بقلم غالب قنديل

تقريران وأسئلة كثيرة

da33esh

 

تواصل الولايات المتحدة التنصل من الانتقال إلى مجلس الأمن الدولي في قيادة الحرب على الإرهاب وتبدي مزيدا من التصميم على صيغة حلف اوباما الجهيض والبائس الذي يثبت تهتكه الواقعي عند معاينة سلوكيات أطرافه وخصوصا مع التصميم التركي على دعم داعش .

أولا بقيت قرارات مجلس الأمن الدولي التي اتخذت مؤخرا لمكافحة الإرهاب حبرا على ورق بينما ظهر تقريران يوم أمس في الصحافة العالمية:

         تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي يقدر عدد الإرهابيين الأجانب في صفوف داعش بخمسة عشر ألفا قدموا من ثمانين دولة ويؤكد ان حوالي ألف إرهابي جديد ينضمون إلى ساحات القتال في سورية والعراق شهريا وخصوصا في صفوف داعش.

وتناسى التقرير ان المجلس اتخذ قرارا سابقا يمنع فيه تسهيل تدفق المسلحين والأموال لصالح الجماعات الإرهابية وتضمن تسمية جبهة النصرة وداعش بالذات.

         تقرير نائب وزير الخزانة الأميركية لمكافحة تمويل الإرهاب ديفيد كوهين الذي ألمح فيه لما يؤكد إشارة نائب الرئيس الأميركي إلى استمرار عمل شبكات التمويل الخليجية لداعش والنصرة وتحدث كوهين عن انشطة داعش الإجرامية ودورها في تأمين الأموال خصوصا عن طريق عمليات الخطف مقابل فدية وهي سمة بارزة لنشاط جبهة النصرة التي تجد كيفما تحركت وسيطا قطريا مع أكياس الأموال في خدمتها وكان البارز في التقرير هو مليون دولار يؤكد كوهين ان داعش تجنيها يوميا من مبيعاتها النفطية التي بات معلوما انها حصيلة عملية مركبة لنهب كميات من النفط السوري والعراقي ونقلها برا إلى تركيا حيث يتولى فريق تجاري تركي بيعها وتمرير حصة داعش من العائدات نقدا بعد اقتطاع حصة الفريق التركي بوصفه وسيطا.

ثانيا إذن تدفق المزيد من المال والمقاتلين إلى سورية والعراق أي المزيد من المعارك والجرائم في حرب استنزاف مديدة لدولتين مهمتين في الشرق وما يكشفه التقريران هو تأكيد جميع الشكوك حول أهداف حملة أوباما المزعومة ضد الإرهاب حيث تنكشف أكثر فأكثر بوصفها خطة للضبط والترويض ولإعادة التوظيف وليست حربا للقضاء على الإرهاب التكفيري وتصفية أوكاره وليس الأمر ناتجا فحسب عن توسل الإمبراطورية العجوز طريق الضربات الجوية وتمسكها العدواني بالعمل ضد الدولة الوطنية السورية بدلا من التنسيق مع القوة الوحيدة التي تمتلك زمام المبادرة على الأرض بل أكثر من ذلك يفضح التقريران مقادير الأكاذيب الأميركية عن مكافحة الإرهاب فالولايات المتحدة لو أرادت منع تدفق المزيد من المقاتلين وتجفيف موارد التمويل ستكون مدعوة للضغط بقسوة على حكومات تدور في فلكها مباشرة ولا تجرؤ على معاكسة طلباتها وتمنياتها في الرياض والدوحة واسطنبول وعمان وغيرها ومما يدعو للسخرية والاشمئزاز ان تلك الحكومات هي قوام تحالف اوباما في المنطقة فأي حرب على الإرهاب تلك يشنها إلى جانب الولايات المتحدة ممولو الإرهاب وداعموه .. إنها نكتة سمجة.

كذلك فالشبكات المالية الخليجية التي تنقل أموال “المتبرعين” إلى داعش والنصرة وسواهما من تنظيمات التكفير والإرهاب معروفة بأدق تفاصيلها لدى الولايات المتحدة التي تستطيع إلزام جميع حكومات بلدان الخليج ( التي تخشى الغضب الأميركي ) بتدابير فورية تحظر أنشطة صناديق وجمعيات وشبكات إغاثية بعضها شبه حكومي ومتبنى من العائلات الحاكمة وشخصيات دينية تقدم كميات من الأموال تجمعها من تجار ومصرفيين بانتظام لحساب التنظيمات الإرهابية.

ثالثا نهب النفط السوري والعراقي وتقاسم عائدات البيع في تركيا مع شركاء داعش وحاضنيها في جمهورية أردوغان العثمانية هو المصدر الأهم لتمويل داعش ولدى الولايات المتحدة كامل المعلومات دون شك وهي تعرف اكثر من سواها كمية من الوقائع عن التصميم السياسي التركي على مواصلة دعم داعش واحتضانها في جميع المجالات ولدى الاستخبارات الأميركية معلومات موثقة عن عناوين منتجعات مقاتلي داعش ومستشفياتهم في تركيا وعن شركات تسويق النفط وشبكة الحسابات المصرفية التي يتقاسم أبو بكر البغدادي ومسؤولون أتراك أرصدتها المنتفخة بعائدات بيع النفط المسروق.

تصح القياسات نفسها في موضوع تسلل الإرهابيين إلى سورية عبر الحدود التركية بشكل خاص ومن جهة الحدود الأردنية ومن خلف خط فصل القوات في الجولان حيث يحظى المتسللون بالدعم والحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي خصوصا بعدما أحكم الجيش العربي السوري سد خطوط انتقال المقاتلين من لبنان بالشراكة مع حزب الله في منطقتي القصير والقلمون وفي ظل التدابير التي اتخذها الجيش اللبناني مؤخرا.

رابعا السلوك الأميركي المشبوه والمخادع يطرح كثيرا من الأسئلة عن دوافعه وأهدافه ويتبنى البعض تفسيرا محوره ثلاثة عوامل : تراجع القوة الأميركية والعجز عن ضبط الشركاء والخوف من تمردهم رغم جدية التحسس الأميركي لمخاطر ارتداد الإرهاب وخروجه عن السيطرة إضافة إلى التهرب من كلفة الخضوع للتوازنات الجديدة التي تعني التسليم بانهيار منظومة الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم ويرى هؤلاء ان التكيف الأميركي مع الظروف الناشئة عالميا وإقليميا سيتطلب وقتا ضروريا وهم يبشرون باقتراب مثل هذا التحول من خلال تراجع الاشتباك الأميركي الروسي بعد اتفاق الغاز الروسي الأوروبي الأوكراني إضافة لما يرشح من إيحاءات إيجابية حول مناخ التفاوض الإيراني مع مجموعة 5+1 بصدد الملف النووي ويضرب أصحاب هذا الرأي موعدا مع بشائر التغييرات الأميركية في أعقاب الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي بسقوط الحرج السياسي من أي خطوات قد تتخذها الإدارة.

بالمقابل ثمة وجهة نظر أخرى أشد تشاؤما في التعامل مع السياسات الأميركية ويقول أصحابها بأن مهمة اوباما الرئاسية كانت بتكليف من المؤسسة الحاكمة التي تدير المشروع الإمبراطوري الأميركي وهذه المؤسسة تريد ان تترك للرئيس الأميركي القادم طرقا مفتوحة على الخيارين الكبيرين استراتيجيا لحماية المصالح الاستعمارية الأميركية : إحياء خطة المواجهة الكبرى لضرب خصوم الهيمنة الأحادية وتطويعهم في جميع انحاء العالم وإعادة توجيه الإرهاب واستخدامه بعد ضبط انفلاشه في سورية والعراق وخيار الصفقة الكبرى مع المنافسين والخصوم التي تخفض كلفة التكيف مع الشراكات الدولية والإقليمية الجديدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى