مكثف بطائرات الدرونز لرفد عمليات الاغتيال التي اضحت “نموذجا طبيعيا جديدا” في ثوابت السياسة الاميركية.

            كما اقتدى الرئيس اوباما بسياسات سلفه لتقنين سياساته المثيرة للجدل، وتحايل على القانون العام الساري الذي يحظر الاغتيالات، كما اسلفنا. واستنجد بوزارة العدل ايضا التي اصدرت كتابا يحدد “المبررات القانونية لاغتيال مواطنين اميركيين في الشرق الاوسط،” في اعقاب استهداف انور العولقي في اليمن ونجله من بعده، واللذين يحملان الجنسية الاميركية. وجاء في “تبرير” وزارة العدل انه يحق للرئيس اصدار امر لشن عملية تفتك بمواطن (اميركي) ثبت التيقن من موقعه “كـزعيم عملياتي كبير” في تنظيم القاعدة او المجموعات المنتسبة اليها.

حرب غير متماثلة تستهدف الموارد البشرية للآخرين    

            تتماثل سياسات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في شراكة التخلص الجسدي من الكفاءات العلمية والقيادات الواعدة للشعوب، لا سيما في الوطن العربي وكل من لا يمتثل لهما. وتفوقت الولايات المتحدة على “شريكتها” لاستنزاف الكوادر العلمية عبر تقديم عروض مغرية بالهجرة والاقامة في اراضيها. وتشهد استقطاب العلماء الالمان عقب الحرب العالمية الثانية على الدور الرئيس والمميز “للمهاجرين” في صنع التقدم التكنولوجي لاميركا، التي تبذل كل ما بوسعها لحرمان بلادنا من خيرة العقول والكفاءات.

            واضحت عملية الاستقطاب ركيزة ثابتة في السياسة الاميركية، لا سيما في استهداف ذوي المواهب العلمية الواعدة من خارج اراضيها، الذين يرجع لهم الفضل الاوفى في “مجالات البحوث العلمية والنظرية بمستوى يفوق اي بلد آخر على نطاق العالم.”

            وجاء في تقرير صادر عن “المؤسسة الوطنية للعلوم” ان الجزء الاكبر من العاملين في حقول العلوم والهندسة بكافة اشكالها في الولايات المتحدة “مواليد خارج الاراضي الاميركية.” اذ ان “عملية المقارنة لسوق العاملين حملة الشهادات الجامعية في كافة المعاهد التعليمية .. تشير الى اختلال لصالح المواليد الاجانب.” واشارت نتائج دراسة مسحية للمجتمع الاميركي اجريت عام 2011 الى ان نسبة العاملين في حقول الهندسة والعلوم من الاجانب تفوق 26% من مجموع حملة الشهادات الجامعية في عموم الولايات المتحدة. كما اوضحت ان ما ينوف عن 43% من المنتسبين لتلك الحقول والحاصلين على شهادات دكتوراه متقدمة هم من المواليد الاجانب ايضا.

            تخصص الحكومة الاميركية موارد مالية معتبرة لتمويل هجرة العلماء من الدول الاجنبية، وتعتبرها احد اولوياتها، وتوفر التسهيلات القانونية لتيسير الهجرة. واستثمرت الحكومة مبالغ طائلة خلال العقود الستة الماضية في مجال الابحاث الاكاديمية، مما انعكس على تميز معاهدها العلمية في استقطاب افضل العقول والمواهب في كافة ارجاء العالم. بعد نجاح هجرة هؤلاء تمضي الحكمة الاميركية في توفير مزيد من التسهيلات والاغراءات لهجرتهم الدائمة الامر الذي استفاد منه نحو 2/3 مجموع العلماء والمهندسين الاجانب وانخرطوا في المجتمع الاميركي كمواطنين.

            الظروف الاقتصادية الصعبة في بلادنا العربية وسوء توزيع الثروة وشح الاستثمارات العلمية حفزت اعداد متوالية من طلبة العلم والمتفوقين على التوجه غربا يقصدون الولايات المتحدة، ويحرم بلادنا من الاستفادة من ادمغة مثقفيها، في اغلب الاحيان. وعند فشل اسلوب الترغيب تستخدم “اسرائيل” سلاح الاغتيال للكفاءات. انها حرب دائمة مستدامة لكن كلفتها اقل دموية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى